الأنباط -
خليل النظامي
سأكتب اليوم بـ كل واقعية بعيدا عن معياري التطبيل والتزمير لـ المؤسسات الحكومية، فما رصدته من معلومات بـ الأمس حول عدد الإذاعات الحكومية المنتشرة في الأردن، وحجم الإنفاق المالي السنوي من الموازنة العامة عليها، ونسبة المتابعين لمخرجات هذه الإذاعات، وحجم التأثير المتحقق من مخرجاتها، أثار في داخلي الكثير من التساؤلات خاصة في ظل التطور الرقمي الحاصل على المنظومة الإعلامية المحلية والعالمية.
لنتخيل سويا أن دولة كـ الأردن يبلغ تعدادها السكاني حوالي 10 مليون نسمة، يعيشون في مساحة جغرافية لا تتجاوز الـ 90 ألف كيلوا متر مربع، يبث في فضائها 24 إذاعة حكومية، بكلفة مالية تبلغ ما يقارب الـ 30 مليون سنوي من الموازنة العامة لـ الدولة، في وقت تعاني فيه الأردن من أزمات إقتصادية متتالية ومديونية مرتفعة وعجز مديونية لا ينتهي.
فمن غير المعقول أن يوافق العقل الحكومي الإقتصادي على ترخيص هذا العدد من الإذاعات الحكومية بهذه الكلفة الضخمة إلا إن كان عقل لا ينتمي لـ منظومة التخطيط والإدارة، ويعمل وفق الأهواء والأمزجة الخاصة والتنفيعات والواسطات والتبذير غير المبرر، في وقت تستطيع الحكومة تغطية خارطة المملكة بكاملها بـ 10 إذاعات أو أقل وتكون متعددة الأغراض والإختصاصات وتبث وجه النظر الرسمية والحكومية أيضا.
ومن الواضح بحسب ما لدينا من معطيات ومعلومات، أن هناك خلل كبير في منهجية الإنفاق الحكومي، وهذا مردة الغياب الكامل لـ الرقابة الحقيقية حول آلية الإنفاق، وسوء منهجية البناء والتوسع والتمدد لـ مؤسسات الدولة بطريقة عشوائية، الأمر الذي كان السبب الأبرز في وصولنا إلى ما وصلنا إليه من أزمات مالية متتالية، وترحيل وتأجيل وفشل الكثير من البرامج التنموية الإقتصادية والاستثمارية في المؤسسات الحكومية المختلفة نظرا لنقص التمويل، إضافة إلى ضياع الكثير من أموال الخزينة والتي كان الأجدر أن تستثمر في مشاريع تعود بـ النفع على المجتمع والدولة بشكل عام.
ولنكن صادقين مع أنفسنا قليلا، فلو أجرينا عملية مسح بسيطة على نسبة الجماهير التي تتابع الإذاعات الحكومية لوجدنا أن النسبة تكاد لا تذكر بـ المقارنة مع إذاعات القطاع الخاص، خاصة أن الإذاعات الحكومية لدينا تبث بـ قوالب إعلامية ذات صبغة رسمية الأمر الذي لا يجد جاذبية لدى السواد الأعظم من المتابعين الذين يبحثون عن الترفية والتنوع في المحتوى الإعلامي الإذاعي خاصة أن المجتمع الأردني يمتاز بـ أنه مجتمع شبابي.
ناهيكم عن مسألة الهدف الرئيسي من عملية الإتصال وهو "التأثير"، والذي نرى فيه أن التأثير وتشكيل قضايا الرأي العام لا تحدث إلا من خلال الإذاعات الخاصة وأبرز الأمثلة عليها برنامج وسط البلد الذي يقدمه الزميل الدكتور هاني البدري وبرنامج بصراحة مع الوكيل وبرنامج خلي وعلي لـ الزميل اسامة الجيتاوي وغيرهم من البرامج التي تستحوذ على أكبر نسبة مشاهدة ومتابعة من قبل الجماهير وتحقق التأثير وتشكل قضايا هامة على ساحة الرأي العام.
الخلاصة من حديثي هذا، تتمحور حول إعادة النظر بـ هذا الكم الهائل من الإنفاق المالي غير المبرر من الموازنة العامة على هذا العدد الكبير من الإذاعات الحكومية ومحاولة تقليصها، وإستثمار الأموال في مشاريع تنموية وإستثمارية تعود بـ النفع على المجتمع والإقتصاد وحركة النشاط الاقتصادي، أو بـ تخصيص هذه المبالغ لـ تطوير وتعزيز وسائل الإعلام الحكومية والشبة حكومية الأخرى مثل وكالة بترا والتلفزيون والصحف الورقية التي تعاني الأمرين من الشح المالي في مسيرة رحلتها الرقمية الجديدة.