كتّاب الأنباط

تطوير التعليم في ضوء التطلعات الملكية

{clean_title}
الأنباط -
أ.د.محمد طالب عبيدات

في ضوء الرسائل الملكية السامية سواء للحكومات المتعاقبة من خلال كتب التكليف أو الرسائل المباشرة للأردنيين أوضح جلالة الملك المعزز رؤيته لمستقبل التعليم بشقيه العام والعالي في حقبة المئوية الثانية للدولة الأردنية؛ وهذه الرؤية تخرج عن الإطار التلقيني أو التقليدي في التعليم وإطار الكتب المقررة وعقلية الصف وقاعات التدريس والتقوقع في المبادىء النظرية والحفظ وعقلية الأستاذ كملقّن وعقلية البيئة التعليمية المبنية على البنى التحتية التقليدية والنظام التعليمي الذي محوره المعلم والأستاذ والإطار النظري العام وغيرها؛ لننطلق صوب المستقبل لنجاري التطورات العصرية في الأطر الحديثة للتعليم من حيث الإلتزام في إطار التميز والإبداع وولوج عالم الريادة والإبتكار والتركيز على المعرفة والمهارات والكفايات اللازمة للمستقبل ومواءمة مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل وإختيار تخصصات المستقبل التكنولوجية في الذكاء الإصطناعي وأتمتة الأشياء وأدوات إنترنت الأشياء وإستخدام أدوات التعليم الإلكتروني وربط التعليم بالموارد البشرية وفرص العمل ومشاركة القطاع الخاص وجعل الطالب كشريك أساس ومحور رئيس لمنظومة التعليم بشقيه العام والعالي والتركيز على البيئة التعليمية الإلكترونية وغيرها من التطلعات العصرية؛ وهذه الرؤية وفق إستراتيجيات متكاملة تضعنا في الطريق الصحيح صوب المستقبل لنستعيد صدارتنا الحقيقية في التعليم دونما تباطؤ:
١. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تنبثق من التوجه صوب آفاق أوسع من التميز والإنجاز والإبداع، ومستقبل نستعيد فيه صدارتنا في التعليم، ونربط فيه التعليم بالنهوض باقتصادنا الوطني وجلب الإستثمارات وخلق فرص العمل من خلال تشاركية مثلى بين القطاعين العام والخاص، لمواجهة قضايا وتحديات العصر في البطالة والفقر ونعكس التوجهات والجهود التنموية لخدمة المواطن وخصوصاً فئة الشباب المتعلّم لولوج الألفية الثالثة كألفية علم وتكنولوجيا بإقتدار؛ ولينطلق الشباب في آفاق الريادة والابتكار ليساهموا بإقتدار في خلق فرص العمل لهم ولغيرهم من خلال المشاريع التنموية والفرص الإقتصادية الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الأفكار التي تربط التعليم بالإطار التطبيقي والتنموي والإستثماري والريادي والتقني لا النظري والمقررات فحسب.
٢. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تسعى لخلق حالة من التميز والإبداع في منظومة التعليم؛ حالة أساسها صناعة منظومة متكاملة من التميز والإبداع سواء في أفكار الشباب العلمية والتقنية أو أدوات التعليم أو البيئة التعليمية أو البنى التحتية أو المناهج أو التقنيات أو المشاريع أو التقييم أو النهج أو أساليب وطرائق التدريس أو الإنجازات أو الحوافز التعليمية وغيرها.
٣. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تسعى لتكون مخرجاتنا التعليمية منفتحة على التغيير والتطور ومستوعبة للأفكار العصرية ومحتضنة للتنوع الفكري والعقائدي وأساسها عقلية الإنفتاح والإعتدال والأصالة والتسامح والإيثار والغيرية لا التقوقع والتطرّف والغلو والكراهية والأنانية والأنمالية؛ وبذلك نضمن مستقبل شبابنا لينفتح على الآخر ويتعايش معه ويستوعب التطورات والأفكار الحديثة دون الإنسلاخ عن هويته وموروثه الإجتماعي وأصالته.
٤. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تُوجِّه ليكون التعليم مرناً وديناميكياً ومستوعباً لروح العصر ولغاته المتعددة وضروراته وحاجاته؛ وبالتالي يتم التركيز على قطاعات بعينها واعدة ومتغيّرة وفق دعمها وتحفيزها للإقتصاد الوطني؛ ولا يمكن دعم هذه القطاعات سوى بتغذيتها بالموارد البشرية الكفؤة من خلال منظومة التعليم المتميزة والمبدعة؛ وهذه القطاعات تعزز الإنتماء للوطن لدى الشباب بالعمل المنتج وتخلق فرص العمل وتواكب لغة العصر والتكنولوجيا؛ ومن هذه القطاعات على سبيل الأمثلة لا الحصر قطاعات الزراعة والسياحة التعليمية والعلاجية والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة والقطاع الطبي ومنظومة تخصصات المستقبل في الذكاء الإصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني وغيرها؛ وكلها تدعم النمو الإقتصادي وتشكّل حالة تنموية منتجة وبيئة حاضنة للإبداع والتميز.
٥. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تركّز على فتح أوسع الآفاق لمجتمع ريادة الأعمال لأبنائنا الشباب، لغايات توفير بيئة منافسة وناضمة لاحتضان صناعات المستقبل؛ فبيئة ريادة الأعمال عصرية وتمزج التعليم بالواقع في إطار تأسيس شركات من خلال حاضنات أعمال داخل الجامعات ما يجعل منظومة التعليم ولّادة لمجتمع الريادة وخلّاقة لفرص العمل ومواكبة للتكنولوجيا العصرية؛ وبالطبع هذا التصوّر يحتاج لمشاركة القطاع الخاص وقطاعاته المختلفة لرفد المؤسسات التعليمية بخبراته وتطلعاته للمستقبل؛ وهنالك الكثير من الجامعات العصرية التي ولجت هذا المنحى في أمريكا وأوروبا وحتى بعض دول إقليم الشرق الأوسط والخليج العربي.
٦. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تنهج لتطوير نظامنا التعليمي بما يلبي الاحتياجات الآنية والمستقبلية لسوق العمل؛ والتركيز على توفير كل الإمكانات اللازمة لتحقيق ذلك؛ وهذا يستلزم تغييرات جذرية في الخطط الدراسية لتتواءم وحاجات سوق العمل؛ ويستلزم ضرورة رفد الطلبة ومخرجات التعليم بالمهارات والتقنيات والكفايات والأساليب والوسائل اللازمة للنهوض بالمنظومة التعليمية؛ ويستلزم شراكة حقيقية بين الجامعات والقطاع الخاص لمعرفة حاجاته ومتطلباته المستقبلية لمواكبتها أول بأول؛ ويستلزم مجالس شراكة تدرس خطط الوصول لتعليم يلبي حاجات سوق العمل المستقبلية؛ وغيرها من المتطلبات.
٧. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تتطلع لبناء شخصية طالبية مثلى في القيادة والإعتدال والوسطية والمهنية؛ شخصية ديناميكية مستوعبة للمستجدات وقادرة على توظيف خبراتها في مكان العمل لتنعكس على غيرها في تطوير منظومتنا البشرية في بيئة عمل متصالحة مع الذات وصحتها النفسية عال العال دونما صراعات داخلية أو خارجية؛ وهذا يتطلب بالطبع التركيز على قدرات وإبداعات ومواهب وأفكار الشباب والثقة بقدراتهم والبناء عليها وإعطاءهم جرعة من المهارات والكفايات اللازمة لذلك لتكون شخصياتهم قيادية ومهنية وعصرية وتكنولوجية وتمزج الرقمية بالعمّالية ليتعامل الشباب مع أي مستوى وطبيعة عمل سواء ناعم أو فيزيائي جاد.
٨. الرؤية الملكية لتطوير التعليم والأوراق النقاشية الملكية مواكبة للتوجهات العصرية في ضرورة إدماج التعليم الإلكتروني في منظومتنا التعليمية؛ فالحاجة لإدماج التعليم الإلكتروني في أنظمة التعليم العام والعالي جاءت ليس بسبب جائحة كورونا فحسب -وإن كانت متزامنة معها- لكنها جاءت لمواكبة المستجدات في الثورة الصناعية الرابعة ومتطلبات الألفية الثالثة ومواكبة تطورات أنظمة التعليم العالمية لغايات تمكين خريجي الجامعات من المنافسة في سوق العمل متسلحين بالمهارات العصرية اللازمة التي تؤهلهم للمنافسة للحصول على فرص عمل ضمن تخصصات المستقبل؛ فإدماج التعليم الإلكتروني بات أولوية لبُعد إستراتيجي للتوجّه تدريحياً صوب التعليم عن بُعد في خضم إقتصاد المعرفة؛ والمضي قدماً في ذلك من خلال تشريعات ناظمة وإجراءات على الأرض وفعاليات واقعية رتيبة؛ والتطلع في المئوية الثانية للدولة الأردنية في التوسع الأفقي والعمودي للمؤسسات الأكاديمية مع المحافظة على المستوى والجودة ليؤكد على ضرورة المحافظة على المحتوى التعليمي وإدخال أشكال التعليم كافة تدريجياً من الكامل والوجاهي صوب المدمج فالتعليم عن بُعد؛ فضرورة الإدماج تخلق نقلة نوعية من التعليم والتلقين إلى التعلّم الذاتي والمرن في الزمان والمكان والحدث والأداة والمهارات وغيرها؛ وإدماج التعليم الإلكتروني أولوية وحاجة وليس خياراً ولا نمتلك ترف الوقت في ذلك؛ والتدرج وتراكمية الإنجاز بالتوجه صوب التعليم الإلكتروني ضرورة إلى جانب المحافظة على جودة مخرجات التعليم العالي لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة وحاجات سوق العمل العصرية والمستقبلية؛ ومواجهة التحديات وتحويلها لفرص في ظل جائحة كورونا باتت مهمة جداً؛ وإمتلاك خطط إستراتيجية وتشريعات مرنة سيضعنا في الطريق الصحيح قبل أن يسبقنا غيرنا من دول العالم المتقدمة وحتى النامية؛ فأن تبدأ ولو متأخراً خيراً من أن لا تبدأ!
٩. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تؤشّر لضرورة مأسسة نظام التعليم الإلكتروني كجزء من المنظومة التعليمية التعلمية أضحى حاجة وأولوية وطنية للتعليم العالي أيضاً في ظل المتغيرات والتطور المتسارع لمتطلبات التنمية؛ وما كان ذلك ليتم دون أنماط جديدة للتعليم لتعزيز التعلّم وفق الإطار الوطني للمؤهلات؛ فالتعليم المدمج أقل ضغطاً على البنى التحتية ويلج زمن الرقمنة والحوسبة وقادر على إدارة المجموعات والأعداد المتنامية و معزز لحل الأزمات المرورية وقادر على تعظيم دور المتعلمين وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتفكير الإبداعي والناقد وغيره.
١٠. الرؤية الملكية لتطوير التعليم يستنبط منها أننا بتنا نحتاج لتشريع مرن للسماح بالبرامج الإفتراضية وربما الجامعات الإفتراضية مع ضرورة المحافظة على الجودة والمخرجات والإرث والسمعة الأكاديمية الأردنية وهويتها التي نعتز بها؛ ولعل وضع ضوابط ومعايير جودة صارمة لذلك مهمة في بداية الطريق؛ وهذا برأيي يواءم بين الضغط الشعبي الذي يحبّذ التعليم عن بُعد لمصالح شخصية عند البعض من جهة وبين ضبط المخرجات ونوعيتها وحاجات السوق من جهة أخرى؛ وهذا بالطبع لن يسمح للقطار بأن يفوتنا ويسبقنا البعض!
١١. الرؤية الملكية لتطوير التعليم تتطلع لضرورة ولوج عالم التعليم التقني على الغارب من كل الجوانب لغايات تصويب هرمنا التعليمي المقلوب وتعزيز متطلبات سوق العمل والتقنيات والحاجات والكفايات والمهارات اللازمة المطلوبة لقطاعاته كافة؛ وهذا يندرج تحته أيضاً ضرورة تخطي ثقافة العيب وتغيير ثقافات المجتمع وإستيعابه لهذه الضرورة وتغييرات جذرية في سلم الرواتب والحوافز لدعم هذه النمطية من التعليم في الدبلوم التقني المتوسط وحاجات سوق العمل وغيرها.
بصراحة: الحديث في مسألة تطوير التعليم في ضوء الرؤى الملكية السامية في ذلك يحتاج للولوج في عالم الكثير من المفاصل المهمة ومنها على سبيل الأمثلة لا الحصر: متطلبات سوق العمل؛ التعليم الإلكتروني؛ التعليم التقني؛ الإبداع والتميز؛ ريادة الأعمال والإبتكار؛ لغة العصر؛ الشخصية الطالبية؛ الأتمتة والتكنولوجيا العصرية؛ المهارات والكفايات؛ الجامعات الإفتراضية؛ تخصصات المستقبل؛ الإقتصاد الوطني؛ الإستثمار؛ حاجات الشباب؛ القيم الإيجابية؛ الموارد البشرية؛ وغيرها؛ ولكن المطلوب سرعة إنجاز خطة إستراتيجية وتنفيذية متكاملة عصرية لغايات المضي قُدماً في تطوير التعليم قبل أن يفوتنا القطار!
صباح الوطن الجميل

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )