الأنباط -
خليل النظامي
يعتقد الكثير من المواطنين أن الحرية لا سقف لها وانها مطلقة، ما جعله يعتقد إمتلاكه الحق بـ رشق الإتهامات والذم والتحقير لـ المواطنين والمسؤولين في الدولة كيفما شاء، وأينما شاء، ووقتما شاء، ضاربا بـ عرض الحائط كافة الأعراف والتقاليد والتشريعات والمواثيق الدينية والاخلاقية والقانونية بذريعة "الحرية شخصية".
أذكر قبل عدة سنوات تعرض أحد رؤساء الحكومات السابقة لـ محاولة إيذاء من قبل أحد المواطنين في محافظات الشمال، وما كان من ذلك الرئيس إلا أن سامح بحقه الشخصي والحق العام لـ المنصب الذي يشغله من باب حسن النية والإحتواء والعادات والتقاليد، حتى ردود أفعال السواد الأعظم من المواطنين عبر منصات التواصل الإجتماعي كانت في صف المواطن بـ الرغم من سلوكه العنيف وغير القانوني الذي قام به ضد رئيس الوزراء آنذاك.
ردة فعل الرئيس حينها كانت الشرارة الأولى التي عملت على تغيير الصورة النمطية في ذهن المواطن الأردني حول الوزن والثقل الذي يجب أنت يتحلى به الشخص الذي يتولى المنصب الحكومي، الأمر الذي أحدث خللا في نمطية التواصل بين المواطن والمسؤول من الناحية السلوكية والخطابية والقانونية والأخلاقية.
ومنذ ذلك الحين ونحن نشهد فوضى عارمة وعشوائية لا نظير لها في مخرجات الكثير من المواطنين عبر منصات ومواقع التواصل الإجتماعي المختلفة، مخرجات لا تنتمي لـ المنظومة الأخلاقية والقانونية في التعاطي مع صفة المسؤول الحكومي وشخصه، حيث نرى الإتهامات والشتم والذم والتحقير والسخرية بكافة أشكالها تنثر يوميا عبر تلك المواقع ليل نهار بدون إسناد وتوثيق، حتى وصلت الأمور أكثر جرأة لدى العديد منهم دخول بيوت وحرمات المسؤولين والكتابة عنهم بشكل غير أخلاقي.
هذه السلوكيات لم تقف عند مرتادي منصات التواصل الإجتماعي فقط، بل تجاوزت ذلك وباتت فلسفة عند الكثير من وسائل الإعلام المختلفة خاصة تلك الوسائل التي تعمل وفقا لـ رأيها الشخصي وليس وفقا لـ المعايير والأسس والضوابط الأخلاقية والقانونية والمهنية لـ مهنة الصحافة والاعلام، ما عمل على خلق بيئة خصبة في حواضن التواصل الإجتماعي المختلفة تعزز السلوك غير السليم والقانوني لدى مرتاديها في طريقة مخاطبتهم وتعاطيهم مع القضايا المرتبطة بـ صفة المناصب الحكومية.
بـ المقابل وحتى لا نخرج عن دائرة الحيادية والإنصاف في قراءة المشهد، نجد أن الكثير من مسؤولي الحكومة ممن يشغلون مناصب هامة في مؤسساتها والدولة، ما زالوا لا يدركون طبيعة الوصف الحقيقي لـ مكانة المنصب الذي كلفوا به، ويخرجون عبر منصات التواصل الإجتماعي وعبر شاشات التلفزة والإذاعات المختلفة بـ تصريحات عشوائية وغير مدروسة، كانت عاملا مهما في التقليل من شأن وثقل ووزن منصبهم وجعلها عند الكثير من المتابعين مجرد مناصب هلامية.
ولا أنسى هنا الناحية القانونية التي يستوجب ان تفعل بطريقة اكبر مما هي عليه الآن، خاصة أن جميع الأعراف والتقاليد والقوانين والعقائد في كل الدنيا رفضت رفضا قطعيا الشتم والذم والتحقير والإتهامات بـ غير إسنادات موثقة، إضافة إلى ان أخلاقيات وقانونية المهنة الصحفية تحرم تحريما نشر الشائعات وفبركة الأخبار التي تعمل على العبث في الصور النمطية والذهنية وتضليل الرأي العام وتزييف الوعي لدى المواطنين إزاء القضايا المتعلقة بهم ومن أوكلت لهم مهمة معالجتها.
وفي ذروة هذا الركام المتوارث من حكومات سابقة ساعدت فلسفة ونمطية عمل الكثير من مسؤوليها على تعزيز هذه السلوكيات بشكل غير مباشر حتى باتت أقرب إلى ان تتحول لـ ثقافة مجتمعية غير صحية عند المواطنين والمسؤولين أنفسهم، يعمل بكل جهد رئيس الحكومة الدكتور بشر الخصاونة على ترميم الإنكسارات لـ إعادة الحجم والوزن الحقيقي لـ المنصب السيادي في ساحة الرأي العام، في ظل توجيهات من جلالة الملك أن يكون المسؤول جريء وشجاع وغير متهاون في المسائل السيادية التي تمس هيبة الدولة الأردنية، لأن المساس بهيبة المنصب السيادي في الدولة معناه مساس بـ الدولة.
حان الوقت لـ يدرك المواطن ان منصب رئيس الوزراء وباقي المناصب السيادية والقيادية في الدولة له وزن وثقل وفلسفة خاصة في طبيعة التعامل والمخاطبة، وحان الوقت أن يدرك المسؤول نفسه أن المنصب الذي يتولاه لا علاقة له بطبيعة البيئة التي ترعرع فيها سواء كانت بيئة عنيفة ام بيئة مسالمة، ويعمل وفقا لـ طبيعة الوصف المهني لـ منصبه، وحان الوقت لـ نشر مفاهيم التربية الإعلامية والسلوكية في عملية الإتصال والتواصل بين المواطنين بعضهم ببعض، وبينهم وبين رجالات الدولة، وبين رجالات الدولة بعضهم ببعض، فـ بغير ذلك ستعم الفوضى وتسود العشوائية وستهدم المنظومة الاخلاقية والمهنية بسبب إدراجات الفيسبوك وبعض وسائل الإعلام غير المهنية.