الأنباط -
الأكاديمي مروان سوداح
لاحَظتُ منذ سنتين تقريبًا تزايد أو لأقل بصورة أدق، تضخّم في حجمِ وعددِ الهجمات الإعلامية والسياسية الأمريكية على الصين، لتسويقها كعدوٍ أخطر لا سابق ولا لاحق له! الهدف الخبيث واضح وضوح قُرص الشمس في كَبدِ السماء، وهو عَملانية (أمريغربية) مدروسة بعناية مِن عَمو سام لرسم صورة جديدة للولايات المتحدة في العالم كحَمَلٍ وديع وطائع لمطالب الشعوب والأُمم، ومُلبّيًا لحقوقها القومية واللغوية والإنسانية وربما الفلكية أيضًا في عطارد وكواكب درب التبانة كذلك!
الهجوم على الصين في وسائل الإعلام الأمريكية، ومِن على شاشات المُباصَرة مؤخرًا، صار "واجبًا يوميًا ومهمة متصلة"، تتساوى ومهام الإخلاص للوطن الأمريكي والحُلم الأمريكي ببقاء عمو سام عمًّا لجميع البشر، وقيّمًا على جنانٍ الحُلم الأمريكي الذي يُراد له أن يَحشر البشرية بين جدرانه، رضي مـَنْ رضي وآبى مـَنْ آبى!
قبل فترة، عَقدَت وزارة الخارجية الصينية مؤتمرًا صحفيًا متخصصًا بالشؤون المتعلقة بمنطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الإيغور المسلمة، بمشاركة مسؤولي الحكومة المحلية وثُلة من شخصيات هذه المنطقة، أكدت على الضمان الدائم لحقوق أبناء جميع المجموعات العرقية والدينية في تلك المنطقة ومصالحهم، وحرياتهم في العمل والتوظيف وحمايتها بموجب القانون، وأعلنت أن ما يُسمّى بـِ"العمل الجَبري" في شينجيانغ إنما هو ادعاء خاطئ وزيف وافتراء.
جاء التصريح الصيني فور إقرار لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي لِما يُسمّى"مشروع قانون منع العمل الجبري للأيغور"، ادّعت فيه اللجنة كذبًا أن الصين "كانت" تنفذ سياسة "العمل القسري" في شينجيانغ، وطالبت بمساءلة الصين وفرض عقوبات على الكيانات والأفراد "المعنيين".
في الواقع، مَللنا كثيرًا السِّيمْفُونِيَّة الأمريكية المهترئة للنيل من الصين والبلدان الأخرى التي لا تروق سياسيًا واقتصاديًا لواشنطن وحليفاتها التي تسعى لتنفيذ مطالب وسياسات أصحاب الاحتكارات الصناعية الأمريكيين، بخاصة لجهة "إبادة الصناعات" القطنية وغيرها القائمة في شينجيانغ، لكونها كما يزعمون تنافس صناعاتهم، وبالتالي صار هؤلاء الصناعيون يمارسون الضغط على أرباب السياسة الأمريكيين لفرض عقوبات "رادعة" على الصين، وعلى مَن يتعاون معها في مجالات صناعية وزراعية محددة. ومن أجل ذلك، بدأوا بتشويه الحقائق حول شينجيانغ والإيغور المسلمين وحرياتهم الدينية والمهنية المصانة رسميًا واجتماعيًا، برغم أن أيّا من هؤلاء الأمريكيين لم يَزر لا شينجيانغ ولا نينغشيا المُسلمتين، حيث شاهدتُ أنا كاتب هذه السطور بأم عيني ولعدة مرات، كيف تكثر هناك المساجد والمؤسسات والمنظمات الدينية والاقتصادية والسياحية الإسلامية، واستثمارات رؤوس الأموال لرجال الأعمال العرب، وحكومات دول عربية تتعاون مع الحكومة الصينية.
هناك في شينجيانغ ونينغشيا وغيرها من المواقع الإسلامية، تتزايد باضطراد أعداد المواطنين المسلمين من خلال ارتفاع نسبة المواليد الجُدد، ويُعاين المرء بسهولة تجمعات المسلمين لأداء فروضهم الإيمانية اليومية، وتمتلئ المساجد بهم هناك في صلوات جماعية في رمضان، وتزدهر ويزداد بهاؤها أكثر في الأعياد الإسلامية المختلفة.
التشهير الأمريكي للمناطق الإسلامية في الصين يندرج ضمن محاولات عَمو سام وبعض الحكومات الحليفة له، لتقويض الفرص الاستثمارية والنمو الصناعي والزراعي والتعليمي الذي ضِمنه تعليم اللغة العربية للتلاميذ في المدارس وقد شاهدتُ ذلك بأُم عيني، وسبق واجتمعت عدة مرات مع التلاميذ وطلبة المدارس والجامعات هنالك، وألقيت المحاضرات والكلمات فيهم؛ وشهدتُ شخصيًا على أن شينجيانغ وشعبها ليسوا في حاجة لمَن يدَافع عنهم أو يتبنّى قضاياهم، فهم مُكرّمون في وطنهم الذي يوفر لهم كل احتياجاتهم المادية والمعنوية والعلاجية إلى درجة كبيرة، وبصورة شبه مجانية أو بالمجان تمامًا، وها هم يتسلمون الشقق السكنية بلا مقابل، حيث تتوافر في مُجمَّعاتهم السكنية الضخمة كل احتياجاتهم وأسباب الرفاهية التي لا تتواجد حتى في الولايات المتحدة والغرب لكبار وصِغار السن، والسيدات وأطفالهن.
ها هي شعوب وقوميات شينجيانغ ونينغشيا وغيرها من الشعوب تعمل وتحصل على النقود بوفرة، وها هي مساجدهم التي توفر الدولة لها كل عناية وترميم وإصلاح على حساب ميزانيتها الحكومية عامرة بالمصلين والمُحتفين بالاعياد، فهل هذا الأمر مضمون في دول الغرب كما هو في الصين؟ بالطبع لا، لأن الغرب يقود حملة كراهية للمسلمين، ويحاول نقل المعركة من أرضه إلى أرض الصين. لكن هيثات، فالصين لن ترضخ للأهداف السرية الغربية لإضعاف القدرات التنافسية الدولية للشركات الصينية وتحقيق ما يسمونه بـِ"احتواء الصين عبر منطقة شينجيانغ"، التي لن ترضخ لمزامير واشنطن ومَن لفّ لفها.
*متخصص في الشؤون الصينية.