الأنباط -
بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة.
كثرت في الآونة الأخيرة قرارات التوقيف بحق الصحفيين قبل صدور قرارات المحكمة، وخصوصا قرارات التوقيف بموجب قانون الجرائم الإلكترونية والذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب الإعلاميين، وتأتي قرارات التوقيف بناءا على الشكاوى التي يتقدم بها بعض المسؤولين في مؤسسات الدولة الأردنية المختلفة ، وما يزيدنا ألما أن تأتي الشكوى من النواب الذين نجلهم ونحترمهم، مع العلم أن النواب والإعلاميين بمختلف تخصصاتهم الإعلامية شركاء في العمل الرقابي على السلطة التنفيذية والمؤسسات التابعة لها، لذلك فالأصل أن يتعاونوا على تبادل المعلومة واحترام عمل كل منهما، لا ان يتنافروا ويتشاحنوا ويصبحوا فرقاء أمام المحاكم يسعى كل منهما إلى توقيف الآخر وسجنه، والأصل بالمسؤول أنه موظف عام وخادم للوطن والشعب، ولذلك يجب عليه أن يتسع صدره للنقد والإنتقاد، فالصحافة عندنا في الأردن لاقت وما زالت تلقى اهتمام النظام السياسي، منذ أمد بعيد، فجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، كان من الداعمين لحرية الصحافة وكان شعاره أن حرية الصحافة سقفها السماء، في حين أن جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه قال "... من غير المقبول أن يسجن الصحفي بسبب خلاف في الرأي على قضية عامة، ما دام هذا الرأي لا يشكل اعتداء على حقوق الناس أو حرياتهم أو أعراضهم أو كرامتهم"، كما أن الدستور الأردني نص على حرية الإعلام بموجب نص المادة (15) التي تنص على "..
1-تكفل الدولة حرية الرأي ، ولكل اردني ان يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون ".
وكذلك فعلت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الحكومة الأردنية، حيث جاء في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما نصه "
لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدينة والسياسية الذي نص في المادة ( 19) أن" 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها". وعليه ونحن ندخل مئوية الدولة الأردنية الثانية، والدخول في العقد الرابع لاستئناف الحياة الديمقراطية والبرلمانية علينا أن نحد من توقيف الصحفيين لا بل نمنعه في قضايا النشر والمطبوعات، إلا بعد صدور حكم قضائي قطعي يثبت مسؤوليته عما نشر من معلومات، لأن الإعلام هو بمثابة سلطة رابعة في الدولة يجب علينا احترامها كباقي السلطات إلا في القضايا الجزائية والحقوقية، فالإعلام هو مرآة الدولة يعكس إنجازاتها وتقدمها ، ويسلط الضوء ويؤشر على اخفاقاتها ومواطن الضعف والتقصير، من أجل التحديث والتطوير، بما يخدم المصلحة العامة للدولة الأردنية ومواطنيها، وفي الأثر الإسلامي أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر، وقال " أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقوّمني"، فرد عليه أحد المصلين، والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بحد سيوفنا "، فقام أحد الصحابة يريد أن يؤدّب الرجل، فقال عمر مخاطبا الصحابي، إجلس.. الحمد لله الذي جعل في رعيّة عمر من يقوّم اعوجاجه بحد سيف، والتفت إلى الرجل وقال له " يا أخي إعلم أنه لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها "، كما قال عمر، أخطأ عمر وأصابت امرأة، لاعتراضها على وضع حد لمهور النساء لم يعاقبها عمر، ولم يأمر بتوقيفها، أو معاقبتها، هذه الحريات أيام التاريخ الإسلامي، ألم تكفي كل هذه التشريعات الوطنية والدولية، والتوجيهات الملكية، والنماذج والشواهد الإسلامية في التعامل مع الرأي الآخر، لوقف وردع ومنع توقيف الصحفيين وسجنهم في نشر قضايا الرأي العام. نسأل الله ذلك، حمى الله الأردن وقيادته الحكيمة وشعبه الوفي من كل مكروه.