الأنباط -
من ضمن المناهج التى تستخدم فى تحليل العلاقات الإنسانية على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول منهج التواصل، الذى يُسمى فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية "التواصل السياسي", يقول أنصار هذا المنهج – وانا منهم- إن كثيراً من توترات الحياة السياسية داخلياً وخارجياً تنشأ عن غياب أو ضعف أو تشوه التواصل بين الفاعلين المختلفين, فماذا لو كسرنا حالة الضعف الواضح في التواصل, بأن يرتدي كل منا نظارة الطرف الآخر, وهذا ما حاولت ان يكون في البرنامج التلفزيوني الذي قدمته في رمضاان قبل الفائت, تحت عنوان لو كنت مكاني او " خليك مكاني", لكن الظروف قلبت الفكرة الى شيء آخر.
ماذا لو لبس الشيخ حمزة منصور مثلا, نظارة رئيس اللجنة سمير الرفاعي, فهل ستكون مخرجاته غير مخرجات اللجنة التي يرأسها الرفاعي, وادارته تختلف عن ادارة الرفاعي, وهل سيتغير اعضاء اللجنة جذريا, ام ان هذا هو الواقع الاردني, على مستوى النخبة, فأنت ستقوم باستبدال الاسماء لكن لن تتغير الارضية او التربة الفكرية, فكل التلاوين السياسية والاجتماعية موجودة, على مستوى الاسم على الاقل, فالشيوعي والاخواني والليبرالي والعشائري, كلهم موجودون.
ايضا, ماذا لو لبس ابن المخيم نظارة ابن البادية, ونظر الى المشهد من زاويته, فهو يعيش ظروفا حياتية صعبة وواقع تعليمي اصعب, بحيث يصل المعلمون قبيل نهاية الفصل, وان وصلوا فهم يتمتعون بخبرة ضحلة, ويشعر اكثرهم انهم معاقبون – اقصد المعلمون-, فمن ضمن العقوبات الادارية في الاردن النفي او النقل الى مناطق نائية, نظارة ابن المخيم , ستقول لكنه يعيش في بيئة مفتوحة ومساحة شاسعة للرؤيا على الاقل, ولا يحمل صفة لاجئ, ولا يعاني من اكتظاظ في المنزل الواحد او في غرفة الصف.
لنتوسع في التجربة اكثر, ماذا لو لبس امين عام حزب يساري كالدكتور سعيد ذياب نظارة الدكتور بشر الخصاونة وجلس في الدوار الرابع, هل سيقوم بتأميم الشركات والملكيات الخاصة, وسيقطع العلاقة مع صندوق النقد والبنك والدولي, هل سيقوم بطرح قانون معاهدة وادي عربة مجددا على البرلمان, ام انه سيقول ان ثمة ظروف موضوعية وموازين دولية, يجب وضعها على طاولة البحث قبل الاقدام على اي قرار, وربما سيقوم بترديد نفس المبررات التي اوردتها حكومات سابقة, ولدينا تجربة الرئيس محمد مرسي رحمه الله, الذي بادر الى تهنئة الكيان الصهيوني, وقبله رأينا انظمة الممانعة توافق على المشروع العربي في قمة بيروت, القاضي بالارض مقابل السلام والارض هنا حدود 1967.
في موسم الاصلاح الذ ننتظر قطف ثماره الصيفية الطازجة, نحن بحاجة الى تدريب عملي على قبول الآخر, واظن ان تدريبا مثل لو كنت مكاني او لبس نظارة الآخر سيسهم في تجسير الكثير من الخلافات, وتؤهلنا لفهم الاخر وكيف يرى الاشياء, تمهيدا للوصول الى رؤية وطنية اقرب الى الشمول, بدل حالة التشظي التي نعاني منها اليوم.
جميعنا يرى الحياة من نظارته ويفترض صحة رؤيته وسلامة عدسات نظارته, لكن لا احد منا جرّب ولو لمرة واحدة ان يضع نفسه في مكان الآخر, لذلك نما في عقلنا التطرف وكأن الحقيقة مملوكة له دون غيره, فيوزع الالقاب والشهادات حسب رؤيته, اتمنى على وزارتي الشباب والشؤون السياسية والبرلمانية, ان نبدأ في هذا التدريب للشباب وللاحزاب.