الأنباط -
مثلي مثل كل الأردنيين إنتظرنا شهرا دراميا مميزا في رمضان الفائت بعد سنتين قاحلتين من الأعمال الفنية بكل أنواعها .. وخاصة أن الهالة التي صنعها التلفزيون الأردني حول الدراما التي قام بإنتاجها مؤخرا كانت كبيرة ومثيرة، حيث اعتقدت مثل كل الأردنيين أن هناك تغييرا كبيرا سيطرأ على نوعية الدراما ونصوصها وإخراجها بعد أن جفت أقلامنا وانهكت السنتنا ونحن نكتب ونتحدث عن الإنحدارالذي شهدته أنواع الفن بالسنوات الأخيرة من دراما وكوميديا ومسرحيات والخ من أشكال الفن الأردني الذي كان مسيطرا في يوم من الأيام على لوحة الفن العربي بل ويتسيدها وذلك بشهادة رموز وقادة الفن العربي .
بعد متابعتنا العديد من هذه الأعمال وخاصة مسلسل"المشراف" الذي إنتظره معظم الأردنيين لملامسته وجدان الأردنيين والفلسطينيين لحديثه عن مرحلة زمنية هامة يتغنى بها معظم العرب وتحديدا منطقتنا بالشرق الأوسط والتي شهدت اخرالإنتصارات العربية على العصابة الصهيونية، وهي معركة الكرامة الخالدة التي صنعها أبطال الجيش العربي والذي أضاف الى تفائلنا أنه سيكون عملا دراميا مميزا كونه من كتابة عميد كتاب النصوص الدرامية في الأردن الأستاذ محمود الزيودي، وبعد أن اجتمعت كل هذه العوامل لصناعة عمل درامي يوثق حقبة زمنية يعود لها كل الاردنيين بأصولهم ومنابتهم عندما تتاّمرعليهم عاديات الزمن منكرة دمائهم وبسالتهم ووحدتهم للدفاع عن أرض فلسطين الطهور.
وهنا جاء وقت الوعيد وكنا يوميا نجتمع بتمام الساعة العاشرة مساء منتظرين الوعود التي أطلقها التلفزيون الأردني بأن تاريخ الأردنيين ووجدانهم بأمان حيث تعهد كافة القائمين على مسلسل المشراف بأنه سيكون وثيقة أردنية تاريخية أمام العالم، وبعد مرور أيام وانقضاء الشهر الفضيل ونحن نتابع وثيقة التلفزيون.. وجدت وربما العديد من المهتمين بتاريخ منطقتنا والرافضين العبث بهذه الحقبة التاريخية الهامة من زماننا كأردنيين وفلسطينيين حيث وحدتنا بالوجدان والدم هي أحد أدوات مقاومتنا للعدو الصهيوني، فكيف نرى من يعبث عامدا أو جاهلا بهذه الوحدة وسامح الله الأستاذ الكبير محمود الزيودي الذي منح أهم كتاباته ووثائقه عن أهم مراحل تاريخنا لمن عبثوا بالنص والتاريخ وقدموا معركة الكرامة الخالدة وكأنها مشاجرة على الحدود .
لم يكلف نفسه مخرج العمل المحترم أن يحاور أهل المنطقة الحدودية والمناطق التي شهدت جولات وصولات في معركة الكرامة ليعرف على الواقع كيف صنعت الاردنيات أرضية صلبة لرجالها كي يخوضوا معركة حامية الوطيس بعد أقل من عام من هزيمة قاسية خاضتها معظم الجيوش العربية وخسرتها، ولكن هذه المعركة التي خاضها بواسل الجيش العربي وبمعاونة أشقائهم من الفدائيين الفلسطينيين اعادت الوجدان العربي الى نصابه وهذا ما يحاول الإعلام الصهيوني طمسه عبر تحييد الخبرات الإعلامية والدرامية عن هذا التاريخ بالذات والجهل وقلة الخبرة ايضا، وهذا ما أعتقد أنه أصاب "المشراف" لخروجه بهذه الطريقة التي لا أعتقد أنها أرضت حتى كاتب النص ليقيني بجودة ما يكتب ويقدم .
كنا ننتظر بطولات عيرا ويرقا ونسائها قبل رجالها والمدفعية السادسة والتي أكاد أجزم أن مخرج العمل والقائمين عليه لم يصلوها لغايات العمل نفسه.. كنا ننتظرالشهيد خضر شكري يعقوب بواقعية إخراجية مميزة وليس كما رأيناها بالعمل حيث أخرجوا قصة استشهاده وكأنها لعبة "بلاي ستيشن" وكذلك شخصيات عديدة من الشهداء وقادة المعركة الخالدة وحتى الحياة العامة للرجال والنساء الذين رأيناهم بالقرى والمناطق المحيطة لم يكونوا بالمستوى المطلوب لقناعة المشاهد الأردني لا من حيث حياة الأردنيين اّنذاك ولا من حيثيات المعركة.
الكلام نفسه ينطبق على الأعمال الكوميدية التي لم تضحك ولا حتى تنال ابتسامة الأردني الذي تكالبت عليه ظروف الحياة الصعبة وكان ينتظر موسما دراميا لكن للأسف كان شهر رمضان دراميا كما كل الأعمال التي سبقته مؤشرا غير سليما على نوعية القائمين على الفن الأردني سواء الجانب الرسمي الممثل بالتلفزيون الأردني أو بالجانب الفني الممثل بكتاب النصوص والمخرجين .. ولا اعمم طبعا فهناك منهم مميزين وقدموا أعمالا على مستوى عالمي قبل العربي، لكن للأسف الجانب الرسمي وهو التلفزيون الأردني يستثنيهم من اختياراته لإخراج أعمال توثق تاريخنا الناصع بدل الإساءة له كما حصل مع الدراما في شهر رمضان الذي كان بمثابة ورقة التوت الدرامية التي سقطت عن جسد الفن الأردني الذي نأمل إختيار مسؤولين يقودون التلفزيون الأردني يعرفون جيدا تاريخ بلدهم ويختاروا كتابا ومخرجين وممثلين ليصلوا فعليا الى قناعة المشاهد الأردني الذي يعد من أذكى أنواع المشاهدين في العالم لكنه يفتقر الى قادة الإعلام والفن لديه ليكونوا على مستوى هذا الذكاء وللحديث بقية .