الأنباط -
بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة.
كنا سابقا وعلى مدار العقدين السابقين نطالب بإصلاحات للتشريعات الناظمة للحقوق السياسية، وكان هذا مطلب جميع أطياف المجتمع الأردني بكل قطاعاته الحزبية، والمجتمعية العشائرية، والسياسية المستقلة، والإسلامية، وتحققت العديد من الإصلاحات وإن لم تكن على مستوى الطموح الشعبي، وتحدث جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله خلال الأيام السابقة عن توجهات لإصلاحات سياسية واقتصادية وإدارية، إلا أنه وباعتقادي بعد الأزمتين الأخيرتين، أزمة الفتنة، وأزمة النائب المفصول أسامة العجارمة ومن آزره من جموع الشباب وبعض الأفرع العشائرية أظهرت خفايا كثيرة مكبوته ومخزنة في نفوس العديد من القطاعات المجتمعية، وخصوصا قطاع الشباب، مما يدل على أن هناك نوايا غير سليمة أو بريئة تجاه الدولة الأردنية، كانت تنتظر من يقرع الجرس، للإنقضاض على ثوابت الدولة الأردنية، ومؤسساتها، بهدف العبث بها، وإعاثة الفوضى والتخريب، كما تبين لنا أن هناك مكنونات مبطنة جاهزة لنشر أو التعامل بالعنف مع أي مؤسسة رسمية أو خاصة، وخصوصا أجهزتنا الأمنية، وهذا يؤشر لنا أن الدولة الأردنية بكل مؤسساتها التربوية والتعليمية والثقافية، والمنتديات والنوادي الثقافية، فشلت في بناء البنية الثقافية التحتية السليمة لجيل الشباب، وفي زرع معاني الإنتماء للوطن والولاء للقيادة وترسيخها وتعزيزها في نفوسهم، وبيان أهمية هذه المفاهيم والمعاني والدلالات لبناء الأوطان، وأهمية الأمن الوطني واستقراره في الحفاظ على المكتسبات والمنجزات الوطنية، لمستقبل الشباب، لذلك فلا بد لنا من إعادة النظر في أولوياتنا الوطنية قبل النظر في الإصلاحات السياسية، لأن أي إصلاحات لا تلبي طموح الشباب، وتنسجم مع قناعاتهم لن تجدي لنا نفعا، لن تحقق مبتغاها وأهدافها، كما يجب علينا أن نرفع مستوى الخطاب الثقافي الذي نتحدث ونتحاور به مع الشباب، إلى مستوى وعيهم وثقافتهم المتطورة والتي تحاكي الحداثة العالمية وخصوصا هذا الجيل الإلكتروني والتكنولوجي، والذي بمارس التقنيات بكل حرفية ومهنية عالية، تجاوزت جيل آبائهم وأجدادهم، حتى انهم متقدمين على الغالبية العظمى من مسؤولي الدولة الأردنية، ومن الغباء التحدث معهم بلغة الطلاب الجهال أو الطلاب المستمعين لأن هذا الأسلوب التقليدي سيكون له إنعكاسات سلبية على نظرتهم للدولة والمجتمع الأردني، أما الأسلوب الواجب التعامل به معهم هو أسلوب الحوار التبادلي بنفس المستوى الثقافي والتعليمي للطرفين، والإنصات لهم أكثر من التنظير عليهم، والتحدث لهم، وهذه المسؤولية تقع مهمتها على عاتق وزارتي التنمية السياسية والشباب، بإسناد من المدارس والجامعات، بالتعاون مع الشركاء كالإعلام وأجهزتنا الأمنية، فعلى أجهزتنا الأمنية ان تنفتح بشكل أوسع على القطاعات المجتمعية وبالأخص القطاع الشبابي على اعتبار أنها وجدت لخدمتهم وأمنهم وأمن وطنهم ومنازلهم، وليس لاعتقالهم، وأن العلاقة بين الطرفين هي علاقة تكاملية وليست علاقة تنافرية عدوانية، وأنهم يعملوا بموجب قوانين وأنظمة مهمتهم تطبيقها وتنفيذها، حتى نصل الى علاقة محبة وود واحترام بينهما، لقد حان الوقت أن تكون إصلاحاتنا موجهة في الدرجة الأولى على بناء الإنسان الأردني، قبل التركيز على الإصلاحات الأخرى، حمى الله الأردن وقيادته الحكيمة وشعبه الوفي من كل مكروه.