الأنباط -
في الإقتصاد السياسي والمجتمع
د.أنور الخُفّش
غنيُّ عن الذكر بأن المشهد الأخير ما بعد التوصُّل الى هدنة وقف إطلاق النار من الجانب المعتدي الحكومة الإسرائيلية وحركة الجهاد الإسلامي أصغر أعداء دولة إسرائيل ، له معاني كبيرة ومغازي في السياسة في المستقبل ، والأهم مابقي في الذهنيّة والعقليّة الإعلامية ولدى المراقب السياسي المُتمعِّن بعمق والحصيف وصورة إستشهاد عشرة أطفال من أبناء غزة الأبرياء والدمار لمنازل مواطنين عاديين (إنجاز رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الحرب) وفي المشهد الآخر ما ورد في اليوم الأول من العدوان وسائل إعلام إسبانية: ناديا أتليتكو مدريد ويوفنتوس يعلنان إلغاء مباراتهما الوديّة في تل أبيب غداً لأسباب أمنية. الصورة تعبِّر عن حالة العجز الإسرائيلي من حماية مساحة ملعب كرة قدم يحوي عدّة آلاف من المتفرجين في تل الربيع. مشهد يحتاج الى مراجعة من الجميع ، هناك نقطة تحوُّل وإنجاز متراكم حقّقته قوى المُقاومة مجتمعة منفردة في إدخال الجبهة الداخلية الإسرائيلية في ساحات أي مواجهة عسكرية ، التي كانت خارج حسابات الحكومات الإسرائيلية في الحروب الإسرائيلية العربية من بداية الصراع حتى الحرب الكبرى في تموز 2006.
نعم المِطرقة الثقيلة تحوَّلت على إتساع رقعة تصدُّع الجبهة الداخلية الإسرائيلية ، أستذكر ما نشرته صحيفة «يديعوت احرونوت» بتاريخ 29/09/2011، خلاصة كلمة ألقاها اللواء غيورا ايلاند، في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، شدّد فيها على أن صاروخاً واحداً يسقط على محطة الخضيرة للكهرباء، سيُبقي إسرائيل في عتمة طوال ستة أشهر، مضيفاً أن هذا الصاروخ، وحده ، سيجبي من إسرائيل أثماناً لا يمكن تحمُّلها. بهذه الكلمات، عبر ايلاند عن عدم إستعداد إسرائيل لأن تخوض حرباً جديدة مع حزب الله. وايلاند، الذي شغل سابقاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ورئيس شعبتي العمليات والتخطيط في هيئة أركان الجيش، طالب مسؤوليه بتلافي الحرب قدر الإمكان، أما إذا فُرضت عليهم، فلتكن حرباً قصيرة؛ إذ لا طائل من حرب تطول، بلا تحقيق نتائج. .
بعد ثبات ونجاح سياسة ونهج ترابُط وتماسك الساحات وتثبيت حالة وصورة من التحالف الإستراتيجي بين فصائل المقاومة ، أن الإنتقال من ترابط الساحات الى توحيد مشاركة الساحات في أي عدوان اسرائيلي على أي من الساحات ، بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، هل تلجأ الفصائل المسلحة الفلسطينية إلى استهداف منصة غاز حقل تمار قرب عسقلان ، مما سيوقف العمل في حقل تمار الذي ينقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا ، في الصورة المتخيلة أضف قصف ميناء حيفا ومستودعات غاز الأمونيا ، وإغلاق مطار بنغوريون ولا يكتفي بتحويل مسارات الطائرات كما حصل في الحرب الأخيرة على الجهاد الإسلامي منفرداً ، وماذا عن الخسائر جرّاء توقُّف الحياة الإقتصادية وأي فتره زمنية تستطيع إسرائيل تحمُّل تكلفة الإغلاقات والأنشطة الإقتصادية ، والقفز الى سؤال ألم تصبح إسرائيل بعدوانها المتكرّر والمتهوّر عبئاً أخلاقياً وإنسانياً على الشعوب الغربية وحكوماتها خاصة أمريكا وأوروبا ؟ سؤال مركزي ومُلحّ ،
ليعتبر منه بعض القادة العرب .
كما جاء البيان الصحفي لوزارة الخارجية الأمريكية في 8 آب 2022 الموافق يوم الإثنين : "إذ ترحِّب الولايات المتحدة بالإتفاق الذي تمّ التوصُّل إليه اليوم لوضع حد للأعمال العدائية وإعادة الهدوء في قطاع غزة وإسرائيل. سيوفِّر الإتفاق فترة راحة مرحباً بها للمدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين ويسمح بتسليم الوقود والإمدادات الأخرى الضرورية إلى قطاع غزة. نُعرب عن تعازينا لأسر المدنيين الذين فقدوا أرواحهم أو أصيبوا. تُعرب الولايات المتحدة عن إمتنانها العميق للجهود الدؤوبة التي تبذُلها مصر للمساعدة في التوسُّط في هذا الإتفاق، كما نشيد بالأدوار المهمة التي لعبتها قطر والمبعوث الخاص للأمم المتحدة وينيسلاند والأردن والسلطة الفلسطينية في خلال الأيام الأخيرة، وقد عمل فريقنا مع الأطراف على مدار الساعة لدعم هذه النتيجة".
إن هذا البيان لم يعُد كافياً لإرضاء أهالي الضحايا والشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، رغم التحوُّل في اللهجة والمغزى ، وهو غير مُقنع لدى الرأي العام العالمي والمؤسسات الإنسانية الغربية والأمريكية وأنصار السلام ، أمام الصورة الإنطباعية لعشرة أطفال تم قتلهم بذرائع واهية من الجيش الإسرائلي وإستسهال قرار الحرب والعدوان الإسرائيلي سوى مشاركة الألم والدمار جرّاء تأثر الجبهة الداخلية الإسرائيلية وهو المعيار الجديد الذي يضبِط تهوُّر الحكومات الإسرائيلية وتحويل جنرالات الحرب المجرمين القتلة الى المحاكم الأوروبية والأمريكية وكذلك محكمة الجنايات الدولية .
في الوقت نفسه يُجمع خبراء معهد أبحاث الأمن القومي الرأي حول حالة الإغتراب التي تمثِّله الحكومة اليمينية المتطرفة الصهيونية من مخاطر عند تجاهل حقوق الجانب الآخر ، والتحول الحقيقي في العالم العربي وسط منافسة القوى العظمى وبروز أهميه وحيوية كل من الدور الروسي والبريطاني في مسارات الأحداث في المنطقة ، على خلفية رحلة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط ، يتضِّح بشكل متزايد ميل الدول العربية لإدارة علاقاتها الخارجية بإستقلال أكبر بطريقة تتحدى علاقاتها مع الولايات المتحدة. كيف يتم التعبير عن هذا "التنويع العربي في الدعم" ، وكيف يجب أن تستجيب إسرائيل لسياسات جيرانها المتغيرة ؟
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي