الأنباط -
في أكثر من مناسبة شدد جلالة الملك على ضرورة النهوض بالقطاع الزراعي، والتشديد هنا يأتي إدراكا لأهمية هذا القطاع من زواية عديدة كرافد للاقتصاد الأردني، وكونه قادر على توفير فرص عمل خصوصا إذا ما استخدمنا وسائل حديثة في الزراعة.
ولا يقل أهمية بقدرة النهوض بهذا القطاع على جعل المملكة مركز إقليمي للأمن الغذائي، بما يتوفر لدينا من بيئة زراعية مثالية ومتنوعة وقادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي والعربي في ذات الوقت.
في الأثناء نلاحظ وجود بطئ في عملية النهوض بهذا القطاع، فالوزارة منغشلة بتفاصيل عملها اليوم وهموم المزارعين، ولم تتمكن حتى هذه اللحظة من البدء بتطبيق الخطط والاستراتيجيات التي وضعتها لتحقيق نقلة نوعية في هذا المضمار.
ومع دخول الأردن مئويته الثانية والتوجه نحو الاصلاح الاقتصادي لا بد وأن تدرك الحكومة أن من أهم عناصر التعافي الاقتصادي والاعتماد على الذات هو احداث تحول حقيقي في القطاع الزراعي، عبر كما أشرنا استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، والتركيز على الزراعات القابلة للتصدير، والقادرة على المنافسة عربيا وعالميا.
لماذا هذا القطاع مهم للاقتصاد الاردني، ببساطة لأنه قادر على تعزيز إيرادات الدولة التي تعاني من تباطؤ في النمو وفي عجز في الموازنة العامة، ويشكل رافدا أساسيا للسيولة لا تقل أهمية عن تلك التي يمكن تحقيقها عبر السياحة والصناعة، ولكونها أيضا تساهم في تخفيض نسب البطالة عبر إيجاد فرص للتشغيل.
المطلوب من الحكومة العمل على أكثر من اتجاه، ربما احدها يتمثل في منح الشباب والمهتمين أراضي باشتراطات معينة وتقديم الدعم اللوجستي لهم، لضمان نجاح تجربتهم في الزراعة، حيث تساهم هذه الأراضي في اعطائهم أولى الخطوات التشجيعية نحو الانخراط في هذا القطاع.
كما أنه مطلوب منها إيجاد حل للتحديات التي تواجه المزارعين من ارتفاع كلف الانتاج، والأيدي العاملة، ونقص المياه، وهي معادلة ثلاثية لا يمكن التقدم بهذا القطاع دون الانتهاء منها، أو الجزء الأكبر. غالبية المزارعين اليوم ممتلئين بهموم الدين جراء عدم قدرتهم على الإيفاء بإلتزاماتهم المالية تجاه الدائنين من مؤسسات وبنوك وحتى أفراد.
اليوم الطريق واضحة المعالم أردنيا، والأمر غير خاضع للنقاش، السياحة والزراعة من أهم القطاعات التي يجب العمل عليها، بصورة مدروسة وعملية، حتى نصل لمرحلة أكثر استقرارا ماليا على صعيد الدولة.
في موازنة العام 2022 لم تحقق الحكومة خرقا يذكر في الأموال المخصصة لهذا القطاع، وهذا مؤشر على استمرارنا على ذات المنوال في إدارة هذا الملف، فالميزانية المخصصة لوزارة الزراعة بالتأكيد غير قادرة على الذهاب بعيدا بهذا القطاع، إذ كيف يمكن التوجه نحو اساليب الزراعة الحديثة دون تخصيص مبالغ مالية كفيلة بتحقيق الهدف.
ربما هذا الأمر ليس من أولويات الحكومة، أو حتى أن الحكومة نفسها غير قادرة على خلق مساحة أوسع للزراعة في موازنتها، لكن هذا غير مبرر، لأن الصورة التي يجب أن يكون عليها القطاع الزراعي لا شك أنها ما تزال اليوم قادمة غير واضحة المعالم. الأمر يحتاج إلى أفكار ابداعية لخلق هذه المساحة الواسعة والمطلوبة.