الأنباط -
يلينا نيدوغينا
منذ الحادي والثلاثين من آذار الجاري، تُخيَم على إذربيجان أيام الحداد الوطني الشامل استذكارًا لعشرات ألوف شهدائها، الذين ذُبحوا في مَجزرة رهيبة في سنة 1918، بأوامر من القيادات السياسية والعسكرية الأرمينية.
تَرَسَخَت في المَراجِع والأبحاث وفي ذاكرة الشعوب تلكم الصور التي تقشعر لها الأبدان، تعرض لفظائع وإبادات تُدميها بحِرابِ قوى عدوانية. لذلك، نراها تتأصل في الوعي الوطني، لتُشكّل مع مرور الأزمان دفعات قوية لاستعادة الأنا الباسقة، ولإعادة انتاج الذات القومية والوطنية المُتمَاهية في بعضها البعض تضامنًا والتحامًا وفولذةً، إنجازًا للاستقلالية الكاملة، وتذليلًا للفظاعات التي نالت منها زمنًا، وقد ولّت إلى غير رجعة، بفضل تضامن وتماهي القيادة في الشعب والشعب فيها كعامل تحفيزي، تخليقًا لوحدانية الأنا المنتصرة على عدو الأمس واليوم.
عانى الشعب الأذربيجاني من المَآتِمِ والجوائحِ والمآسي الكثيرة في تاريخه الطويل، لسبب بسيط هو أطماع أرمينيا في أرضه، بمساندة من قوى إقليمية ودولية شريرة، عملت ومازالت تعمل، للأسف، على أجندة الإطاحة بشعب ودولة أذربيجان واستقلالها، اعتقادًا منها بإمكانية إعادة الساعة والتاريخ إلى الوراء، وهيهات أن يحدث ذلك في عالم تغيّرت فيه الموازين والقوى الإقليمية، وحلّت أنظمة محل أخرى.
لم يكن يستطيع أي مسؤول أرميني أن يُصدر أمرًا بحصد أرواح عشرات الآلاف من المدنيين في إبادة جماعية، وتدمير المعالم التاريخية والثقافية والمساجد والكنائس والكُنس اليهودية، بين 30 مارس و3 أبريل عام 1918 في باكو ومناطق أذربيجانية مختلفة دون دعم حربي إجرامي من قوى كبرى، على شاكلة لوبيات عملت داخل القيصرية الروسية تارةً، وفي أخرى إبّان الحكم السوفييتي في أُخرى، حيث نشطت قوى شريرة للنيل من أذربيجان المسالمة بعدما تسلّلت عناصر الردة والخراب لتفعَل فِعلها في الدولة والشعب الأذربيجانيين دون مساءلة المجرمين القَتَلة حتى اللحظة، بعد مرور 103 سنوات على هذا الفِعل الفاضح الذي يَندى له جبين البشرية!
يقول التاريخ للعَالم ومستقبله منعًا للنسيان وللحفاظ على ذاكرة الإنسانية، أن أرمينيا وظّفت الحرب الكونية الأولى والثورات الروسية المتلاحقة، في فبراير وأكتوبر من عام 1917، للترويج لادعاءاتها الإقليمية، بدعوى الدفاع عن البلشفية، فشرعت يرفان بتطبيق مخططات "التطهير العرقي" من خلال إبادة الأرومة الأذربيجانية بحَسَبِها وَنَسَبِها، وَأَصْلها الشَرِيف، في كل مكان تصل إليه أسلحتهم وخناجرهم. بدأوا حرب الإبادة في بلدية باكو، بحجج واهية هي محاربة العناصر المناوئة للثورة، في آذار عام 1918، وبعدما شمل قتل الأذريين كل مسطح ترابي.
في هذا الصدد، واستعادة للذاكرة الأممية التي تُساند أذربيجان، أصدر زعماء الطوائف الدينية في باكو من مسلمين ومسيحيين، مناشدة للمجتمع الدولي والزعماء الدينيين والبرلمانات والمنظمات العالمية، بصدد الذكرى الأليمة للإبادة الجماعية قالوا فيها، إن الحقيقة التي تنعكس في جميع الكتب المقدسة هي أن قتل شخص خلقه الرب يُعتبَر جريمة خطيرة تُماثل قتل البشرية كلها، وإعاشة شخص هو ثوَابٌ مثل إعاشة البشرية كلها، وإن وقائع الإبادة الجماعية التي ارتكبت على أساس الانتماء القومي والعرقي والديني في تاريخ العالم تظل "نقاط سوداء" في ذاكرة دم البشرية، وتُعتبر من الكبائر على الإنسانية والتي لا مغفرة عنها. ويُعتبر الشعب الأذربيجاني من الشعوب المُعَرَّضة لجرائم الإبادة الجماعية المأساوية، ويجب على المجتمع الدولي أن يَعرف الطبيعة التاريخية لهذه الأحداث الرهيبة وأن تُقَيَّم تقييماً عادلاً.
كذلك، كشف بيان زعماء الطوائف الدينية عن أن الخطوات التي اتخذها الأرمينيون الذين تم إسكانهم في القوقاز منذ أوائل القرن التاسع عشر، أفضت لطرد الأذربيجانيين من أراضيهم القديمة في محاولة لإقامة "أرمينيا الكبرى"، وإدّت لمذابح وإبادات جماعية للأذربيجانيين والشعوب الأخرى المُقيمة في هذه الأراضي، وبسبب ممارسة العدوان المتواصل والتطهير العرقي والإرهاب والتخريب على يد القوميين الأرمينيين لأكثر من قرنين، تمكّنوا من طرد الأذربيجانيين من أراضيهم الأصلية الواقعة في أراضي أرمينيا الحالية، ودُمّرت مئات من قُراهم وسوّيت بالأرض. وللأسف، تتواصل المطالبات الإقليمية من المتطرفين الأرمينيين اليوم أيضاً ضد أذربيجان، لكن المجتمع الدولي يقف بالمرصاد لها، فقد تكشفت مرامي المتطرفين التوسعيين على نحو أوسع من ذي قبل، بخاصة خلال الحرب الأخيرة التي طهّرت إذربيجان خلالها العديد من أراضيها التي سبق واغتصبتها يرفان منذ بيريسترويكا "غوربي" اللعين وبدعم منه.
وليس ختامًا، تَمكّن الشعب الأذربيجاني مؤخرًا بقيادة فخامة الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة، المُنتصر إلهام علييف، من تحرير أراضيه المغتصبة واستعادتها تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن الدولي ذوات الأرقام ٨٢٢، ٨٥٣، ٨٧٤ و٨٨٤، غير أن القيادة الأرمينية ما زالت تتبع سياسة أسلافها باستهداف الشعب الأذربيجاني بالإبادة الجماعية، من خلال رفض القرارات الدولية والامتناع عن تقديم خرائط المناطق والحقول التي لغَّمتها على امتداد نحو ثلاثين عامًا من الاحتلال!
*ناشطة إعلامية روسية.