الأنباط -
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
تابعتُ دخول "بيلوسي" إلى تايوان محروسة بالقوات المسلحة الأمريكية البحرية والجوية، ومن الواضح للمتابع والباحث أن هذا الحدث يخفي في طياته مرامي كثيرة خطرة للغاية. ولقد لفت انتباهي، أن واشنطن إنما تريد بهذا التواجد السياسي المحروس والمدجج بكل أنواع العتاد والأسلحة، استعادة مكانتها الأولى في العالم والتي تراجعت خلال العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا وهو ما يُجمِع عليه كثيرون، وكذلك، تواجداً علنياً "مشفوعاً بالقوة الحربية" لها على أرض تايوان الصينية، وصولاً إلى إلغاء التفاهمات الأمريكية الصينية "بالسرعة الممكنة"، والتخلص من الالتزامات التاريخية السابقة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تؤكد وتبيِّن على الملأ، أن جزيرة تايوان إنما هي جزء لا يتجزأ من أرض الصين وسيادة جمهورية الصين الشعبية ومياه الصين، وأن تايبيه ليست عاصمة لدولة مستقلة.
لا أرى في الدخول غير القانوني لبيلوسي إلى تايوان سوى "اقتحام" وليس "زيارة"، وهو في الواقع فعلٌ تدخلي غير مشروع يقف موقف الضد من القانوني الدولي، وليس زيارة كما درج على وصفها عدد من المحللين والكتّاب والصحفيين وبسطاء الناس. زد على ذلك أنها تطلّع من "العم سام" الهرم إلى تأزيم أوسع وغير مسبوق للعلاقات الأمريكية الصينية، وتلويح بالحرب والحصار الاقتصادي للصين، وعلى الأغلب كذلك، خلق منطقة حول الصين تتسم بالتوتر الدائم في أقصى شرق آسيا والمحيط الهادئ، وصولاً لأهداف استثمارية في الحملات الأمريكية المتواصلة لبيع الأسلحة من خلال التوظيفات والمواجهات الحربية، حيث تسعى واشنطن إلى كسب وِدِ وتأييد الدول – الجُزر فيها ضد الصين، و"تركيب" قيادة عسكرية موحَّدة لمواجهة بكين، اشتهاء منها لتطبيق الإستراتيجية الأمريكية بالسيادة الشاملة على تلك المنطقة، وبالتالي تهديد عددٍ من الدول الواقعة في تلكم الاقليم الوسع شرقاً وشمالاً وجنوباً، وأولها روسيا، وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وللتوعد باليابان وصولاً لتقليص و/أو وقف تعاونها الاقتصادي مع روسيا.
الاقتحام المُدجَّج بالعسكر في البحر والفضاء، والتهديد الحربي للصين الذي لوَّحت به هذه المرأة خلال وجودها في الجزيرة الصغيرة، يُذكّرنا بماضيها، وها هي تستمر بتوظيفه على ما يبدو على شكل حربة للنيل من الصين، ترفعها واشنطن بوجه بكين وحلفائها، وقد سبق لبيلوسي وفقاً للمنشور في الصحافة، زيارة العاصمة الصينية في عام 1991. حينها، خرجت بيلوسي عن شخصيتها الدبلوماسية، وتنكرت للأعراف الدولية بمهاجمتها الصين في شكل قلَّمَا ينحى إليه أي دبلوماسي ماهر بنسج توليفات غير واقعية بحق الصين، ولتغليب الفبركات دون خجل، وهو مظهر ينأى عنه أصحاب الوقار، فما جرى في تايوان أمريكياً لا يمت بصلة لحسن السلوك السياسي والدبلوماسي، بل والشخصي أيضاً.
"عملية اقتحام" بيلوسي ووفدها الأمريكي للصين وسيادتها إتخذت شكلاً تعاركياَ وجوهراً معادياً تماماً للصين، سيحفظه التاريخ الصيني والعالمي على أنه هجوم وتخريب للعلاقات الدولية ولصِلاتِ الصين والولايات المتحدة، والاخيرة هي المستفيد الاول من الاستثمارات الصينية الضخمة المتراكمة لدى "العم سام" الهَرم، الذي لم يَعد وللاسف الشديد، يُدرك مصالحه الكونية في خضم التطورات الدولية المتسارعة منذ أوائل العام الحالي، وبروز مُحرِّكَات جديدة على الساحة الأُممية، والتي ستضع، على الأغلب، النقاط على الحروف في مُجمل العلاقات الدولية ومستقبلها.