الأنباط -
إن سياق هذا النقاش المفتوح , ما بعد قمه جده للأمن والتنميه ، يأتي منسجماً مع أهداف مرصد مؤشر الإقتصاد السياسي الذي يسعى لدراسة الواقع الذي تَعيشُهُ المنطقة العربية من تحديات ومُتغيّرات وصولاً إلى المساهمة في إستقراء آفاق المُستقبل لمُساعدة صُناع القَرار والمُختصين بِما يَخدم مَصالِح دُول المنطقة وأهمها الإستقرار السياسي الذي يخدِم قضايا وأهداف التنمية والأمن المجتمعي وتعزيز مُدركات أهمية النظرة الإستراتيجية وزيادة الوعي بالتوجهات والتحولات لدى الرأي العام. كما يَخدِم نَفس الأهداف ودورنا الراسخ والثابت في خِدمة قضايا الوطن. إن تَقديم نظرة مُستقبلية لإتجاه المسارات المُتوقعة مهمة صعبة. ومحاولة الإجابة لسُؤال ما العمل مهمة شاقة ، في ظل التساؤل الكبير حول ، أين العرب من التحولات الجيوسياسية الدراماتيكية و المتسارعة ؟
إن أهمية الموضوع برز نتيجة للتطورات الإقتصادية التي مرّت بها المنطقة وإرتباطها الإستراتيجي بالنظام العالمي الجديد وبعد مُرور مائة عام على تفاهُمات سايس بيكو ، في هذا العام 2022 الدخول الى تفاهمات سرية جاري طبخها (أمريكية غربية ، روسية صينية) جديدة وإستعداداً لحِقبة مابعد التسوية للحرب الجارية في أوكرانيا ، والصراع القائِم حول شكل وإدارة النظام العالمي بعد إعلان الإنتهاء من عصر العولمة الذي أُعتبر من التاريخ ، بين دول الديموقراطيات العظمى مع الصين والإتحاد الروسي ، الأمر الذي إنعكس على طبيعة الصراع الإستراتيجي وبناء التحالفات الإقليمية والدولية ونحن الآن على مشارف عَتبات عصر جديد ومُتغيّرات إقتصادية وسياسية متسارعة وتفاهمات دولية سريّة . نُدرك جميعاً أننا لانستطيع تغيير الجُغرافيا ولابد لنا من التعامل معها ضمن مُرتكزات الصراع التي تعتمد أيضا على الديموغرافيا والطاقة والموارد الإقتصادية. كما نَلحظ أن أمريكا إنتهجت إستراتيجية جديدة مع خُصومها كل من روسيا وكوبا وإيران وتَم فتح صفحة جديدة من التعامُل معهم معتمدين سياسة التفاهُم والتعاون والتنسيق الأمني والسياسي والإقتصادي. الصين وروسيا وإيران اليوم ليست كما قبل عشر سنوات إقتصادياتها تُحقّق نمواً من 7% الى 10% سنوياً وتَسير في طريق نحو وضع إقتصادي مَهول ستَضعهم في مُقدمة القوى الإقتصادية العالمية .
أين العرب من اعاده بناء القُدرات الإقتصادية والسياسية معاً ؟ لماذا لا تحذوا الدول العربية كما أمريكا ببناء علاقات تعاوُن وتَنسيق تُؤسس لبناء قوة عربية (مجموعة التوازن العربية) قريباً من فكرة مجموعة عدم الإنحياز وتضُم دول عربية مُتوافقة على دور فَعّال مُتفاهم عليه ، على شكل الدائرة المستديرة ؟ هل نستطيع القول أن العرب يستطيعوا بناء تكتُّل بِحدّه الأدنى من التهاون والتنسيق ، إستعداداً لمرحلة عالم جديدة خارج من حقبة أحاديّة القطب ونهاية الهيمنة والإستبداد وُلوجاً الى عصر الأنسنة والديموقراطية ودولة المواطنة وصيانة الحقوق وسيادة القانون والتشبيك والتعاون الدولي .
من الضرورة بمكان مدارسة المخاطر السياسية الناتجة عن المُتغيرات الإقليمية وخارطة التكتلات ومحاولة تشخيص واقع الحال والمُستجد وإنعكاساته على الواقع الإقتصادي والإجتماعي ونُحاول تقديم الإجابة المُفيدة. ما العمل لتلبية وَصَون مصالح الشعوب العربية بعد احتلال العراق ، وما نتج عنه من تدمير التوازنات الإستراتيجية في المنطقة ألا يَتَطلب من العرب بناء منظومة علاقات متوازنة إقليمياً ودولياً؟ ألا يحق لنا القول بصوت عالٍ لايمكن إستمرار الوضع الراهن بالشرق الأوسط وكفى للصراعات العرقية والطائفية في الوطن العربي ؟
ماهو التهديد الإستراتيجي على الأمن القومي العربي ؟ ما المطلوب لإستعادة الشارع وإعادة توجيه البوصلة الى فلسطين والتنمية كما تسائل مَن يقف وراء مشروع الشرق الأوسط الجديد. ولماذا تَفرَّد الأمريكان بإقامة هذا المشروع دون التنسيق مع دول المركز العالمية؟ أرغب أن أشير أولاً لما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالاً قالت فيه: (إن برنارد لويس "90 عاماً" المؤرخ البارز للشرق الأوسط قد وَفَّرَ الكثير من الذخيرة الإيدلوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب؛ حتى إنه يُعتبر بحقّ منظراً لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة) .الدلائل تؤشر الى أن هناك سياسية خارجية جديدة لأمريكا من حيث تجديد الحلفاء و الإستغناء عن البعض والبحث عن حلفاء جدد وآليات عمل جديدة دولياً وفي إقليم الشرق الأوسط وآسيا بشكل خاص بدلالة دراسات أمريكية وشرق أوسط جديد ما بعد اسرائيل وفُقدان النفط بُعده الإستراتيجي لأمريكا واعتباره سلعه تجاريه .
إن قيمة الوزن النوعي للتنسيق العربي في موازين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة لا يُمكن تجاهُله في بناء وتشكيل التحالفات الجديدة عالمياً ، من حيث القوة الإقتصادية ، حيث يقدّر إجمالي الناتج المحلي للدول العربية مايزيد عن 5 ترليون دولار يأتي في المرتبة 4 بعد الصين وأمريكا واوروبا مجتمعه . استصلاح الأراضي الزراعية (السودان ومصر والهلال الخصيب ) تُقدّر الإنتاجية المتاحة في العام الواحد 880 مليون من القمح وهذا خِلاف الثروة الحيوانية ، إنتاج النفط طاقَتُه الإنتاجية الطبيعية تُشكّل تقريباً 35% من الإنتاج العالمي للنفط ,بدون استغلال الطاقة الشمسية التي تقدر مليون ساعة جيجا واط (صحراء ليبيا ودُول الخليج والأردن) الطاقة من إستجرار المياه لانتاج الطاقه الكهرومائيه ( قناة خليج العقبه – البحر الميت ) يكفي إحتياج المنطقه من الكهرباء . قوه الجغرافيا تقدّر ب 14 كم مربع المرتبة 3 بعد روسيا والإتحاد الأوروبي والأهميه تكمن في موقعه الإستراتيجي و القدره على التحكُّم بالممرات المائية والبرية والجوية حلقة الوصل بين الشمال والجنوب والشرق والغرب (مركز سيطرة وتحكّم وتسيير التجاره العالميه ) ، لا يمكن لاي مفكر استراتيجي ان يغفل , قوة الديموغرافيا واهميه دورها عبر التاريخ و تعتبرسياج الأمان للدور المستقبلي اذا احسن الاستخدام الأمثل لراس المال البشري، حيث يُقدَّر عدد السكان 390 مليون نسمة المرتبة 3 بعد الصين والهند. لا نَغفل أهميه البُعد السياسي في حال تم ، الإستغلال الأمثل لصناديق أموال الزكاة من حيث التنظيم والاداره ,واستثمار الأموال الغير مستثمرة في اعاده توزيع الثروه باهداف تنمويه اجتماعيه ,التي تزيد عن 31 مليار دولار سنوياً بدون ايرادات الحج والعمرة ، وِفق إطار مؤسسي على صورة بنك تنمية والإعمار الأوروبي والبنك الدولي . ”مَن يَملك فَأسَه يَملِك قَمحَه – يَملِك قَراره ”
والله من وراء القصد .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com