الأنباط -
إن معايير قياس الوضع الإقتصادي للدولة ، يجب أن يتعدّى إطار مُناقشة وتحليل الموازنة العامة ، حيث أن العوامل المؤثرة على إقتصاد الدول تتعدّى مراحل الميزانية العامة ، كما أن مفهوم الثراء الإقتصادي للدول لا يُقاس بما لديها من وفورات ماليّة ، بل يتعدى هذا النطاق ليشمل الثروات الطبيعية والموارد البشرية والمالية والإستقرار السياسي معاً. إنه من الخطأ النظر إلى العلاقة بين مراكز تفكير الدولة وإرضاء حاجات الناس كونها (شعبوية) أو من منظور "المنافسة الإستراتيجية" لمن يُطالب بإراحة الناس في الجانب المالي ، هي الصياغة التي يستخدمها غالباً صانعي السياسات، في حين أكبر إقتصاديين جُل إهتمامهم قياس الأثر المعيشي والإجتماعي وقياس عدد الرابحين والخاسرين بعيداً عن (الشعبوية) بل حاجات الضرورة نحو الإستقرار السياسي ، في العالم أفضل الممارسات تؤكد إلى ضرورة العمل معاً بشأن القضايا الرئيسية. إن محاولات فَصل نتائج السياسات الإقتصادية وبُعدها الإجتماعي ، هو بمثابة شيء فيه تحدّ أو بالإتجاه المُعاكس لأهداف القوانين الأساسية في تحقيق العدالة الإجتماعية والإستقرار، والأهم كونها لن تُساعد في تعزيز بناء قُدرات الإقتصاد الأردني ، الخطر الأَجل كَون الناس أقل ثقة بحكوماتهم ونواب الأمة ، وأكثر قلقاً على مستقبلهم ، وكفاف العيش أثقلهم كثيراً والجهد الضريبي على المواطن وصل حدود فوق طاقة التحمُّل. إن المسؤولية الوطنية تقتضي تعزيز نهج رعاية مصالح الناس من خلال الدور الفاعل للدولة الأردنية في بِناء المستقبل الإقتصادي الأفضل على طريق العيش الكريم للمواطنين وهم القوة الحقيقة للدولة.
في هذا المقام ، استوقفني ما وَرَد في خطاب جلالة الملك حفظه الله في قمة الأمن النووي بواشنطن عام 2010 ، حين استشعر مَكمَن الخطر ( أن مُستقبل الأردن يرتكز على الإصلاح السياسي والإجتماعي والإقتصادي وتقوية الطبقة الوسطى ). غني عن الذكر بأن تبنّي هذه السياسة إستطاعت أن تضع الأردن على الخارطة الدولية بمزيد من الخطوات الثابتة والمدروسة ، كما لا بد أن نقول أن هذه النجاحات الإقتصادية والسياسية ، التي تم تحقيقها برؤية مستقبلية ثاقبة ، وبقدرة صائبة ، بإستشراف المستقبل وبحكمة وقدرة عالية في خدمة إدارة التنمية الشاملة. كما جاءت ملامح الرسالة الجديدة لتُمثِّل تصويراً لمرحلة جديدة ، لكي تتّجه الحكومات للعمل على تحسين العوامل الإقتصادية التي من شأنها أن تزيد من إمكانية الإنتعاش الإقتصادي ، من منطق إعادة هيكلة الإقتصاد الوطني نحو بناء القدرات ، بتنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق ووضع معايير دقيقة للنفقات ، وبإعطاء القطاع الخاص دوره الفعَّال نحو تحمّل مسؤوليات الإستعداد للمستقبل خاصة في مجالات التشغيل والتوظيف والتصدير .
في ظِل الإستجابة لهذه المتغيرات الملموسة ، سيكون من الخطأ التسليم والإستمرار بنفس السياسات ونهج الإدارة أيضاً ، كأمر واقع الحال لإدارة الإقتصاد والمالية العامة ، ونكتفي بمناقشة ودراسة تأثيراتها المحتملة الآنية والمستقبلية ، كما تعاملنا مع التغيُّرات الإقتصادية خلال السنوات العشر السابقة . الدرس المُستفاد في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية ، نتيجة لذلك أصبحت دول الخليج دولاً مستورِدة لرأس المال ، بينما كانت دولاً مصدِّرة لرأس المال ، إن المتغيرات الإقليمية القادمة أكثر تأثيراً على إقتصاديات المنطقة وأوروبا . وبذلك نرى ضرورة دراسة النظام الإقتصادي العالمي الجديد وتأثيره علينا من حيث استمرار المساعدات وسهولة الإقتراض وتقدير حصة الأردن من فُرص تدفُّق الإستثمارات ، والتركيز بشمولية وبدقة في جميع جوانبه الإدراية ، التنظيمية ، والقانونية . ولعلّ الهدف من تحديد الصياغة الجديدة لسياساتنا الإقتصادية والمالية ، وكذلك التشريعات المحلية ، لتكون متناغمة بما يحدث خارج محيطنا الوطني والإقليمي ، بهدف تأمين موطِن قدم لنا على الخريطة الإستثمارية والإقتصادية الجديدة الجاري رسم حدودها ضمن إطار إنفتاح وإندماج الأسواق المالية ، والتحرير القانوني والإداري ، حيث أن متغيرات النظام تُضعِف التعاملات التجارية والمالية الجارية في صورتها الحالية لعدد كبير من دول المنطقة من ضمنها الأردن . فإن ماحدث من تطور وخُطط إستثمارية طموحة في كل من السعودية والإمارات ومصر هي على حساب مساهمتهم الإستثمارية في الأردن أو على حسابنا بشكل أو بآخر، مما يؤكد مدى التأثير الخارجي على الإدارة الإقتصادية والمصرفيّة المحلية وبرامج التشغيل والتوظيف .
كما أنه لا بد أن نُشير إلى دور الجهات والمؤسسات الرسمية الفعَّال في إدارة وتشجيع الصادرات الصناعيّة وبناء العلاقات الدوليّة بوزارة الصناعة والتجارة ومؤسسة تشجيع الإستثمار، وكذلك برامج تمويل الصادرات وضمانها ، وبرامج تمويل الصفقات التجارية بنسبة مرتفعة وبمعدلات فائدة تفضيليّة ، كما أدعو الحكومة بدراسة جدوى (تأسيس اللجنة الوطنية لتمويل التجارة والإستثمار) إن لم تكن موجودة تحت مُسمّى آخر ، لإظهار الإهتمام المستمر بتنمية الصادرات وبرنامج صناعات تستهدف إحلال الواردات ، تنفيذ برنامج متكامل لتطوير وتحسين الخدمات المساندة ، بهدف جذب مزيد من الإستثمارات على مدى الخمس سنوات القادمة ليشمل برنامج التحديث مَرافِق ومنشآت الطاقة والمياه وشبكة خدمات متطورة لجميع المرافق التقنية .
بعد كل سنين العطاء والإعمار، فإنه من الحكمة لإدارة الإقتصاد الوطني إعتماد منهج ترشيد وتخفيض الإنفاق الحكومي عوضاً عن الإقتراض الخارجي وتعزيز مُمكنات الإعتماد على المُقدّرات والإمكانيات الذاتيّة . والإهتمام بالإعداد الجيِّد لإقتصاد المَعرِفة والصناعات الهندسية وتعزيز القُدرات بهدف تصدير الخدمات أيضاً. في المرحلة المستقبلية وحالياً مُطالَب القطاع الخاص بالإستعداد لتحمُّل المسؤولية الكاملة في المساهمة العملية في التنمية الإقتصادية ، كما المؤمَّل على خطط التمنية في السنوات القادمة في بناء الهياكل الإقتصادية الإرتكازية التي من المفروض أن تساهم في تنويع مصادر الدخل والتقليل من الإعتماد النسبي على الإقتراض والمساعدات ، والذي سيجعل منه أيضاً مرتكزاً على صعيد زيادة حجم التجارة الخارجية مما يعكس إيجاباً على القدرة الشرائية الممتازة في السوق .
إن سياسة تثبيت القواعد الإقتصادية وتنويع مصارد الدخل المتميّز بالطموح المستمر بإتجاه بناء ممكنات الإستقرار الإقتصادي بخطوات ثابتة نحو النهوض والإزدهار والرخاء ، من خلال إعتماد برنامج إقتصادي حكومي هادف نحو إستنهاض جميع القُدرات والإمكانيات ، مما سيدفع القطاع الخاص للعب دور فعّال في العملية التنموية الشاملة وإتّباع برامج تمويل جديدة للمشاريع بمساهمة القطاع الخاص وبِكُلف منخفضة ، كل هذه العوامل والمؤشرات ستكون رفع كفاءة الإدارة الفعّالة في السيطرة على سلبيات التدفُقات النقدية برغم ضعف الأسواق والسيطرة التامّة على العجز في السنوات القادمة على رأس أولويات عمل إدارة المالية العامة للدولة. .