الإصلاح السياسي ليس مصطلحاً عبثياً ولا أمنيات نظرية زائفة ولا يجوز أن يكون مسلاة لرجال السياسة والإعلام؛ بل هو نتيجة طبيعية لعدم تحقق شروط التنمية السياسية التي ترتكز إلى مظاهر التنشئة السياسية، والمشاركة السياسية، والثقافة السياسية. والحقيقة أن الإصلاح السياسي يأتي كضرورة جراحية عند وجود خلل في خطط التنمية السياسية، أو في حالة فشلها في إقناع الرأي العام، ولذلك وفي إطار تقييمنا لضرورات الإصلاح السياسي فإن المشاركة السياسية وما تتضمنه من ركن أساسي يتمثل في حق الانتخاب تنهض -بالقطع- لتكون المفتاح الرئيس للإصلاح بكل مسمياته وصوره.
وبعيداّ عن فلسفة المصطلحات، وعبثية الجدل الدائر حول أولويات الإصلاح وآراءنا الشخصية حيال ذلك إلا أنه بات من الواجب معالجة حالة الانسداد المقلق في الأفق السياسي والتي تتطلب إفراز نخب جديدة فاعلة على المسرح الوطني، وقادرة على تقديم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وهو ما يتطلب بالتأكيد الشروع فوراً في اعتبار الأحزاب السياسية منطلقاً أساسياً للإصلاح، ويرافق ذلك التزام دقيق بمفهوم سيادة القانون من قبل المؤسسات والأفراد على حدٍ سواء وفق خطط راسخة لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الحكومات والأمزجة والظروف.
ولعل الدعوة التي أطلقها جلالة الملك بضرورة مراجعة التشريعات والقرارات والسياسات الناظمة للإصلاح السياسي تعبر عن إدراك ملكي عميق بوجود حالة من الشكوى المجتمعية بعدم الانسجام بين مدخلات، ومخرجات العملية الديمقراطية في البرلمان، والنقابات والاتحادات والبلديات والجمعيات وكل مؤسسات المجتمع المدني المنتخبة وتشي بوجود خلل جوهري في معالجة القضايا الوطنية العالقة وفي مقدمتها الديمقراطية والنزاهة والبطالة والفقر والعدالة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون.
لقد آن الأوان أن ننتقل فوراً ودون إبطاء من حالة تشخيص الأزمة إلى حلول مبتكرة تعيد ثقة المواطن بالمؤسسات العامة، وترسخ مفهوم الإيمان بعلوية الدولة، وسلطتها، وهيبتها وفق قواعد الحق والعدل وسيادة القانون، وبذات الوقت طرح القضايا الخلافية على طاولة الحوار الوطني؛ لوضع صيغة توافقية لبرامج الإصلاح على أن تؤخذ بعين الإعتبار خصوصية الدولة الأردنية ومخاوفها الأمنية والسياسية والاستحقاقات الجغرافية والتنموية وطبيعة وثقافة المجتمع في الحدود التي لا تخلّ بمضامين الإصلاح وخياراته الديمقراطية الناجزة.
وفي هذا الإطار ولإدراكنا العميق لأهمية قانون الانتخاب فقد بات لزاماً علينا أن نبدي رأياً في الظروف الموضوعية التي تستدعي تعديله، والمحددات الوطنية لمضامين التعديل وسنتطرق لاحقاً للقواعد الديمقراطية الناظمة للحياة الحزبية والمشاركة السياسية للاحزاب عند التطرق إلى قانون الأحزاب والتشريعات الأخرى ذات العلاقة.
قانون الانتخاب:
في 14 آذار عام 2011 وجه جلالة الملك رسالة ملكية سامية إلى رئيس لجنة الحوار الوطني تضمنت مطلباً وطنياً التقطه جلالة الملك -وقتذاك- وما زال يؤكد عليه وقد جاء في الرسالة "... وإننا إذ نؤكد ثقتنا بك وبزملائك أعضاء اللجنة في قيادة الحوار لما فيه خير الأردن، لندعوكم أن تضعوا نصب أعينكم الوصول إلى صيغة لقانون انتخاب ديمقراطي، يقود إلى إفراز مجلس نيابي يمثل كل الأردنيين، ويضطلع بدور رائد في تكريس العدالة والنزاهة والشفافية وسيادة القانون، ممارسة سياسية عملية، كما نعوّل على جهودكم في الوصول إلى قانون انتخابي يصنع بأداء أعضائه نقلة نوعية في العمل النيابي وهو عماد حياتنا السياسية؛ ليترسخ البرلمان في يقين الجميع منبراً تشريعياً ورقابياً يعبر عن صوت كل أردني وأردنية، ويساهم في تجذير ثقافة تكافؤ وعدالة الفرص ويتصدى للواسطة والمحسوبية، ويلعب دورا مؤسسياً فاعلاً في مكافحة الفساد، والرقابة على الحكومات، محرزاً بذلك تطوراً جوهرياً وملموساً في أدائنا السياسي".
وقد اثمرت جهود لجنة الحوار الوطني ومن بعدها اللجنة الملكية لتعديل الدستور في تحقيق جملة من الإصلاحات الفرعية الممكنة التي تضمنتها ديباجة التوصيات النهائية وقتذاك والمتمثلة في:
1- إقرار تعديلات دستورية تضمنت مكتسبات وطنية نوعبة تتمثل فيما يلي:
أ- انشاء الهيئة المستقلة للانتخاب.
ب- انشاء المحكمة الدستورية.
ج- اصبح القضاء هو المختص في الطعون الانتخابية.
د- الحكومة التي يحلّ المجلس في عهدها تستقيل خلال أسبوع ولا يجوز إعادة تكليف رئيسها بإعادة التشكيل.
ه- أصبحت مدة الدورة العادية ستة أشهر بعد أن كانت أربعة أشهر.
و- أصبح القضاء الإداري على درجتين.
إلا أنه وقبل ان تنهي لجنة الحوار الوطني أعمالها أو بعدها بقليل برز هناك تلكؤ حكومي واضح ومخاوف ليس لها ما يبررها في تحديد هوية وطبيعة النظام الانتخابي الذي ستجري الانتخابات النيابية على هداه وتم المزج بين القائمة الوطنية التي خصص لها حوالي ربع المقاعد أو أقل بقليل والدوائر الفردية وبموجب قانون الصوت الواحد لبقية الدوائر، وكانت النتيجة -للأسف- مخيبة للآمال وأقل بكثير من والتوقعات والطموحات الوطنية المتوخاة.
محددات قانون الانتخاب:
علينا أن ندرك وبتفهم واضح ان قانون الانتخاب بالذات هو قانون دولة ويستحيل التعامل معه وفق الأطر المعتادة لتعديل التشريعات العادية والسبب أن النتائج المترتبة على إقرار الانتخاب لها تبعات قانونية وسياسية واجتماعية وتنموية خطيرة جداً ومهمة، ومن هنا تنهض أهمية انطلاق حوار وطني جادّ وصريح ومخلص لتحديد فقط نقاط الاتفاق وتعديل القانون وفقاً لذلك والتي سأتحدث عنها بصراحة ووفقاً لرؤيتي الشخصية الخالصة:-
1- الأطر السياسية والقانونية للقضية الفلسطينية وقضايا الوضع النهائي وفقاً لقرارات الشرعية الدولية حيال ذلك ودون الانتقاص من حقوق المواطنة وآثارها.
2- المنطلقات العقائدية لبعض القوى السياسية ومدى توافقها الفعلي مع الدستور عند نجاحها في توفير أغلبية في مجلس النواب.
3- المرجعيات السياسية والتنظيمية والمالية الخارجية لبعض القوى السياسية مهما حاولت تبرير مدى انسجامها القانوني الظاهر مع الدستور والتشريعات ذات العلاقة، وذلك لوجود علاقة عضوية فعلية لا تخفى على أحد لتلك القوى مع أنظمة أو تيارات سياسية خارجية.
4- دوائر البادية التي تحظى برعاية خاصة وفهم خاص لطبيعة تمثلهم السياسي لأسباب تاريخية وتنموية رغم أن عوامل التمكين السياسي لهذه الفئة قد أصبحت تمكن أبناء البادية من الظفر بعدد المقاعد المخصصة لهم بالتنافس الحر على مستوى الوطن أو المحافظات، ومع الأخذ بعين الاعتبار وجود شبهة دستورية في تخصيص مقاعد عرقية لأبناء البادية.
5- حرص الدولة الأردنية على وجود تمثيل سياسي للشركس والشيشان والمسيحيين يتناسب مع دورهم الوطني في بناء وتأسيس الدولة؛ في وطن يؤثر فيه النظام العشائري والمناطقي بشكل لافت عند الانتخاب وعدم وجود مقاعد بالتعيين لتمثيل الفئات التي لم تتجاوز عتبة النجاح في المقاعد المنتخبة كما هو الحال في مصر مثلاً.
6- وجود شخصيات سياسية مؤثرة لا تستفيد من نظام القوائم الحزبية أو أي نظام آخر غير فردي، وتركن عادة إلى التأثير الاجتماعي الطاغي يوم الانتخاب أو من خلال المال الأسود.
7- مزاجية بعض الحكومات وتخليها عن مسؤولياتها الدستورية وركونها إلى مؤسسات أخرى لدعم استمرارها، ويرافق ذلك مخاوف المؤسسات المساندة من المحددات السالفة الذكر وأثرها على مخرجات العملية الانتخابات وبما يضمن استقرار الحكومات ومتطلبات الأمن الوطني والسلم الأهلي.
مقترحات لإصلاح النظام الانتخابي وتعزيز المشاركة السياسية:-
1- اعتبار جريمة شراء الاصوات من جرائم الفساد التي تختص الهيئة بالتحقيق فيها؛ لأن ذلك سيخفف المال الأسود بنسبة لا تقل عن 50% كعامل ردع وقائي قبل الشروع بتطبيق القانون والسبب أن السياسيين لا يغامرون بمستقبلهم السياسي الذي يبدأ بالتأثر الحادّ بمجرد شروع هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بجمع الأدلة وأخذ أقواله الأولية.
2- إعادة النظر بطريقة اختيار رئيس وأعضاء الهيئة المستقلة للأنتخاب.
3- تخصيص ما لا يقل عن 50% من المقاعد النيابية للقوائم الحزبية كمرحلة أولى يتم اختبارها خلال فترة من 4 – 8 سنوات.
4- إعادة تفعيل مفهوم الحكومات البرلمانية من خلال إشراك النواب في الحكومات.
5- تعزيز دور مجلس النواب في الحياة السياسية وتمكينه من أداء دوره الرقابي والتشريعي بحرية وثقة.
6- ضرورة أن يرافق الإجراءات سالفة الذكر اتخاذ الخطوات الحازمة لتطبيق مبدأ سيادة القانون وحفظ هيبة الدولة.
الحوار الوطني لا يحتاج إلى أُحجية ولا إلى وصفة استثنائية ومعالجة المحددات سالفة الذكر هي وحدها الكفيلة بالوصول إلى اتفاق وطني حول طريقة ومتطلبات قانون الانتخاب للمرحلة سيما وأن الإرادة السياسية متوافرة تماماً عند معالجة تلك المحددات وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية العليا للدولة الأردنية.
وللحديث بقية ....!