الأنباط -
"سعادة الأستاذ خليل النظامي",, اللقب الذي كتب على الورقة التي تشير إلى مكان مقعدي على طاولة اللقاء بـ دولة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في مبنى رئاسة الوزراء، ما جعلني حينها اتسائل بيني وبين نفسي ما هو سبب منحي هذا اللقب الذي لا استحقه، هل هو الإحترام المفرط من قبل السلطة أم منهجية تخجيل وإحراج لـ صحفي معروف عنه أنه لا يحب الجلوس كثيرا على طاولة السلطة، أم أن دائرة العلاقات العامة في مكتب الرئيس لا تعلم أنني صحفي وكاتب في صحيفة الأنباط.
تصنيفي بـ صاحب السعادة أخرجني من دائرة الصحافة برمتها وأدخلني في دائرة الرغبة بـ "التطبيل والتسحيج" للمضيف عبر وسائل الإعلام، ولكن هيهات هيهات أن تتفوق الرغبة على المهنية الصحفية في داخلي، وتبع وذلك وصف أطلقه أحد الموجودين على جميع زملائه الكتاب والصحفيين وهو يقدم مداخلته لـ الرئيس بـ القول : "كلنا هنا سحيجة"، الأمر الذي اغضبني جدا وجعلني ألتزم الصمت لـ حين الإنتهاء من الجلسة والخروج لـ حرق سيجارة على ركام مهنة يجدر بنا أن نشرع لها بيت عزاء أسود.
فـ البداية لم تكن مبشرة بـ النسبة لي، وحديث الرئيس كان تقليديا، وأشبه بـ مرافعة قدمها محامي مخضرم، حيث لا ثغرات ولا شوائب فيها، ولكنها تبقى مرافعة منمقة بـ صورتها العامة، ولن تؤثر على حيادية القاضي النزية، ولكن "الحق حق أن يتبع والحق أحق أن يقال" فـ هنالك مناطق زارها الرئيس في حديثه لفتت إنتباهي ويجب أن نتحدث عنها ونأخذ الحديث فيها على محمل الجد والتعزيز، وهناك مناطق مر عليها مرور الكرام ولم تأخذ جدية وإهتمام في حديثه.
من أبرز هذه المناطق اعلان الرئيس الإنتهاء لـ الأبد من مسألة التوقيف الإداري لـ النشطاء والحراكيين ومن يحملون في جعبتهم رأي مخالف لـ رأي السلطات، وترك الملف برمته للتقاضي أمام القضاء الأردني الأدبر فيه، منوها في الوقت نفسه إلى أن الحكومة شرعت في الإنفتاح والشفافية على الجميع وتتقبل النقد البناء بصدر رحب بعيدا عن النقد الهدام الذي يحمل الإساءة لـ مكونات السلطة.
حديث الرئيس حول التوقيف الإداري لـ النشطاء من المواطنين كان بشكل جاد، ولم يكن مجرد حديث عابر، وكما كان يبدو عليه أن هذا أمر تطلب منه الكثير من العمل نظرا لما أحدثه "التوقيف الإداري" من إختلالات على منظومة ومستوى ممارسة الحريات محليا وعالميا.
كما لفتني وصول الرئيس بـ حديثه لـ منطقة الهيئات والمؤسسات المستقلة، والتي إعتبر الكثير منها تشكل عبء على الخزينة العامة، وسبب بارز في ارتفاع مستوى الترهل الإداري، الأمر الذي جعلها من أولويات العمل على طاولة لجتة تطوير القطاع العام والتي ستعلن توصياتها النهائية في حزيران القادم، حيث أوضح أن أبرز تلك التوصيات ذاهبة الى تقليص الحد الأدنى من الهيئات والمؤسسات المستقلة، إضافة الى توصيات تتعلق بـ تخفيض عدد الوزارات في الحكومة ودمج بعضها الآخر على حد قوله.
وهذا الأمر الذي لـ طالما طالبنا فيه، خاصة أن هناك مؤسسات وهيئات مستقلة وسم عليها شعار "ممنوع اللمس" ولم تستطع حكومة سابقة الإقتراب منها، وحديث الرئيس بـ الأمس حولها فية اشارة لـ الحزم بهذه الإجراءات، وأن الوقت قد حان لـ هذا التعديل على هيكلية هذه المؤسسات والهيئات والوزارات التي استنزفت المال العام دون جدوى على واقع المؤشرات الإحصائية لـ الأردن.
أما منطقة الصحافة والصحف الورقية "المحاصرة والمعزولة" فـ لم تأخذ إهتمام الرئيس على محمل الجد، حتى أنه لم يقم فيها ليلته ومر منها وعنها مرور الكرام وألقى التحية على أصحابها الذين تآكلت يومياتهم بسبب ما يعانون من حصار وقلة دعم، بـ الرغم من كل التقارير والمعلومات التي تصله بشكل إسبوعي عن معاناة الصحف والصحفيين، وليس بـ غريب ذلك على الرئيس، فمن سبقوه لـ الرئاسة لم يقدموا أي إهتمام لهذه المعضلة، وكأن المسألة تشير إلى أن هناك هدف لـ الإطاحة بـ الصحف الورقية بشكل غير مباشر، وأكتفى بـ مطالبة الصحف بـ رقمنة مخرجاتها بما ينسجم مع التطورات التي حصلت على الاعلام العالمي.
هذه المناطق التي لمست فيها جدية وتغييرا حقيقيا لـ الأفضل في حديث رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وما تبقى من حديث له أتركه لمن حضر اللقاء من الزملاء الأفاضل، فـ هناك من هم أقدر مني على التمييز بين المناطق البيضاء والسوداء ولديهم أفضل المهارات الفنية في مكيجة الروايات والأحاديث وإخراجها بـ صورة أجمل.