الأنباط -
عنــوان صارخ يتحدث عن نوعية النائب والحالة البرلمانية التي عشناها منذ العام 1989 ولغاية الآن .. ويبوح عن البواعث والمبررات التي أوصلت النواب لما اصبحوا عليه .
فالنائب إما نائب قرار وإما نائب إقرار .... مع حرمة الجمع بينهما .. على الرغم من استحالة رضاعتهما من نفس الثدي .
ونائب القرار هو القادر على اتخاذ القرار السـديد ويقوم بواجباته الحقيقية المتمثلة بالتشريع والرَّقابة ... وهدفها الرئيسي خدمة الوطن والمواطن ... والعمل على النهوض بالبلاد ومن خلال إيجاد أو تحسين التشريعات والقوانين .. والتي تضيف قوة ومنعة سياسية واقتصادية واجتماعية .. والحفاظ على هيبة وكرامة الدولة والإنسان .. والإرتقاء بالعمل الرقابي على السلطة التنفيذية وأجهزتها .. ومحاسبة المقصرين والفاسدين والتأكد من سلامة كافة الإجراءات والأعمال الحكومية في كافة المجالات .
وهذا النوع من النواب نادر ويمتاز بأنه لا يتكاثر ولا يتكرر لدورات أخرى ... وبسبب قلتهم أصبح وجودهم كمنكهات لإضفاء طابع ديموقراطي زائف يخلوا من الجدية والتأثير الفاعل .
أما نائب الإقرار وهو الأكثر شهرة وانتشارًا وتكرارًا في مجالسنا .... فهو النائب الذي غالبًا ما يلجأ إلى المؤثرات والإملاءات .. وخاصة عندما تكون القرارات هامة وحاسمة , كلماته مرتجفة .. وكفيه تصفقان .. ويُدار بالريموت كونترول ... ومع الخبرة وتطوير المهارات أصبح يقرأ أفكار الحكومة من خلال لغة العيون أو حتى بالتخاطر .... وينتفض لتلبية النداء .
أما وظيفته الحقيقية فإن بوصلتها تتجه نحو منافعه الشخصية واستجداء المسـاعدات للمقربين .... وفي أحسن الأحوال وأبهجها إجترار الخدمات العامة لمنطقته الانتخابية .
بالنسبة لي ... هنالك مساحة وفضاء ... وكثير من الأعذار للناخبين البسطاء أنصار نائب الإقرار ... وهؤلاء شريحة عريضة في المجتمع تتسع يومًا بعد يوم .
ضيق الحال والفاقـة ... وانعدام الوظائف واحتجابها عن الشباب والشابات ... وبالتالي توقف المراحل وتجمد أسرار الحياة التي لا تنبعث إلا بالحصول على الوظيفة بالإضافة إلى الكثير من الإحتياجات .. الترقي بالوظيفة .. التعليم .. حتى وصل الأمر إلى حق الحصول على العلاج ..
وهذه الموجبات تستدعي ضرورة اللجوء لأصحاب السعادة ومانحي مسوغات المضي قدمًا لكسر الجمود الذي كرسته الأنظمة الحكومية ....
والأسوأ منذ ذلك وصول حالة التردي إلى التفريط بحق الإنتخاب والاختيار مقابل المال الأسود .. ضمن تغافل وتغاضي واضح من قبل أجهزة الدولة .
أما بالنسبة لنواب الإقرار .. فإنني لا أقوى على إيجاد أي عذر يبيح لهم المتاجرة بفقر واحتياجات البسطاء من الناس .... وأعتبر وجودهم ومسيرتهم ومسايرتهم عبر المجالس المتعاقبة وتهاونهم في واجباتهم الحقيقية .. سببًا في تراكم العقبات وتكاثر الأزمات وتوفير البيئة الحاضنة للفساد الذي تحوصل وتشرنق في بلادنا دون رقابة جادة ومحاسبة للفاسدين .
وهنا أود أن أنقل الحديث إلى المواطن البسيط .... إلى الأهل والأخوة والأخوات الذين ضاق صدرهم وغصت الأصوات في حناجرهم ...
نحن من نصنع جلادينا .... نريد عنب اليمن وبلح الشام ... نريد نائب وطن .... ونلهث وراء نائب الخدمات ..
نعم ... نحن شعب غير متصالح مع نفسه نريد من نائبنا مواقف وطنية مشرفة ... وتشريعات وأنظمة فاعلة لمستقبل الوطن ... نريده أن يقارع المسؤول .. ويوقف المشاريع المشبوهة وعديمة الجدوى .. وأن يحارب الفساد ويحاسب المفسدين …... ونريده أن يحجب الثقة ....
وفي مسار آخر وتوقيت مشترك ... نريد من نائبنا أن يعين ابننا سامر في الوزارة .. وترقية ابنتنا علياء لاستلام رئاسة القسم .. ونقل ابنتنا سعاد من وزارة الصحة إلى وزارة التربية لتصبح في المدرسة المجاورة .. حتى وصل الأمر للتدخل لإنجاح ابننا قاسم في مساقين في الجامعة .
لا تستغربوا .. هذا واقع مرير يعيشه النائب بشكل يومي .. لائحة طويلة ومتنوعة من الطلبات ...
لوائح تحتاج إلى الكثير من المهادنة والاسترضاءات لكافة المسؤولين ... تحتاج إلى التغاضي والتغابي وغض البصر وغض السمع وإضعاف حاسة الشم والتذوق .. تحتاج إلى أساليب متنوعة للتمهيد والاستجداء ....
وبعد كل ذلك يتم تلبية الشيء اليسير ... وهي مكرمات تقدم من المسؤولين كفتات وعظام مقابل إدامة الولاء والطاعة العمياء .
نريد من نائبنا أن يركع ويهادن ويبرر ويمرر .... وندعي أن لديه علاقات واسعة .
نعم نحن نريد من نائبنا كل شيء ... مواقف وخدمات ... ولكن لا يلتقيان ...
أصدقوني القول ... هل استقبالنا لنائب الخدمات يضاهي استقبالنا لنائب الوطن .
صدقوني ... لو تخطينا احتياجاتنا الشخصية .... وقدمنا مستقبل بلادنا وأولادنا ... وانتصرنا لنائب القرار ... نائب الوطن ونائب البرامج ... نائب التشريع والرقابة .... ستكون النتائج إصلاحية ونهضة تنموية عامة وخدمات عادلة ومرضية للجميع ...
ولكنها ستحتاج إلى زمن ليس بالقليل لأن الإصلاح والبناء ... بناء الإنسان ... يحتاج إلى العودة للمربع الأول وصعود السلم من الدرجة الأولى ...
بالنسبة لي .... فأنني اتوق وأشتاق لوجود مجلس نواب حقيقي ... يكون معظم فرسانه من النواب الذين يعملون بمحتوى القسم الذي أقسموه ...
... اتـوق وأشتــــاق لنــــواب القــرار ....