الأنباط -
الزعيم و المناضل الشيخ عزام جبر العبيدات ، من قيادات التاريخ الأردني و زعيم منطقة الكفارات آنذاك ، و أحد زعماء عشيرة العبيدات ، لقد كان قائدا فذا يتميز بالحنكة و الحكمة ، فارسا لم يترجل عن صهوة جواده ، لشجاعته و شهامته و قوته ، فقد كان قائدا و مجاهدا في معارك عديدة .
كان قائدا و مجاهدا في معركة (تل الثعالب) التي حصلت فلسطين و التي استشهد فيها ابن أخيه (الشهيد كايد مفلح عبيدات و رفاقه ) ، و كان أحد ممثلي منطقة الكفارات في لواء بني كنانة في محافظة اربد ، في مؤتمر (قم) ، المؤتمر الوطني الذي عقد في السادس من نيسان من عام 1920 ، و الذي جاء ردا على عدم وفاء الإنجليز بوعودهم في وقف هجرة اليهود إلى فلسطين و وقف بيع الأراضي الفلسطينية لليهود ، و خرج المؤتمر بقرارات عديدة ، في المواصلة بالدفاع عن فلسطين و قهر العدو الصهيوني و وقف هجرة اليهود إلى فلسطين ، و كان من نتاج هذا المؤتمر ،( معركة تل الثعالب) التي استشهد فيها عشرة مجاهدين و هم ، كايد المفلح عبيدات، سلطان عبيدات، قفطان عبيدات، محمد الحجات، سعيد القرعان، زطام العلاونة، وثلاثة من مجاهدي درعا .
الزعيم عزام جبر العبيدات ، له من الأبناء سبعة من الذكور و عدد من الإناث ، فقد ورث لهم الزعامة و المشيخة ، إذ كان ابنه الشيخ عبدالله عزام عبيدات قاضيا عشائريا موثقا في وزارة المعارف آنذاك .
رحم الله الزعيم الشيخ عزام جبر العبيدات .
كونة المناظرة : إحدى المعارك التي قادها الزعيم عزام جبر عبيدات .
المصدر: كتاب تاريخ وكفاءات في منطقة الكفارات - الطريق إلى آبل الزيت - الكاتب سهم عبيدات...
كونة المناظرة - (معركة بين
عشيرة العبيدات وعشيرة المناظرة ):
منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، شكل التنافس على استثمار وزراعة الأراضي المحيطة بنهر اليرموك والسيطرة عليها، مصدراً كبيراً للخلافات والصراعات بين كل من عشيرة العبيدات الأردنية وعشيرة المناظرة السورية. علماً بأن الأراضي المحيطة بضفتي النهر كانت تعود في مُلكيتها إلى "عشيرة المناظرة"، حيثُ أشار إلى ذلك الرحالة "بيركهارت"، خلال رحلته التي قام بها إلى مناطق شرق الأردن سنة 1812م، فقد سجل مشاهداته في الزيارة التي قام بها إلى "نهر اليرموك" عقب زيارته إلى مدينة أبيلا "قويلبة"، مشيراً إلى أنهُ كان قد شاهد المزارعين من "عشيرة بني منظور" يقومون بزراعة ضفتي النهر. إلا أن أراضي الضفة الجنوبية من النهر، دانت لسيطرة ومُلكية "عشيرة العبيدات"، بعد أن قام - المغفور له بإذن الله – الشيخ "إبراهيم أفندي السعد الدين العبيدات"، بتسجيل وتطويب كافة أراضي "منطقة الكفارات"، في الفترة الواقعة ما بين السنوات (1841 – 1857م).
مرت العلاقات بين العشيرتين بالعديد من المراحل والتطورات، فتارة كانت تميل إلى الهدوء وتسودها حالة من الودّ والتسامح والاحترام المتبادل، الأمر الذي أدى إلى المصاهرة والنسب بين الطرفين، وتارة كانت تتأزم العلاقات وتشتعل النزاعات فيما بينهم، بسبب الخلافات على زراعة واستثمار الأراضي المحيطة بالنهر وعلى المراعي. وفي شتاء سنة 1911م، تطورت النزاعات والخلافات بين الطرفين حتى وصلت إلى حالة من السوء والفوضى والاضطراب لم تعرفها المنطقة من قبل، ولم تجد من يحد من تعديات كُل طرف على حدود وممتلكات الآخر. وكان حينها ما يعرف باسم زعيم الحشيش أو زعيم عشيرة المناظرة "محسن أبو حسين"، يهدد باستمرار بأنه سوف يكسر شوكة " عشيرة العبيدات"، ويتوعد بالعمل على قمعهم ووضع حدّ لتعدياتهم، ويردد عبارته المشهورة – "والله لأشرب دلال قهوتي من عين التراب" – ومفاد هذه العبارة بأن زعيم الحشيش يعزم على مدّ نفوذه وبسط سيطرته على كافة أراضي "عشيرة العبيدات"، ويدلل على ذلك بأنُه سوف يقوم بتعبئة دلال قهوته من مياه "عين التراب "، حيث تقع هذه العين إلى الجنوب من قرية "كفرسوم" وفي أقصى جنوب المنطقة تقريباً، وبهذا يكون قد حقق أمنيته المُستحيلة، في بسط سيطرته على كافة أراضي المنطقة، وبات يصنع قهوته في أقصى حدودها.
وفي يوم أسودّ عاصف شديد الأمطار، قامت مجموعة من رجال "عشيرة المناظرة" بإطلاق نيران بنادقهم غدراً، على كُل من المرحوم "كايد الرشيد العلي السعد الدين العبيدات"، والمرحوم "محمود السعد الإبراهيم السعد الدين العبيدات" من قرية الرفيد، حيثُ كانوا يقومون ببعض الأعمال في المنطقة الواقعة بمحاذاة النهر، وكانوا لا يتجاوزون الثامنة عشرة من أعمارهم. أدى إطلاق النيران إلى مقتل "كايد الرشيد" على الفور، وإصابة "محمود السعد" بجروح بالغة وخطيرة أدت إلى وفاته بعد يومين، ومنهم من قال بقي يعاني من جراحه وتوفي بعد أسبوع. صَعق نبأ مقتلهم أبناء "عشيرة العبيدات" وأبناء المنطقة عموماً، وثار غضبهم وتأججت مشاعر الثأر عندهم، وساد بين الأهالي حالة من الصمت الشديد والقهر، وأصبحوا في حال ليس حالهم، وكُل ما كانوا يفكرون فيه هو الثأر والانتقام فقط، وينتظرون بشغف وحماس منقطعين النظير ذلك القرار الذي سوف يُشفي غِلّّهم. وكانت قد حفظت لنا الرواية المحلية سبعة أبيات شعرية، من قصيدة طويلة قالها الشاعر "طعمه الذيب السهاونة" - وهو من أحد العائلات النصرانية التي كانت تقيم في قرية الرفيد، وكان يسمي نفسه "بالسهاونة العبيدات" - ويصور من خلالها ردة فعل أبناء عشيرة العبيدات بشكل خاص وأبناء المنطقة بشكل عام إزاء هذا الحدث الجسيم، وتُبين مدى تفاعل الناس وشدة تأثرهم بالحادثة، حيثُ قال:
الله واكبر صاير اليوم معدود رشق المطر وبليلة رعودي
غربت لمغرب تشوف جموعنا ونّ العذارى يلطمن لخدودي
قلت يالربع وش هي القاله قالن لاشك انه شرد قعودي
هاظا بقركوا عندنا نحرث عليه نحرث عليه بفرده ونيرٍ وعودي
منين صرتوا صحاب فرسه ومرجلة وكيف الغنم تتبدلن بإسودي
حارم عليكوا النوم فوق وساده ما طول يجظ من الرجل محمودي
حارم عليكوا النوم فوق وساده لايلرانب يا وجوه لقرودي
بعد قراءة وتحليل معاني المفردات الواردة في الأبيات الشعرية سالفة الذكر، نجد أن الشاعر قدم لنا جزُء من الصورة العامة التي آلت إليها الأوضاع في المنطقة، وبين مدى تأثير هذا الحادث المشؤوم في حياة الأهالي. حيثُ أشار في الشطر الأول من البيت الأول في القصيدة، إلى مدى أهمية هذه الحادثة، ووصف يومها بأنه من الأيام السوداء في تاريخ المنطقة، ولا يمكن نسيانها وسيبقى راسخاً في ذاكرة الأهالي، عندما قال : "الله واكبر صاير اليوم معدود"، وفي الشطر الثاني من البيت الأول وصف لنا الشاعر الأحوال الجوية في ذلك اليوم، عندما قال:"رشق المطر وبليلة رعود"، حيثُ كان جو عاصف شديد الأمطار وكثر فيه البرق والرعود. وفي البيت الثاني من القصيدة صور لنا الشاعر حالة الفزع والحزن الشديد التي اعترت رجال ونساء المنطقة عند سماعهم بالحادثة، ووصف حالة النساء الباكيات اللاطمات. وفي البيت الثالث من القصيدة كان الشاعر يتساءل حول الحدث، حيثُ تفاجئ من هذه الجموع وهذا البكاء.
وفي البيتين الرابع والخامس من القصيدة، يصف الشاعر ضعف العدو وقلة حيلته لحظة المواجهة، ويذكرهم ببعض ما لحق بهم من خسـائر ماديـة ومعنوية، نتيجة الصدامات والنزاعات السابقة مع "عشيرة العبيدات"، حيثُ أشار إلى الأبقار التي غنمتها العشيرة منهم، وما زالوا الأهالي يستخدمونها في حراثة الأرض وفلاحتها. وفي البيتين السادس والسابع من القصيدة، تهديد واضح وصريح لبني منظور ويتوعد بالرد عليهم، ويقول: "بأنه سوف لا تنام لكم عين ولا يهدئ لكم بال، طوال ما بقي محمود يتألم من رجله – أي محمود السعد"، وعلى ما يبدو كان رحمهُ الله قد أصيب برجله إصابة بالغة وكان يتألم منها بشدة قبل أن توافيه المنية.
أخذ أبناء "عشيرة العبيدات" بالإعداد والتجهيزات لشنّ هجوم كبير ضد "عشيرة المناظرة"، وتم التنسيق فيما بينهم في كافة قرى المنطقة، وقاموا بالتنسيق أيضاً مع أبناء "عشيرة العبيدات" من ذرية الشيخ "عبد اللطيف بن إبراهيم بن أحمد بن عبيد – العبيدات"، المقيمين في قرية الشجرة السورية، وأبناء العبيدات من ذرية أحد أبناء الشيخ "بكار بن أحمد بن عبيد – العبيدات"، المقيمين في قرية القصير السورية أيضاً. تم الاتفاق بين مشايخ العشيرة على أن يتزعم الهجوم – المغفور لهُ بإذن الله – الشيخ "عزام الجبر العبيدات" من قرية كفرسوم، لما كان يتمتع به من قدرات قتالية عالية، وكان مشهوراً بشدة بأسه وبطشه. أعدّ الشـيخ "عزام الجبر" خطة الهجوم مع الفرسان، وتم التنسيق أن يقوموا بالالتفاف على قرى المناظرة من ثلاثة جهات، ويقوم أبناء العبيدات المقيمين في قريتي "الشجرة والقصير"، بشن هجوم من داخل الأراضي السورية، والالتفاف على قرى المناظرة من الخلف.
عقد الشيخ "عزام الجبر" اجتماع مع الفرسان قبل شنّ الهجوم، حيثُ كان لهُ فلسفة قتالية مميزة، وأدلى على مسامعهم خُطبة، مفادها: "يجب أن تعلموا أن هذه المعركة التي أنتم بصددها الآن، لها أهمية بالغة عند أبناء العشيرة وعند كُل من تألم على أبنائنا المقتولين غدراً، ولا تنسوا الثقة التي منحتكم إياها عشيرتكم والعشائر الأخرى، يجب أن تكونوا أهلاً لهذه الثقة وعلى قدر كبير من تحمل المسؤولية في سبيل النصر، واعلموا أنهُ إذا هُزمنا يجب أن نُعلن نهايتنا، وإذا كان النصر حليفنا بعون الله سنكون قُمنا بسداد جزء بسيط من وفائنا لأبنائنا المقتولين، ونكون أخذنا بالثأر لهم واستعدنا هيبة العشيرة وكبريائها"، واستمر بحديثة وقال: "يجب أن تلحقوا بعدوكم أكبر الخسائر، وأن تسببوا لهُ من الألم ما لا تمحوه الأيام والسنين، أقتلوا من تصادفوه من رجالهم واحرقوا زرعهم وغرسهم، واسلبوا كُل ما تقع أنظاركم عليه من مال وحلال"، وبنفس الوقت شدد الشيخ عزام على الفرسان وحذرهم من الإساءة للنساء والأعراض، وهدد بقطع رأس كُل من يحاول الإساءة والاعتداء على أي من نسائهم، وذلك للحفاظ على هيبة وشهامة أبناء "عشيرة العبيدات"، وما يتمتعون به من أخلاق عربية أصيلة.
تم تقسيم الفُرسان إلى ثلاث مجموعات، كان فرسان قريتي "حرثا، وحبراص" يشكلون مجموعة، وفرسان قرى "يبلا والرفيد، وعقربا" يشكلون مجموعة، وفرسان قرية كفرسوم يشكلون مجموعة. بدء الهجوم في ســاعات الصباح الباكر، حيثُ سلكت مجموعة فرســان "حرثــا، وحبراص" طريق "شعب اللحم"، وسلك فرسان "يبلا، والرفيد، وعقربا" طريق "وادي الحبيس"، وسلك فرسان قرية كفرسوم طريق "جسر أبو الفش"، وبعد أن اجتازوا النهر ودخلوا الضفة الشمالية منه، وأصبحوا بالقرب من قرى المناظرة، قاموا بشنّ هجوم مباغت وكاسح، وأرعبوا سُكان القرى من شيوخ ورجال ونساء وأطفال، حيثُ كانت الفرسان تأتي الأهالي من كُل جهة ومن كُل صوب. فرّ معظم رجال المناظرة من قراهم وتركوا نسائهم وأطفالهم، ولجئوا للاختباء في قرى ومناطق أخرى، ومنهم من اختبئ داخل الكهوف وفي الوديان وبين الأشجار، ومنهم من تستر واحتمى خلف النساء، حيثُ أصبحت النساء تكشف عن رؤوسها وتقول للفرسان "العرض يا عبيدات"، الأمر الذي منع الفرسان من اقتحام بعض النزل والمغر التي اختبأ وتستر بها الرجال، ومن شدة الهجوم وقوته، قال أحد شعراء بني منظور بيت الشعر التالي:
راح لمصــوت عالرفيــد يا عقـــربا وش دخلك
تكبدت "عشيرة المناظرة" خسائر كبيرة في الأموال والأرواح نتيجة هذه المعركة، وألحقت بهم أضرار مادية ومعنوية جسمية، حيثُ قُتل منهم ثمانية رجال، ومنهم من قال أربعة رجال، كان من بينهم أحد أبناء زعيم الحشيش "محسن أبو حسين"، بعدما عثروا عليه متخفياً بلباس امرأة ومختبئاً بين النساء، وقاموا بإضرام النيران بعدد كبير من المنازل بعد أن أخرجوا منها النساء والأطفال والشيوخ، وأحرقوا وقطّعوا كُل ما صادفوه بطريقهم من مزروعات وأشجار، وساقوا قطعان الحلال والمواشي معهم إلى قراهم في "منطقة الكفارات". هذا وبعد أن انتهت المعركة قام الفُرسان باقتلاع بيت الشعر الخاص بزعيم الحشيش "محسن أبو حسين"، واحضروه معهم إلى المنطقة واحضروا معه جثة ابنه ودلال قهوته التي طالما كان يهدد ويتوعد بأنه سوف يقوم بتشريبها من "عين التراب".
وبعدما عاد الفُرسان إلى أهلهم وعشيرتهم في المنطقة، جالبين معهم النصر والغنائم وجثة أبن زعيم المناظرة، كان لمحسن أبو حسين بنت متزوجة مع أحد رجالات العبيدات من قرية كفرسوم، فقاموا بإحضارها لتشاهد جثة شقيقها المقتول، وأرغموها على أن تزغرد فوق رأسه. وبعد أن جاء المهنئين بالنصر من زعامات ورجال معظم العشائر في منطقة شمال الأردن، قررت "عشيرة العبيدات" الاحتفال بالنصر، حيثُ قاموا ببناء بيت شعر "محسن أبو حسين" بالقرب من "عين التراب"، وأعدوا وليمة غداء كبيرة من مواشي وحلال محسن أبو حسين أيضاً، وعزموا عليها معظم زعامات ومشايخ العشائر في شمال الأردن، وقاموا بتنفيذ يمين زعيم الحشيش، حيث عبئوا دلال قهوته من مياه "عين التراب"، وبقي بيت الشعر مبنياً بالقرب من العين لمدة أسبوعين.
احتلت هذه الحادثة أهمية كبيرة أمام الرأي العام على مستوى "لواء حوران" بشكل خاص، و ولاية "الشام شريف" بشكل عام، ولم يكن أمام الإدارة العثمانية والأجهزة العسكرية إلا أن تتدخل بقوة للحد من القتال والصراعات بين الطرفين، وذهبت لمعاقبة المعتدين وردعهم – أي "عشيرة العبيدات"، حيثُ قامت بتكثيف قواتها وجهودها في "منطقة الكفارات"، في سبيل اعتقال الشباب والرجال وزجهم في السجون، وما كان أمام أبناء العبيدات من الحلول، سوى الابتعاد عن قوات الدولة العثمانية وعدم الاصطدام معها، فخرجوا من قراهم إلى قرى ومناطق أخرى على شكل جماعات، وذلك للابتعاد عن أنظار تلك القوات.
ومن القرى التي لجئوا إليها قريتي "ملكا، ودوقره"، وكان الشاعر "الدوقراني" قد كتب قصيدة سماها "العبيدات"، بمناسبة نزول حوالي ثلاثين فارس من رجال العبيدات في قرية دوقره، حيثُ أقاموا فيها لمدة شهر كامل معززين مكرمين بضيافة "عشيرة الشلول". ووصف لنا الشاعر لحظة قدومهم إلى القرية والظروف التي مروا بها بناءً على روايتهم لهُ، حيثُ قال:
(( شاهد أهالي قرية دوقره في ساعات الصباح الباكر وفي لحظة شروق الشمس، فُرساناً قادمين باتجاه القرية يتراوح عددهم بين العشرين والثلاثين فارساً، فهم رجال القرية لملاقاتهم والتعرف عليهم ومعرفة أمرهم، وعندما وصلوا إليهم وإذ بهم من "عشيرة العبيدات" يتقدمهم الشيخ "عزام الجبر"، فحياهم رجال دوقره وقاموا باستقبالهم واستضافتهم، دون أن يسألونهم عن أمرهم كما هي عادات العرب. وفي مساء اليوم الأول كان عشاء الضيوف في احد بيوت وجهاء القرية، وعندما حان وقت العشاء ووضعت المائدة أمام الضيوف، وإذ بالشيخ عزام يقول مخاطباً شيخ القرية وعلى مسامع الجميع :" لو أنك تضع من رجالك من يراقبون لأن السلطات التركية تبحث عنا "، فأجابه الشيخ، قائلاً :"أية مراقبة وأية سُلطة ؟! – ألم تعلم يا شيخ عزام بأنك في قريتك دوقـره ؟!"، ضحك الشيخ عزام وقال لرجاله :"ألم أقل لكم بأن أهالي دوقره يشبهون أم القرى؟!"، واستمر بحديثه وقال: "لقد داهمنا قرية ما الليلة الماضية، وعند تناول وجبة العشاء، فإذا بأحد أبنائها الموجودين معنا يقول لأقاربه – يجب علينا أن نضع من يراقب، لأن السُلطات التركية لو علمت بوجود هؤلاء هنا، ستضعنا وإياهم في السجن – وعندما سمعنا هذا الحديث، ما كان لنا إلا أن نتقدم لتناول طعام العشاء خوفاً من العتب، فأكلنا ما قسم الله لنا وشكرنا أهل القرية وتحركنا باتجاه قرية دوقره، لكننا لم نستطع الاهتداء إلى طريق قريتكم في الظلام الدامس، فنمنا بأحد الوديان ومع بزوغ الفجر تحركنا باتجاه قريتكم، وها نحن بينكم". وفي اليوم الثالث من ضيافتهم جاء أحد رجالهم – أي "أحد رجال العبيدات" وأخبرهم بأن المجموعة الثانية من الرجال الموجودين في أحد القرى، علمت السُلطات التركية عن مكان وجودهم والقوا القبض عليهم، وبقي رجال "عشيرة العبيدات" بضيافة قرية دوقره مدة ثلاثين يوماً - شهر كامل معززين مكرمين، حتى كفت السُلطات عن مطاردتهم وانتهت المُشكلة القائمة)).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفضل بإنهاء هذه المشكلة، يعود إلى المغفور لهُ بإذن الله – الشيخ "قويدر بن سليمان بن داود بن عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد – العبيدات"، حيثُ قام بدفع مبلغ كبير من المال إلى الوالـي العثماني في ولايـة "الشــام شـــريف"، عن طريق تاجر شـامي كبير يدعى "التسبحجي"، حيثُ كان الشيخ "قويدر السليمان" شريكاً لهُ في التجارة.
وعندما جاء الرجل الذي أخبر رجال العبيدات عن ما حدث مع المجموعة الثانية من رجالهم وهم جالسين بضيافة أهالي دوقرة، تقدم الشاعر "الدوقراني" وأدلى على مسامع الحضور هذه القصيدة عاتباً بها على أهالي تلك القرية، وسماها قصيدة "العبيدات".
الدكتورة حنين عبيدات