الأنباط -
الدكتور حسين البناء
بدأت ملامح "التضخم" تظهر مع بداية هذا العام؛ حيث تراجعت عدوى جائحة كورونا وبدأ الاقتصاد العالمي بالتنفس من جديد، وعاود "الطلب" بالنمو مع فتح الأعمال وتنشيط حركة التجارة في الموانيء والمطارات.
جاء الغزو الروسي مع شباط من هذا العام ليزيد المشهد إرباكًا؛ فتعطّل تصدير الحبوب الأوكرانية، ثم تعطّل خط نقل الغاز الروسي تجاه أوروبا، هذا دفع بأسعار (الحبوب والزيت وخام النفط ومشتقاته والغاز والأسمدة) للصعود بشكلٍ قياسي غير مسبوق، الأمر الذي فاقم من أزمة التضخم خاصةً في الولايات المتحدة التي أصدر الاحتياطي الاتحادي فيها تريليوني دولارًا وهذا بدوره جعل التضخم ناتجًا عن جانب العرض أكثر منه من جانب الطلب.
عمدت أدوات السياسة النقدية إلى رفع سعر الفائدة على أدوات التعامل بالدولار ولمستويات قياسية وعلى عدة دفعات، على أمل أن يُغري ذلك المودعين والمستثمرين لتوجيه أموالهم تجاه السندات والمصارف الأمريكية، الأمر الذي سيحد من وفرة المال المتداول في الدورة الاقتصادية والذي سيقود إلى تقليل الطلب، الأمر الذي سيكبح التضخم. المخاوف واقعية من ركود اقتصادي بسبب ما سبق.
ما حدث هو تحرك الأموال "الساخنة" عبر العالم نحو السوق المالي الأمريكي طمعًا بعائد مُغرٍ وآمن على أدوات الدولار مِن سندات وأذونات خزينة وودائع مصرفية. هذا حرم الدول النامية والفقيرة من الدولار، وسيرفع عليهم سعر الفائدة عند الاقتراض، وسيدفع الدول مضطرةً لرفع سعر الفائدة على عملاتها بنفس المقدار لمواكبة الرفع الحاصل على سعر فائدة الدولار، وذلك تجنبًا لارتفاع سعر المستوردات الذي بدوره سيفاقم من التضخم، وعلى أمل بقاء الأموال في الدول بدلًا عن تحوّلها للسوق الأمريكي.
تنامى الطلب على الدولار مدفوعًا بسعر فائدة قياسي، أمام ذلك بدأت عملات باقي الدول بالتراجع أمام سعر صرفها مقابل الدولار، هذا بدوره سيرفع من سعر المستوردات، وقد يكون جيدًا للدول المصدرة التي ستبدو فيها الصادرات أقل سعرًا في الأسواق.
طالت الحرب في أوكرانيا، وتم ضم أقاليم دونباس الأربعة بعد الاستفتاء، ويفترض أن ذلك هو منتهى العملية العسكرية الخاصة المعلنة في موسكو، لكن الأمور ذهبت نحو حرب تامة يمولها ويدعمها الغرب ضد روسيا في الميدان الأوكراني، ولا يبدو أن الحرب تتجه للحل قريبًا، حتى الربيع القادم من 2023 على أفضل تقدير.
الشتاء قادمٌ لأوروبا وحوض المتوسط، وخطي الشمال (نورد ستريم) قد تم تخريبهما، والجميع بانتظار البديل التركي البرّي لمد الخط، ثم تم استهداف (جسر القرم) وهذا يعتبر تجاوزًا للخطوط الروسية الحمراء التي ردت عليه بضربات جوية واسعة واستخدام كثيف للمُسيّرات.
السعودية ومجموعة (أوبك+) لا تتبنى المطالب الأمريكية لزيادة الإنتاج أملًا بخفض سعر الخام، مما اضطر واشنطن للبدء باستخدام الاحتياطي النفطي الأمريكي تحت وطأة الضغط الشعبي للناخبين والمصانع التي تبدو غير راضية عن التطورات.
كل هذه الإرهاصات تدفع باتجاه تأزيم متصاعد مع تبادل التهديد النووي، ودخول إيران والشيشان على خط المعركة، وصعود اليمين الإيطالي مع فوز (ميلوني)، واتهام بنوايا استخدام (قنبلة نووية قذرة) في كييف.
المشهد يشابه ولحدٍ كبير صورة العالم في 1930 حيث الركود الاقتصادي العظيم، وتصاعد الحرب العالمية الثانية.