الأنباط -
كتب محمود الدباس..
عِندما بلغتُ الثانِيةَ عَشرة مِن العمرِ.. أصبَحتُ أشاركُ الأقاربَ في مُناسباتهم بشكل اساسي.. وكانت العادةُ المتبعة من قبل الاقارب أن تبدأ نشاطاتنا ومشاركاتنا معَ بدايةِ الاعلان عن المناسبةِ.. وتنتهي معَ نِهايَتِها.. أكانت فرحا أو ترحا..
وهنا دعوني اركز على آخر ليلة من ليالي التعاليل في الاعراس.. والتي كانت في الغالب ثلاث ليالٍ ..
وكأي شابٍ من شبابِ العشيرةِ.. كُنا نَبدأ عَمَلنا في الأعراسِ بعدَ انتهاءِ سَهرةِ الخَميسِ مباشرة..
فَكنا نُساعِدُ في مَسكِ "الخِرفان" لمُحتَرفي الذَبحِ.. ونُساعِدُ في مَسكَ ونفخ "الذبائح" لمُحتَرِفي السَلخِ.. ومن ثُم نُساعِد في تقطيعِ اللحمِ إلى إيقادِ النار تحت قُدورِ اللحمِ..
وعِندَ الساعةِ العاشرة صباح يوم الجمعة.. نقومُ بزفةِ و(حِمّامِ) العريس.. وعند الساعةِ الواحِدَة نَبدأ بِالتَجهيز للغداءِ..
فَمِنا مَن يَفرِد خبز الشّراك في سُدُورِ المناسِف.. ومِنا من يَضعُ الأرز.. ومنا من يفرد الارز بشكل منظم.. ومِنا من يَضعَ اللحمَ.. ومِنا من يُصَفّي الجَميد..
وكنتُ أرى ايدي الشبابِ تكادُ تَصِلُ دَرَجةَ الإحتراقِ من شِدَةِ حرارَةِ اللحمِ وهم ينتشلونه من الطناجر "القدور" بايديهم.. وذلك خوفا على تماسك اللحم وعدم تشوبه منظره..
وبعد ذلك نقومُ بِحَملِ المناسفِ لتقديمِها للضيوف..
وهنا وبغير سابق إنذار يظهرُ قائد مراسم الطابور الذي لم ولن يقوم بأي شيء سِوى أن يُنادي بأعلى صوته (حُط المنسف هناك.. تعالوا من هون.. لا تتركوا فراغات.....)..
وبِلمحَة بَصر.. تَتحولُ كلَ الأنظارِ وعبارات الشكر والإطراءِ الى قائِد المراسمِ هذا.. وللاسف لا تجد أحدا من الموجودين يَنظُرُ لأولئك المُنهكينَ مُنذُ ليلةِ الأمس.. المُحمَرَة عُيونُهم سَهَراً على إنجازِ المَهَمَةِ.. المُحتَرِقَة أيديهِم من لَهيبِ العَملِ.. المرتجفة قلوبهم خوفا من نقد السن الضيوف..
ما أكثَرَ قادَةِ مَراسِمِ طابورِ المَناسِفٍ حَولنا وفي كُل مَناحي حَياتِنا..
فهم سارقو لذة نجاح المثابرين.. وراكبو موجة الانتصارات.. والجالسون على كراسي مقدمة المواقع التي لا يجيدون فهم كنهها.. والمتنفعون على جراحات غيرهم.. والمتشعبطون على اكتاف الاخرين..
وعند الكوارث.. هم المتنصلون من اي مسؤولية.. والملقون باللوم على غيرهم..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأرضا..
ابو الليث..