الأنباط -
يلينا نيدوغينا
احتفلنا مؤخرًا بعيد الفصح الأرثوذكسي المجيد الذي تزامن هذا العام مع الاحتفال بعيد الفطر السعيد. تعانق العيدان سويًا ليؤكدا وِحدة الجنس البشري ومسلميه ومسيحييه بتطلعاتهم صوب أولوية الأنا الإنسانية المُندغمة في وِحدة الإيمان بالله العلي القدير الواحد الأحد. كنّا أنا وصديقاتي وأقاربي نرغب في متابعة فيديوية للعيد من كنيسة القيامة الرئيسية ومن كنائس الأردن، لكننا لم نوفّق في ذلك لأسباب عديدة قاهرة.
إلا أننا وبدلاً عن ذلك، تمكّنا من إجراء جولة فيديوية على كنائس أذربيجان ومتابعتنا لها من خلال الفضائيات الأذربيجانية؛ وهي كثيرة وتبث على مدار الـ24 ساعة. لقد رأينا وشهدنا بأم أَعيينا عالمًا جديدًا ومذهلًا في دولة أذربيجان الإسلامية، فهي تحمي وتصون الكنائس وأهلها صغارًا وكبارًا من مسيحيين ومسلمين على حد سواء، بجهود وانفتاحية واضحة من رئيسها إلهام علييف. هؤلاء هم أهل أذربيجان الضاربة ثقافتهم في عمق التاريخ، يَروُنَ في مكانتها العلية وثروتها السماوية عَينًا عذبة تتدفق منها الخيرات والمنِح الروحية التي لا ينضب نورها خيراتها المُنهَمِرة على عباد الله. في أذربيجان يَعتبرُ المسلم قبل المسيحي أن الكنيسة بيته وعليه واجب محبته وحمايته وصيانته، وهنالك كما أكدوا لنا روايات واقعية كثيرة عن حماية المسلمين الأذريين للكنائس خلال دفاع أذربيجان عن أراضيها وكنس أرمينيا عنها، بعد أن حاولت يرفان تدميرها و/أو تغيير ملامحها وقسماتها الأصلية من خلال "أرمنتها" عنوةً، ولم يفلحوا.. قال لنا أذريون مفاخرون بصوامع المسيحيين، أن الكنائس لهم وهي مُلكَهم كأمة ولا يُشاركهم أجنبي فيها ماديًا وخدمةً روحيةً وحمايةً، اللهم سوى بارتقائه بممارسته الإيمان القويم إتصالًا بالسماء من خلال وجوده الفيزيائي بين جدران تلك الكنائس، وخصوصًا الكنائس الألبانية التاريخية القديمة، لينهل منها الوفر الروحي والالتزام الأخلاقي وسوية الفكر والتفكير والسيرة ووضوح الرؤية في طريق الحياة المشحون وللأسف الشديد بالكثير من المصاعب والحروب والنزاعات والاستحواذ على بقايا "أطيان" الفقراء والمُعدَمين. هناك في باكو، و شوشا، و شاكي و غانجا وغيرها الكثير في مدن ونواحي أذربيجان كنائس وأديرة وكاتدرائيات كثيرة ومصلّين مسيحيين ومسلمين متضامنين، وترتيلات دينية جماعية وفرحٌ وطني أفضى إلى وحدة روحية.. فما أحلاكم وأطيبكم أنتم يا معشر الأذريين مِمّن تسْعون في مراكبها لخدمة سلام العَالم وتآخيه، ولتوليد المحبة والهدوء وسكينة العقل والنفس وتألّق الروح والعمل العادل.
في الكنائس في أذربيجان يتعب المرء في المقارنة بينها، إذ كلها جميلة وأنيقة و"تَطير الروح" فرحًا بها، فالروح ليست جسدًا، لذا هي "طيّارة" تزور الكنائس والمساجد بلمح البصر، وتغتني منها بضياء الخالق الذي لم ولن يَسمح بأي عدوان وعدو ما أن يُدنّس كنائسه ومساجده، ولا أن يُحوّلها إلى زرائب لتربية الحيوانات والخنازير كما شنائع ارتكبتها قوات أرمينيا في تدنيس المقامات القُدسية للرب له المجد والعزة أبد الدهور، فسحقَهمُ الخالق ومَرّغَ أُنوفهم بالتراب المُوحل، وألحق بهم "خطيئة مميتة أبدية" كما يَنص الايمان المسيحي، لشناعاتهم بحق كنائس ومساجد باتت مُدمّرة أو شبه آيلة للسقوط بفِعلِ قوات الغزو التي لا تهتم سوى بمزيدٍ من الاستحواذ على الماديات الترابية الفانية دون الروحيات الإلهية الباقية. ولهذا، لن يغفر الله للقاتل قتل المسَالمين والمُصَلّين في بيوتاته المَبنيّة للخشوع والتأمّل ورفعة النفس روحيًا لا لقتلها انتصارًا لماديات فانية زائلة تدفع بالروح نحو الخطيئة.. ولهذا وبهذه الروحية انتصرت أذربيجان بقيادة الرئيس إلهام علييف المُلهَم على الشر، واستعادت الكنائس والمساجد عزّتها ومجدها وتألقها ومهامها الروحية التي قاسمتنا إيّاها في الفصح المُقدّس والفطر السعيد و "أورازا بيرَم".
* كاتبة وإعلامية أردنية روسية متخصصة بالتاريخ والسياحة الأردنية، ورئيسة تحرير صحيفة «الملحق الروسي» في صحيفة «ذا ستار» سابقاً، حاصلة على أوسمة وميداليات رفيعة المستوى من دول ورؤساء دول صديقة.