الأنباط -
"الراية البيضاء" للتعاضد والتكافل: تجربة ماليزية عظيمة
الأكاديمي مروان سوداح
لنغيث بعضُنا بعضًا.. هذه هي الفكرة الرئيسية للراية البيضاء في ماليزيا الشقيقة. هنالك تجارب إنقاذية كبرى تجترحها دول عربية وإسلامية لم نسمع بها خلال جائحة كورونا سوى بالصدفة. واحدة منها هي تجربة "الراية البيضاء" أو "العَلم الأبيض" الناجحة، وهدفها المحافظَة على التضامن الاجتماعي والتكافل والتعاضد الشعبي وتعميقه، وبناء أساسات لديمومته، ولتأخذ هذه التجربة بالأمة الماليزية إلى ذرى أسمى لإعلاء المبادئ والقِيم وتعظيمها على أرض الواقع دون تدخّل أو مَطلَب رسمي أو حكومي.
يومًا بعد يوم يؤكد الشعب الماليزي نجاعة نظامه السياسي - الاجتماعي الذي يَحمي وَحدة الأمة، ويَنتصر في معركة سلمية لتجفيف كورونا من أرضه، وإحراز النصر عليها، حمايةً للمواطنين من الفَقر والفَاقة، وللحفاظ على كرامتهم الإنسانية وللإبقاء على اسم ماليزيا الموحَّدة عاليًا.
منذ بداية الجائحة، يُطلِق جزء من الماليزيين حَملة "الراية البيضاء"، مُطَالِبين بِالإِغَاثَةِ فِي حَالاَتِ الضَّيْقِ وَالشِّدَّةِ، وللإشارة إلى المِحنة دون استجداء مِن أحدٍ. تعود هذه "الفكرة البيضاء" إلى الشعب الماليزي نفسه حين رفع بعضه العَلَم الأبيض أمام بوابات البيوت لديه، متفائلين بأن تصلهم المساعدات العاجلة ضمن حملة وطنية تكافلية، للنجاة من التأثير الخطير لكوفيد/19.
مع مرور الأيام، سُمّيت هذه الفكرة (حركة العَلَم الأبيض)، وقد بدأها الماليزيون لمساعدة مَن يَحتاجون في وطنهم إلى الطعام والضروريات الأخرى. وتتلخص الحركة، بتشجيع العائلات المتضررة والمُحتَاجَة للمساعدات، على تعليق عَلَم أو مجرد قطعة قماش بيضاء أمام بوابات منازلهم، حتى يتمكن الجيران وأهل الخير من تقديم المساندة المادية الفورية إليهم، ذلك أن الفيروس اللعين ضرب مختلف فئات الماليزيين، مِمَا جعلهم متكاتفين ومتكافلين وداعمين بعضهم لبعض.
تهدف حملة "الراية البيضاء"، التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي في ماليزيا، إلى مساعدة فورية لمَن يحتاجون إليها، بالرغم من أن الحكومة الماليزية قد أعلنت العام الماضي عن حُزمِ مساعدات كثيرة لمواطنيها بمئات المليارات من عِملة الرينجيت الوطنية، تخصَصها الدولة الفيدرالية لكل مشروع لتنفيذ مساهمات في سلة الغذاء للمُحتَاجين في دوائرهم الانتخابية.
حِراك العَلَم الأبيض نجح، فهو الوحيد من نوعه على هذا الشكل والنحو على مسطَّحات الكرة الأرضية، حيث يمكِن للمواطن الماليزي الاستعانة بأخيه المواطن الآخر دون خجل أو انكسار كرامة. فالناس في ماليزيا وَحدة متراصة لإنقاذ بعضهم بعضًا، ويعطون ما في جِعابهم لغيرهم، وهي لعمري تجربة وطنية وعالمية فريدة تتميز بها ماليزيا المُعاصِرة، أَتَمَنَّى أن تنتشر في رياح العَالم.
أسْعَدت التقارير التي تفيد بتلقي العائلات مساعدة سريعة بعد رفع العَلَم الأبيض قلوب الماليزيين وضيوف ماليزيا. فالنَجدة الإنسانية تعمل ليلًا ونهارًا، ولا تتوقف عند حدود ما، بل تمتد إلى تقديم الطعام والشراب والأموال لكل المُحْتَاجين، وللعائلات الرقيقة الحال والمحدودة الدخل والعَمَالة الأجنبية. وعلى سبيل المِثال لا الحَصر، مِن جُملةِ هؤلاء المُحتاجين، أُم عازبة وابنتها المراهقة التي عاشت على البسكويت لأيام، فتم إطعامهما من قِبل الجيران؛ وتلقى بائع متجول مثقّل بالديون على وشك إنهاء حياته مساعدة نقدية للبدء بمشروع جديد، وتم تأكيد المساعدات الغذائية اليومية لعائلة لاجئة من ميانمار تعيش على وجبة واحدة فقط في اليوم. وبالتالي، يتم توزيع الإمدادات الغذائية في كل مكان يَصل إليه أهل الخير والممثلون الرسميون.
هنيئًا لشعب ماليزيا الشقيق العظيم بهذا الاجتراح اللافت والتجربة الوطنية الجديدة التي يُفاخِرُ بها أمام الأُمم، "فإنقاذ حَيَوَةٍ واحدة، إنما يُماثل إغاثة جميع شعوب المَعمورة ووقايتها ونجاتها"، إذ صارت "آلية" "الرايات البيضاء" تطبّق بالتدريج في دول مختلفة، خدمةً للإنسانية، وللحفاظ على أمنها الصحي.
. .. .