الأنباط -
بعد رفع اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي شكلها جلالة الملك لوضع مشروع قانون جديد للانتخاب ، ومشروع قانون جديد للاحزاب والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكماً بالقانونين ، بالاضافة الى مهام اخرى وردت في الرسالة الملكية ، توصياتها لجلالة الملك بما خلصت اليه اعمالها وما تبع ذلك من حوار ونقاش ، فأنني اود ان اشير الى المقالات الخمس التي كتبتها تحت عنوان هل حقاً يوجد في الاردن من يريد الاصلاح وذلك في الفترة من السابع الى السابع عشر من شهر تموز الماضي •
حيث خلصت في المقالة الاولى الى ان الحكومة غير معنية بالقيام بتلك الاصلاحات بالرغم من طلب جلالته لها القيام بذلك في العديد من المرات . وبالرغم من ان هذا الامر كان المطلب الرئيسي للشعب الاردني . لانها ليست معنية الا بتحقق مصالحها الشخصية وتعين الاصحاب والخلان في المناصب العليا وعلى حساب اصحاب الكفاءات الحقيقية .
وخلصت في المقالة الثانية الى ان مجلس النواب صاحب الولاية التشريعية وفي مجالسه التسعة في عهد جلالته قد فشل في ذلك ، بل انه لا يريد تحقيق ذلك لانشغاله بتحقيق مصالحه الشخصية والمحافظة على فرصة احتفاظ اعضائه بمقاعدهم .
وخلصت في المقالة الثالثة الى ان الاحزاب السياسية هي ايضاً لا تملك الارادة الحقيقية لتحقيق ذلك لكي تحافظ على وجودها كدكاكين حزبية تعيش على المخصصات الحكومية ، وخوفاً من ان يؤدي ذلك الى وضعها امام خيارين اما حل نفسها او اندماجها مع احزاب اخرى وبالتالي فقدان الامناء العامين لها مناصبهم .
وخلصت في المقالة الرابعة الى ان الشعب الاردني وفي معظم قطاعاته من موالاة الى معارضة وقوى شعبية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ، مشغولين بكتابة المقالات والمشاغبات والمناقشات والجدل والبحث عن الشعبويات وتسجيل المواقف وطرح مشروعات قوانين غير واقعية ، او لخدمة مصالح الجهات التي ينتمون اليها بالولاء والتبعية .
وخلصت في المقالة الخامسة للقول انه ونتيجة لانغلاق الافق امام تحقيق هذه الاطراف للاصلاح المنشود ، والذي كان يطالب به جلالة الملك مراراً وتكراراً ، فأن جلالته لم يجد امامه الا ان يبادر هو لتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية . والتي عهد برآستها الى دولة السيد سمير الرفاعي من خلال توجيه رسالة ملكية له بتاريخ العاشر من حزيران الماضي ، يحدد له بها مهام هذه اللجنة واولوياتها ، ليصار بعد انجاز مهمتها عرض مخرجاتها على جلالته الى تحويلها للسلطة التنفيذية تم التشريعية لتقوم بمناقشتها وممارسة كافة صلاحياتها اتجاهها .
ثم تحدثت عما واجهته هذه اللجنة من رفض وحملات تشكيك بها وبرئيسها . وما صدر عن بعض اعضاءها من زلات ومقترحات غير منطقية ، الا انني طالبت باعطائها فرصتها للقيام بهذه المهمة في هذه الحظات الحرجة ، فأما ان نضع اقدامنا على بداية طريق الاصلاح والنجاة اذا ما اجادت اللجنة عملها او نذهب الى الهاوية لا سمح الله اذا لم تنجح بذلك ، او اذا تم رفض مخرجاتها باحكام مسبقة ، او اذا تبين انها هي الاخرى لاتريد الاصلاح ولاتعمل من اجله .
ومن تاريخ تشكيل هذه اللجنة وحتى صدور مخرجاتها ورفعها لمقام صاحب الجلالة الملك بتاريخ الثالت من شهر تشرين الاول الجاري ، والحديث يدور على اشده حول الاصلاحات المستهدفة ، والكل يدلوا بدلوه حولها وخاصة قانون الانتخاب . حيث طُرحت عشرات لا بل مئات الاقتراحات والنصوص والسيناريوهات حوله . حيث كان البعض يطالب باعتماد كثافة التوزيع الجغرافي للسكان لتحديد الدوائر الانتخابية وعدد ممثلي كل دائرة والذي يصب في صالح المدن الكبرى . وطالب البعض بالاحتفاظ بالتوزيع الحالي للدوائر الانتخابية والذي يصب في مصلحة التوزيع الفئوي والعشائري . وطالب البعض بجعل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة ولكل دائرة من هذه الدوائر نفس عدد الممثلين . فيما طالب آخرون باعتبار الاردن دائرة انتخابية واحدة . وكان البعض يطالب بانتخابات على اساس حزبي في حين رفض آخرون ذلك مع ان جلالة الملك طالب اللجنة في كتابه واقتبس ( الوصول الى حياة برلمانية وحزبية ترقى بديموقراطية المواطنين وحياتهم مع دخول مملكتنا الحبيبة مئويتها الثانية ، وتأسيس حياة حزبية فاعلة وقادرة على اقناع الناخبين باطروحاتها للوصول الى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية ) انتهى الاقتباس .
ومع انني كنت قد طالبت من خلال كتابات ومداخلات سابقة بعدم المس بالمكون الديمغرافي لصالح الجغرافي لاسباب اتخوف منها ويتخوف معي الكثيرين منها ، الا انني لا ارى انه يمكن شطب احد طرفي هذه المعادلة . فكليهما اردنيين لهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات . ويجب الموازنة بينهما بما يراعي المصلحة الاردنية العليا .
ومع انني لا اعارض الحكومات الحزبية من حيث المبدء ، الا انني كنت افضل ان يكون ذلك بعد تعديل قانون الاحزاب وحصر عددها بحيث لا يتجاوز الاتجهات الرئيسية التي تمثل اليمين واليسار والوسط والديني .
ومع انني احترم العشائر الاردنية واقدرها واعتبرها من اعمدة الدولة الاردنية الا انني لا ارى ان العشائر هي كل الاردن وان كل الاردن عشائري .
ولذا كنت اتمنى قانون انتخاب يراعي كل هذه الاعتبارات ويرضي اكبر شريحة من شرائح المجتمع الاردني مع تسليمي باستحالة ارضاء جميعه .
وانا لا اريد التعليق على مخرجات عمل اللجنة واقتراحاتها ولا ان ابدي رأيي بها ، الا انني سوف ابدي بعض الملاحظات عليها . فقد كان في مشروعها لقانون الانتخاب تخصيص 41 مقعداً وفقاً لنظام القائمة النسبية المغلقة على مستوى الدائرة العامة تشكل من الاحزاب او الائتلافات الحزبية على مستوى الوطن في حين ان نسبة الاردنيين المنتمين للاحزاب السياسية لا يكاد يصل الى 1% موزعين على 49 حزبا ، ولا يوجد من بينها الا حزباً واحداً له فرصة الوصول الى مقاعد البرلمان الا وهو حزب العمل الاسلامي ، والذي شارك ممثلين عنه في اللجنة الملكية والذي اشاد في مخرجاتها . في حين خصص 97 مقعداً لبقية الشعب الاردني موزعين على 18 دائرة انتخابية . وانه في الدورة الانتخابية التي تليها سوف تصبح القائمة الحزبية 50% من المقاعد وفي التي تليها 65 % حتى يتم التمكن من تشكيل حكومات على اسس حزبية بعد 12 سنه . وفي نفس الوقت ومن ضمن التعديلات الدستورية التي اقرتها اللجنة عدم جواز الجمع ما بين عضوية الحكومة وعضوية مجلس النواب اي ان الحزب او الاحزاب الحاصلة على الاغلبية عليها ان تشكل الحكومة من خارج المجلس ، و ان يستقيل منه من سيتم تعينه فيها . ومن ضمن التعديلات الدستورية تخفيض سن الترشيح للمجلس الى خمسة وعشرين سنة ، وهل حقاً ان شبابنا بهذا العمر قد وصلوا الى درجة تمكنهم من ان يضعوا لنا التشريعات ومعظمهم اما في بداية عملهم او لايزالون يأخذون مصاريفهم من والدهم . الا اذا كان المقصود هم من ابناء الذوات والثروات او ورثة الزعامات . ومن المفارقات ما ورد على لسان عدد من اعضاء اللجنة من توقعهم عدم بقاء سوى ثمانية احزاب من الاحزاب القائمة الآن والتي يبلغ عددها 49 حزباً في حال المصادقة على مشروع اللجنة ، وبنفس الوقت توقعهم ان يتم تأسيس اربعين حزباً جديداً على ضوء مشروع هذا القانون . واعتقد ان هذه الملاحظات سوف تبقى موضوع خلاف بين المواطنين وستبقى مصدر خوف وقلق من ان تؤدي الى تسويات سياسية على حساب الاردن . وكنت اتمنى لو راعت اللجنة هذا الامر بطريقة تناسب خصوصية الوضع الاردني
وما ان تم الاعلان عن مخرجات عمل هذه اللجنة حتى قوبلت بهجوم شرس من قبل قطاع واسع من المواطنين ، بعضه يمكن تفهم اسبابه وبعضه الآخر لا سبب له الا المخالفة والمشاكسة ، والكثير منه لأن هذه المخرجات جاءت مخالفة لرغبات البعض وآرائهم . في حين رحب البعض بها بشكل مطلق او مع بعض التحفظات .
والآن اصبحت هذه المخرجات في عهدة السلطة التشريعية التي يقع على عاتقها مناقشتها واقرارها او ادخال تعديلات عليها او رفضها ، واتمنى ان لا يكون الخيار الاخير خيارها . والا فسوف يعني ذلك انه لايوجد في الاردن من يريد الاصلاح عير جلالة الملك .
ان وضع مثل هذه القوانين سوف يبقى موضوعاً خلافياً ولا يمكن حصول اجماع عليها ، ولكن ذلك لا يجب ان يكون سبباً في التهرب من هذا الاستحقاق . والا فأننا سوف نبقى ندور في حلقة مفرغة وان نبقى اسرى مخاوفنا وهواجسنا ، وان نبقى في قعر الزجاجة . ان الخروج من قعر الزجاجة يتطلب سكب بعض الماء فيها لكي نطفوا الى فوهتها ثم القفز منها ، حتى لو ادى ذلك الى اصابتنا بالبلل . وان طريق الاصلاح طريق طويل وشاق ولكن لابد من السير على هذا الطريق ومن بدايته ، بالرغم من العثرات التي من الممكن ان نقع فيها . اما غير ذلك فسوف تكون عواقبه وخيمة علينا مواطنين ووطن .
وحفظ الله الاردن وشعب الاردن ، وحفظ جلالة الملك المعظم .