لا يخفى على احد حال هذه المؤسسة الوطنية العريقة وما وصلت إليه.. ناهيك عن الانتقادات التي نوجهها جميعا لها.. ادارة واطقم فنية واعلامية.. وقد كنت من الذين وجهوا النقد واللوم لهم.. وطالبت بتطوير الاداء والعودة الى الواجهة جنبا الى جنب مع المتميز من المحطات..
وعندما سحبت الكرسي التي اجلس عليه خطوة الى الوراء.. ونظرت بنظرة المتفحص الباحث عن الحقيقة ومواطن الخلل.. وجدتني اتوصل واصطدم مع ما تصطدم به كافة المؤسسات الوطنية.. الامر الذي يشعرني بان ما يعتري هذه المؤسسة وغيرها قد بدأ بزجهم وادخالهم الى النفق الموحش المظلم.. والذي مآله ومنتهاه بتجسد في نظرية "فالج لا تعالج"..
عندما انظر الى المؤسسات الوطنية الرسمية كافة في دول العالم المتقدم.. واجد ان لكل مؤسسة رسمية خصوصياتها في التعامل مع الانظمة والقوانين.. وان ما ينطبق على هذه المؤسسة او حتى على مستوى المديرية والقسم داخلها.. لا ينطبق بالضرورة على غيرها من مؤسسات الدولة ومديرياتها.. فطبيعة تكوينها الاداري والفني واللوجستي وحساسية خدماتها يجب ان تتمايز..
وحين انظر الى نفس المؤسسات في اردننا الذي ننتمي اليه ونعشقه ونريد له ان يكون في مصاف الدول المتقدمة.. اشعر باننا وللاسف نقتدي بطرائق وادارة مؤسسات في دول العالم هي اقل تنظيما من العالم الثالث ان وجدت..
فهنا لا اريد من المشرع الاغر المحترم ان يبتكر ويكون خلاقا ابداعيا.. بقدر ما عليكم الاقتداء بالمتقدم والمتطور من التشريعات العالمية.. والتي اوصلت دولها بكافة مؤسساتها الى الريادة العالمية..
فنقل التجارب الناجحة والمتميزة كما هي شيء محمود.. لا بل مطلوب.. وتحضى بدعم لا متناهي من القيادة الحكيمة ومن كافة المواطنين..
وهنا لنكن موضوعيين بنَّائين هدفنا الوصول الى ما نرنوا اليه جميعا.. حتى وان كلفنا ذلك جَلدٌ ناعم لذاتنا - واقول ناعم.. لان هناك بعض المواطنين والنقاد ممن يلومننا على الجلد القوي-.. ولن يضيرنا اظهار اننا كنا على خطأ في التعامل او سن التشريعات او القياس مع تلك المؤسسة او هذه.. فكما نقول بالعامية "مَن رَد.. ما شَرَد".. والعودة عن الخطأ فضيلة..
فهل يعقل ان يتم تطبيق قوانين وانظمة وتعليمات ادارة اللوازم العامة في شراء الاثاث مثلا.. والتي وضعت قبل عشرات السنين على عملية شراء اجهزة الكمبيوتر والاتصالات والفحص الطبي وما شابهها؟!..
او هل يعقل ان نطبق قوانين وانظمة وتشريعات ديوان الخدمة المدنية على مؤسسات ذات تخصصية وندرة عالية.. كما نطبقها على الوظائف الروتينية الحكومية التقليدية؟!..
وهل من المعقول او المستساغ ان نسمع عن اعداد من الموظفين في مؤسسات مهمة وحساسة لا يلتحقون بمراكز عملهم او باي مركز يتم نقلهم اليه.. مستندين على تعليمات تم وضعها لحالات خاصة؟!..
فهل نسأل انفسنا.. ان جهة ما.. تقوم بتسيير كافة اعمالها.. وعلى اكمل وجه.. بثلث عدد الموظفين المسجلين على سجلاتها.. وانها تستطيع الاستغناء عن الثلثين دون اي تأثير على الاداء.. لا بل قد يكون الاداء افضل؟!.. مع ملاحظة ان الثلثين هم ممن تنطبق عليهم البطالة لا اقول المقنعة فحسب.. لا بل البطالة ذات طابع الفساد المستشري والمقيت.. والتي لا يستطيع المسؤول الاول ولا مجلس إدارته المساس باي منهم.. او باي من حقوقهم التي اصبحت مكتسبة.. او حتى نقلهم الى مؤسسات اخرى قد يتم الاستفادة المثلى منهم عندها.
وهل من المنطق الرياضي او الاقتصادية او التنافسي.. ان نخصص لمؤسسة سيادية حساسة.. ميزانية تشغيلية سنوية تكاد لا تفي بالمتطلبات الاساسية لمثيلاتها محليا او خارجيا.. ونطالبها بمواكبة ما هو جديد وابداعي؟!..
وهل من العدالة والانصاف ايضا.. ان نطالب موظف باعطاء وبذل كل ما لديه وهو يتقاضى راتبا يكاد لا يصل الى ثلث راتب موظف يعمل في نفس الوظيفة في مؤسسة رسمية اخرى.. وتعمل في نفس المجال والتخصص؟! لا بل على العكس.. فقد تكون تؤدي جزءا واحدا مما هو مطلوب من هذه المؤسسة؟!..
في الختام اقول بانني لست الوصي الشرعي والوحيد على مؤسسة الاذاعة والتلفزيون.. ولكنني امتلك بحكم المواطنة سهما فيها.. وحقٌ لها على كل مواطن شريف منتمي.. ان يدافع عنها حينما تتعرض للخطر.. وان ينتقدها النقد الهادف والفعال.. حين يجد قصورا او انحرافا عن الثوابث..
آن الاوان لان أدق -ومعي كل مواطن غيور- ناقوس الخطر لما ستؤول اليه الامور إن بقي الوضع كما هو عليه الان.. فعلى الرغم من المحاولات الجادة من قبل الادارة والاطقم الفنية والاعلامية فيها.. وضمن الامكانيات المتاحة.. لرفع مستوى المؤسسة.. الا ان حجم التحديات اكبر بكثير من حجم الدعم المادي واللوجستي لهم..
فواجب استثناء مؤسسة الاذاعة والتلفزيون في استقطاب الكفاءات المتخصصة من قوانين الخدمة المدنية.. وكذلك استثنائها من قوانين اللوازم العامة في الأمور التقنية المتخصصة.. مع ابقاء اخضاعهم للمباديء العامة العريضة في شراء المستلزمات الخاصة والدقيقة.. وشراء الخدمات والتعيينات المتخصصة..
والا -لا سمح الله- سنصل يوما ما.. الى الحد الصفري من المشاهدة والمتابعة.. ومن ثم الاستغناء والاقفال..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأرضا..
ابو الليث..