الأنباط -
الأنباط - جواد الخضري
لم يكن الإرهاب وليد لحظة أو حدث ما ثم ينتهي ، بل يعتبر منظومة ثابتة ذات استراتيجيات تتغير وتتبدل حسب طبيعة الأوضاع والظروف ، وإن إختلفت طبيعة الخلاف والإختلاف من مكان لمكان أخر على مدى الأزمنة ومر العصور .
حين نقرأ للباحثين المختصين في مجال طبيعة الحياة البشرية وتكوناتها ، لا بد وأن نلحظ أن بناء المجتمعات والدول يحتاج الى قوة تساهم في السيطرة على جميع مناحي الحياة ، أي من الضرورة أن تكون هناك قوة أو قوى مسيطرة ، لها نفوذ يتعدى حدود المكان أو دائرة القوى الساعية لتحقيق السيطرة على مفاصل الدولة ، لتتعدى حدودها لتصل الى العظمة ، هذا يحتاج الى منظومة سياسية يقوم عليها الفكر أولا ثم العمل على التطبيق المباشر وغير المباشر ، من خلال وضع الدراسات ضمن الأُطر التي تُحقق المبتغى . لذا يتم وضع الخطط اللازمة من خلال تشكيل قاعدة ، مبنية في البداية ، حسب طبيعة التنوع البشري وميوله لضمان نجاح ما يُراد تحقيقه وإن كان مخالفا لما يعمل عليه المحاولين لفرض السيطرة .
في العصور القديمة كان الناس يلجاؤن لفرض القوة والسيطرة بأدوات بدائية من أجل الماء والكلأ ، ثم بدأت المنظومة تتسع رويدا رويدا ، لتصل الى العمل على الإبادة الجماعية من قِبَل الساعين لفرض السيطرة ، بإخضاع الضد ليكون أداة عمل ويتم تسييره حسب منظومة الأخر ، ليصبح تابعاً ومسلوب الإرادة ، ولا يخشى إلا على نفسه ليبقى حياً .
في العصر الحديث تطورت أساليب الإرهاب من فرض السيطرة العسكرية الى وضع دراسات يتم تطبيقها على الضعفاء ، منها إفساد المنظومة الأخلاقية وهي الأساس في بناء القوة لدى الشعوب ، يتأتى ذلك من خلال بناء أجيال لا ترتبط بماضيها ، ويتم سلخها وتفريغها من كامل محتواها العقائدي والفكري ، وتفكيكها لتصبح فرادية .
ليتمكن بعد ذلك للقائمين على فرض منظومتهم القيام بتجنيد الرافضين لهم بالعمل ضد المنظومة ، لكن المتضرر من فئة الرافضين هي الشعوب التي تم إضعافها والسيطرة عليها وذلك من خلال أبنائها ، ظناً منهم بأن التغيير يبدأ بأهليهم ، وهذا ما صرنا نشاهده من قتل وترويع وإفزاع الأمنين الذين أصبحوا لا حول لهم ولا قوة ، في مواجهة أدوات الإرهاب أهمها العنصر البشري الذي تم سلخه عن قاعدته من خلال التعبئة الفكرية ، ليصبح أداة فعل تساهم في زيادة قوة المُسيطر .
لذا لا بد من التفكير في وضع منظومة معاكسة تعمل على إعادة النهج السليم ، المبني على منظومة الأخلاق الحسنة التي هي قاعدة البناء الصحيحة ، ثم ينبغي العمل على المتطرفين الذين تم التغرير بهم ، لإعادتهم إلى جادة الصواب .