واشنطن: استقالة مديرة جهاز الخدمة السرية الأميركي مباريات الاسبوع الاول من دوري المحترفين مندوبا عن الملك وولي العهد.... العيسوي يعزي عشائر الدعجة مدير الأمن العام يتفقّد موقع مهرجان جرش ويطّلع على الخطط الأمنية والمرورية الخاصة بالمهرجان الدكتور مالك الحربي .. أبدعت بحصولكم على المنجز العلمي الاردن يرحب بقرار 'لجنة التراث العالمي' العجلوني يرعى فعاليات يوم الخريج الأول في كلية الزراعة التكنولوجية في البلقاء التطبيقية نائب الملك يزور مجموعة الراية الإعلامية خرّيجو "أكاديميات البرمجة" من أورنج يطورون كودات المستقبل ويكتبون شيفرات التأثير "الصحة العالمية" تحذر من تفشي فيروس شلل الأطفال في غزة وزير الخارجية الصيني: الصين ليست لديها مصلحة ذاتية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية نتالي سمعان تطرب جمهور جرش بليلة طربية تراثية توقيع مذكرة تفاهم بين الجمارك الاردنية والضابطة الجمركية الفلسطينية مهند أبو فلاح يكتب:" مخاوف مشتركة " انطلاق مهرجان جرش في دورته الـ 38 غدا الخارجية الفلسطينية تثمن جهود الاردن في وضع القدس على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر الهناندة: التوقيع الرقمي معترف به ونعمل لاستخدام بصمة الوجه زين و"الوطني للأمن السيبراني" يُطلقان حملة توعوية لكِبار السن حول حماية البيانات على الإنترنت 84 شهيدا في 8 مجازر ارتكبها الاحتلال بغزة خلال الساعات الـ24 الماضية بلدية السلط الكبرى تنفذ عطاء خلطة اسفلتية(صور )
مقالات مختارة

مروان العمد يكتب :كلام في المحظور / الفتن المذهبية والطائفية

{clean_title}
الأنباط -
  بعد ان تحدثت عن بعض الفتن السياسية التي تعرض لها الاردن في الآونة الاخيرة في مقالي السابق ، ولاني لا اريد ان اخوض حالياً بما يتم تداوله على جميع وسائل التواصل الاجتماعي ، فأنني سوف اتحدث اليوم  عن فتنة اخرى لطالما اردت التحدث عنها  سابقاً ، تلك الفتنة التي ما فتأت تطل علينا برأسها بين الحين والآخر ، والتي  هدفها اثارة الفتنة الدينية والطائفية والمذهبية بين صفوفنا ، وخاصة مع اخوتنا في الوطن المسيحيين والذين تواجدوا على ثرى هذه الوطن قبل ظهور الاسلام وقبل وصوله اليه بمئات السنين ، ومع ظهور سيدنا عيسى المسيح عبد الله ورسوله وكلمته التي القاها على سيدتنا مريم العذراء .  وهم من اقدم المجتمعات المسيحية في العالم  ومن بدايات القرن الاول الميلادي ، وغالبيتهم من اتباع البطريركية الأرثوذكسية في القدس والتي تأسست أثناء حياة المسيح . وينحدر الكثير منهم من قبائل عربية  ارتحلت من الجزيرة العربية وخاصة من اليمن بعد انفجار سد مأرب  واستوطنت جنوب بلاد الشام واعتنقت الديانة المسيحية   ،  واهم هذه القبائل هي لخم  وقضاعة وبني سليح  و الغساسنة بالاضافة الى بقايا دولة الانباط ، وسميت دولتهم بدولة الغساسنة وكانت عاصمتهم بصرى الشام ، والذين تحالفوا مع الدولة البيزنطية . في حين انتقلت مجموعات من قبيلة لخم الى جنوب العراق واعتنقوا الديانة المسيحية ايضاً ، وشكلوا دولة المناذرة والتي كانت عاصمتها مدينة الحيرة ، وكان ملكهم يكنى بملك الملوك ، وتحالفت هذه الدولة مع الفرس . 
               وقد ساهم مسيحيو بلاد الشام والعراق في الفتح الاسلامي . فقد حارب ابو زيد الطائي ومجموعات من قبائل تغلب ونمر من المناذرة الفرس الى جانب المسلمين في العراق .  وفي الاردن انسحبت قبائل لخم وجذاب وغسان من معسكر الروم في معركة فحل وانضمت الى معسكر المسلمين وقاتلوا معهم . كما حارب المسيحيون وخاصة من قبيلة العزيزات في معركة مؤتة بالكرك الى جانب المسلمين .
             . وفي عام ١٦ للهجرة الموافق ٦٣٦ للميلاد ،وافق البطريرك صفرونيوس  على تسليم مدينة القدس للمسلمين والى الخليفية عمر بن الخطاب بالذات . والذي ارتحل اليها  الى ان دخلها واستلم مفاتيحها ورفض الصلاة في كنيستها حتى لا يحولها المسلمين الى مسجد ، وصلى في مكان قريب حيث اقيم المسجد العمري في ذلك المكان . ومنحهم العهدة العمرية والتي تم السماح لهم بموجبها بالاحتفاظ بكنائسهم وممتلكاتهم وان لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنقص منها ومن صلبانهم ، وان لا يكرهوا على دينهم وان لا يسكن معهم احد من اليهود فيها .  
        وقد دخل بعض مسيحيو بلاد الشام الاسلام ، فيما حافظ اغلبهم على دينهم مكرمين معززين ولم يكلفوا الا بدفع الجزية . 
        وقد شارك الغساسنة المسيحيين مع  المسلمين في فتح شمال افريقيا واسهموا في اعمارها  . واعتمد عليهم الخلفاء الامويين في إدارة الدولة وهم على دينهم لخبرتهم في ادارة الدواوين ودور المال . 
                وعندما شُنت الحملات الصليبية على ديار المسلمين  في بداية القرن الثاني عشر الميلادي ، لم يتعاون جميع مسيحيو  الاردن معهم ،  بل تعرضوا للاضطهاد والقتل على ايديهم ، حيث قتلوا منهم مئات الالوف ودمروا لهم الكثير من كنائسهم . كما قاتل الكثير من مسيحي بلاد الشام الصليبيين تحت راية صلاح الدين الايوبي ، وما عيسى العوام الا مثال على ذلك .
          واثناء الثورة العربية الكبرى شارك مسيحيو الاردن فيها . وبعد اعلان امارة شرق الاردن اندمجوا فيها وساعدوا في بناء الاردن الحديث . وتولوا فيه ارفع المناصب الحكومية . ولعبوا أدواراً قيادية في مجالات التعليم والصحة والتجارة والسياحة والزراعة والعلوم . 
       وقد تعرضوا للاضطهاد من قبل الصهاينة كما شاركوا هم في مقاومتهم الى جوار  اخوانهم من  المسلمين ، وقدموا الكثير من الشهداء  في مدن فلسطين وعلى اسوار القدس . كما قام الصهاينة بمسح الكثير من القرى المسيحية في فلسطين عن الوجود وطرد اهلها او قتلهم   .  وفي مدينة القدس قامت العصابات الصهيونية بمسح الكثير من احيائها المسيحية وتهجير سكانها وإنشاء أحياء سكنية يهودية مكانها . 
            وظل مسيحيو  الاردن يعيشون في حالة من التآخي مع اخوانهم المسلمين في عاداتهم وتقاليدهم . و يتمتعون بحريتهم في اقامة شعائرهم الدينية في كنائسهم  في جو من الامن والاستقرار . ويتمتعون بكامل حقوقهم السياسية والدستورية .  ولهم تسع مقاعد في مجلس النواب الحالي . كم ان لهم مؤسسات ومدارس دينية خاصة بهم .  وقد تولوا  ارفع المناصب السياسية والعسكرية ، وشاركوا  في الدفاع عن الوطن وقدموا الكثير من الشهداء في سبيل حماية الاردن وحدوده وامنه الخارجي والداخلي ، واكلوا في بيوتنا  واكلنا في بيوتهم ، وحضروا افراحنا وحضرنا افراحهم ، وزرنا مرضاهم وزاروا مرضانا . واسيناهم في احزانهم وقدموا لنا التعازي في احزاننا . قدموا التهاني لنا باعيادنا وقدمنا التهاني لهم في اعيادهم وعلى قاعدة لهم دينهم ولنا دين . ولم يكن ذلك يعني انهم اصبحوا على ملتنا ، ولا اننا اصبحنا على ملتهم .  ولا يعني ذلك اننا اصبحنا نشرك في الوهية الله وننكر وحدانيته . ويكفي ان الاردن هو الدولة الوحيدة التي زارها ثلاثة بابوات كاتوليك وهم بولس السادس ، ويوحنا بولس الثاني ، وبندكت السادس عشر   .
            كما شهد التاريخ الاردني الكثير من القصص والحكايا الطريفة التي تعبر عن مدى التأخي بين المسلمين والمسيحيين في الاردن على امتداد رقعته .
    واستمر الامر كذلك الى ان ظهر بيننا اصحاب الافكار المتطرفة والتكفيرية والذين لا يفهمون  الدين الاسلامي الا على هواهم . واخذوا يدعوننا لعدم معايدتهم ومشاركتهم في افراحهم ، وعدم التردد على كنائسهم . بل انهم اعتبروا قيامنا بذلك موافقة منا على معتقداتهم الدينية وان ذلك كفراً بواح . وكان اكثر ما يقال ذلك في اعيادهم واحزانهم حيث قالوا عودوهم ولا تعايدوهم ولا تترحموا عليهم وألا فأنكم اصبحتم من ملتهم . ولا ادري كيف نصبح من ملتهم ان فعلنا ذلك بحق الجوار والصداقة والتعايش بل والمصاهرة . الم يسمح لنا ديننا الحنيف ان نتزوج منهم ، وان تكون بناتهم امهات لاطفالنا ، ويشرفن على تربيتهم ، وان نأكل مما صنعت ايديهن من طعام . وان ترتبط عائلاتهم بعائلاتنا ،  وكل ذلك مع احتفاظهن بحقهن بالبقاء على دينهن وممارسة شعائرهن الدينية ؟  فكيف بعد ذلك نقول للزوج ان لا يهنئ زوجته في عيدها وان لا يعزيها ولا يواسيها لفقدها قريب او عزيز . وان نقول للابن او الابنة ان عليهم ان لا يهنئوا والدتهم او والدتهن في اعيادها ؟ وان لا يقدموا  لها المواساة والتعزية في حالة وفاة احد اقربائها والذين هم اقربائهم بحكم علاقة النسب  . وانهم ان فعلوا ذلك فقد خرجوا عن ملة المسلمين ؟  
      ولقد حصل وفي غمرة احتفالات الاردن بعيد الاستقلال ان قامت الكنيسة الارثوذكسية بكتابة عبارات من الانجيل المبارك على احد الجسور في عمان . الا ان البعض من حملة الفكر التكفيري وزارعي الفتن ، قاموا بشن حملة شرسة على هذا الفعل زاعمين ان هذه عبارات توراتية لليهود . وشنوا هجوماً شرساً على امانة عمان مطالبين امينها العام بالاستقالة . وللاسف فقد تماهت الامانة او بعض المسؤولين فيها مع هذه الحملة واصدرت بياناً قالت فيه ان احدى الجمعيات قامت بنشر عبارات من الاسفار دون الحصول على موافقتها ،  وانه تمت ازالتها فوراً ، وانها لن تسمح  بنشر عبارات تمس الدين والقيم والعادات والآداب العامة . ولقد كان لهذا البيان ردود فعل عنيفة من المواطنين المسلمين قبل المسيحيين ، والذين نددوا ببيان الامانة هذا واستنكروه ، الامر الذي ترتب عليه ان قام امين عمان برفقة وفد يمثلها بزيارة مطران الروم الأرثوذكس خريستوفوروس في دار المطرانية  وقدموا اعتذارهم عن هذا البيان ، وان الامانة تحترم الديانات السماوية ولا تقبل الاسائة الى اي دين . وان البيان الصادر عن الامانة كان خطأ كبيراً ، ولا يمثلها ، وانها تقدم اعتذارها العميق للاردنيين جميعاً عن ذلك البيان وما ورد فيه . وتم بعدها اعادة تلك العبارات الى مكانها 
                  وتعود هذه الافكار التكفيرية الى اعتبار البعض ان هذا الامر من قضايا العقيدة ، وان من يقول بجواز تهنئة المسيحيين يقرهم على اعتقادهم في الاله  المرفوض لدى المسلمين . وهذا التوجه في منتهى الخطأ ، لأن التهنئة لو كانت اقراراً لهم في معتقدهم لحرم الاسلام الزواج من نسائهم المتفق على اباحته بنص آية المائدة .  ومن مقتضيات الزواج حصول مساحة واسعة من التواصل ما بين المسلم وعائلته وزوجته غير المسلمة وعائلتها . 
          وكذلك فأن اباحة الاكل من طعام اهل الكتاب ، وقبول الرسول عليه الصلاة والسلام  دعوة يهودية لتناول طعامها ، دليل اوضح ان هذا لا يعني اقرارهم في معتقدهم . كما ان رسول الله صل الله عليه وسلم استقبل في مسجده وفداً من نصارى نجران وسمح لهم ان يصلوا صلاتهم فيه ، فهل هذا كان اقراراً منه لهم في معتقدهم ؟ . كما قام النبي عليه الصلاة والسلام لجنازة يهودي او سار بها على رواية اخرى ، وقال اذا رأيتم جنازة فقفوا ، فهل كان ذلك إقراراً منه لهم على عقيدتهم ؟ 
                   وتعود اصول هذا التحريم الى فتاوى من قبل ابن تيمية وابن القيم ، والتي كانت قد صدرت في سياق زمني خاص ان افترضنا حسن النية . فقد كتب ابن تيمية ( كتابه اقتضاء السراط المستقيم لمخالفة  اصحاب الجحيم )  ، والذي تكلم فيه عن مسائل التشبه باليهود والنصارى بأعيادهم  في شرحه لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام ( من تشبه بقوم فهو منهم  ) ، حيث شمل بهذا التشبيه معايدتهم في اعيادهم ، في الوقت الذي كان فيه الصليبيون في بيت المقدس ، والتتار في بغداد وكانت الديار ديار حرب . في حين ان المعنى الصحيح لهذا الحديث النبوي الشريف ان لا نشاركهم طقوسهم باعيادهم . اما معايدتهم ومشاركتهم افراحهم واحزانهم فهي امور غير مشمولة بهذا الحديث . حيث ان الاسلام يدعوا الى التآلف والاحسان بين الناس ، ومن مظاهر هذا التآلف والاحسان حسن التعايش مع اخوتنا المسيحيين الذين يعيشون في سلام بيننا ، ومشاركتهم في كل شيئ باستثناء معتقداتهم وشعائرهم الدينية والتي علينا ان نحترم حرية ممارستهم لها . والقول بعكس ذلك هو نشر للفتنة والبغضاء بين افراد المجتمع الاردني والتعدي على حريتهم الدينية التي امرنا ديننا ان نحترمها وان لا نكرههم على اعتناق غيرها . 
    مروان العمد 
  ٢٧ / ٧ / ٢٠٢١