الأنباط -
كتب محمود الدباس..
النصيحة بالعادة تُقدَم مِن شخص الى شخص او مجموعة اشخاص.. إما لذاته او بحكم موقعه الاجتماعي او الوظيفي..
ولولا مكانتهم ومحبتهم وغيرتنا عليهم.. ما تكبدنا عناء النصيحة.. وتحمل تبعاتها..
في السابق كان يقال بان النصيحة بجمل.. اي ان الانسان ممكن ان يقدم احد اهم اشيائه واثمنها -ويعبرون عنه بالجمل- مقابل الحصول على النصيحة.. وذلك لاهمية النصيحة..
والنصيحة قد تكون على شكل نقد لامر ما.. او تصرف او قول او نشاط.. وقد تكون على شكل تأييد لقول او تصرف ايضا..
ولنا في عمر بن الخطاب عبرة عندما قال.. رحم الله امرء أهدى إلي عيوبي..
فقد اعتبر نقد الآخرين له بمثابة الهدية.. لانهم بنقدهم هذا.. سيُقَوِمون مسارا.. او سيُعَدِلون تصرفا.. او سيُصَحِحون مفهوما..
في وقتنا الحاضر.. للاسف تجدك تبذل من جهدك ووقتك ومالك.. لتقوم بدراسة امر ما.. يتعلق بشخص او جهة.. وتقوم بتقديم نقدٍ هادف غير جارح.. والهدف منه تصحيح امر يخصهم.. وتقول في قرارة نفسك لعلهم يقتربون من الكمال -والكمال لله وحده- وبالتالي يرتفع شأن ذلك الشخص او تلك المؤسسة.. ويقل انتقاد منتقديهم.. وتبتعد عنهم النظرة السلبية..
للاسف الشديد.. اصبحنا نشاهد ان ثمة ما يمكن تسميته ب "الدقر" غير العقلاني.. فحين تقدم نصيحة لشخص او جهة ما.. لتصويب امر معين.. تجدهم وكأنهم يرسلون لك رسالة شديدة اللهجة مفادها "لا تتدخل في شؤوننا.. نحن هكذا.. ولن نتغير.. ومعجبون بما نحن عليه".. وليتها بقيت هكذا فقط.. بل "دقر فيك وفي نصيحتك.. سنزداد توجها في الاتجاه المعاكس لنصيحتك"..
وفي احيان كثيرة.. جراء تقديمك نصيحة لاحدهم.. وتبتغي فيها مصلحته.. ولكن لقصر نظره.. او سوء تقديره.. او قلة درايته.. او لضعف في خبرته الحياتية.. تصبح وكأنك العدو الذي سيقلب حياته الى جحيم.. ويكتم على انفاسه.. ويحد من حريته.. فيتم معاقبتك بالقطيعة والبعد والجفاء او تعطيل مصالحك..
اقول لمن يتم تقديم النصيحة لهم.. ما بالكم لو استمعتم للنصيحة.. وقمتم بتخزيها في منطقة عقلكم المؤقتة.. وبعد ان تجلسون لوحدكم استرجعتموها.. وتساءلتم في انفسكم..
- هل هناك مصلحة شخصية سينالها ذلك الشخص لو اخذنا بنصيحته؟!..
- هل هناك امر سينعكس ايجابا.. ومصلحة حسنة لنا ستتحقق لو اخذنا بنصيحته؟!..
فان كانت الاجابة ان المصلحة ستكون جلها او كلها لكم..
فلماذا لا تتلقفوا تلك النصيحة.. وتعملوا بها.. وتشعروا بالامتنان من ذلك الانسان الذي قدم لكم نصيحة تفيدكم في حياتكم.. ولم يطلب اي شيء مقابلها؟!..
كم هي المرات التي شعرنا بالحزن جراء نصائح قدمناها بالمجان لاشخاص او جهات.. وتجدهم يعملون بعد ذلك بعكس ما نصحنا.. لا بل في اوقات تجدهم يغالون في عمل العكس..
ولا يعامون بانهم كمن يخربون بيوتهم بأيديهم.. ويظلمون انفسهم.. ولن ينالوا غير الندم فيما بعد..
ابو الليث..