الأنباط -
لن اخفي سرا انني امضيت يوم أمس وليلته اترقب الحدث الذي تم الاعلان عنه منذ مدة.. والحشد الاعلامي الكبير من الداخل والخارج له.. والذي كان من المتوقع ان يخرج بنتائج تقلب الموازين.. وتُثبت حجم وعظم سطوة الداعين له.. ومدى تأثيرهم على الشارع..
ولانني مختص بالاساس في برمجة الحاسوب.. فإنني أضع كل الاحتمالات لأي حدث ولا اترك شيئا للصدفة.. فعلى ضوء المعطيات المتوفرة.. فقد توقعت زحفا كبيرا من كل انحاء عمان الى موقع الفعالية المعلن.. يليق بحجم الدعاية والحشد الممنهج له..
فحاولت قدر الإمكان العودة من العاصمة الى السلط قبل بدء الزحف.. حتى لا اصطدم مع جموع ومواكب المشاركين.. إلا انني لم افلح وتأخرت الى ما بعد الرابعة لطبيعة الارتباط.. ولم افلح مرة اخرى في توجسي وتقديري للموقف.. حيث سلكت طريق العودة دون ازدحامات او عوائق "على عكس التوقع"..
وكأي اردني غيور على مصلحة البلد.. وممن يتابعون مثل هكذا فعاليات لاستخلاص العبر النافعة.. والتوصيات الاصلاحية.. تفاجأت من حجم المشاركة ونوعيتها.. فكان ظني ان تكون الاحتفالية "الفعالية" تعج بالمحتفلين.. وتملأ اصواتهم سماء عمان بالهتاف.. وتُشَلُ الحركة في المكان وحوله والطرق المؤدية له.. الا ان العدد كان اقل من اعداد المارة في ذات المكان في الايام الاعتيادية..
وحين تنظر للنوعية -مع كامل احترامي لمن حضر- لم اشاهد احدا من القيادات الذين كانوا يدعون لهذه الفعالية..
فمَن هم خارج الاردن.. لست معنيا بالحديث عنهم.. ولكن عتبي الشديد على من هم يتصدرون صفحات التواصل الاجتماعية ولم يحضروا..
وانتم يا من اطلقتم على انفسكم قيادة فعالية ٢٤ آذار.. فأي عذر لكم لعدم التواجد في ارض الحدث؟!..
علما ان ابجديات القيام بهكذا فعاليات.. هو وجوب تواجدكم بالقرب من المكان قبل ان يتواجد اي احد قبلكم.. واخذ الاحتياطات اللازمة لضمان الوصول دون اي معوقات..
فهل آثرتم قيادة المشهد من على شاشات هواتفكم وانتم جالسون في صالوناتكم؟!.. ام انكم كنتم تعلمون النتيجة سلفا؟!..
وللأمانة كانت نتيجة ما حدث يوم امس.. سبب لتذكرني بمشهد الانتخابات النيابة.. فالمشهد والحيثيات متشابهة لحد ما.. حيث رأينا مجموعة من المرشحين ملأت وسائل التواصل الاجتماعية دعاية.. وملأت اعمدة الشوارع وجنباتها صورا وشعارات.. فظن المراقب ان هؤلاء سيحصدون آلاف الاصوات.. وحين ظهرت النتائج.. لم يحصل غالبيتهم على ثلاثمائة صوت.. وخرج بعضهم بتوجيه اللوم على الحكومة بأنها زورت النتائج.. ولم يوجه اللوم لنفسه وبرنامجه وطريقة طرحه.. ومدى قربه من الناس.. ومدى تأثيره عليهم.. وحجم ما قدمه لهم..
وهنا أتساءل.. هل الحكومة زورت نتائج هذه الفعالية؟!.. هل كان عدد الحاضرين عشرات الآلاف.. وقالت انهم عشرات بدون ذكرٍ لخانة الآلاف مثلا؟!. ام انكم فشلتم في رهانكم.. واثبت الشعب انه لن يسمح بخراب هذا البلد.. وانه على يقين بان طريق الاصلاح يكون بالتصويب والتصحيح والترميم.. لا بالهدم والدمار ومن ثم البكاء على ما كان..
وهنا اجد لزاما علي ان أتحدث واقارن بين من هم يحملون هما حقيقيا.. وفكرا ناضجا.. وحراكا سلميا صادقا ذا طابعٍ اصلاحيٍ.. وبين غيرهم ممن يَتَّسِمون بالطابع التعبوي الشعبوي المبني على إلهاب واستنفار مشاعر الناس للخروج ولا شيء سوى الخروج..
فالناظر مثلا لفعاليات النقابات المهنية على اختلاف توجهات قياداتها ومجالسها.. تجد الرقي في الطرح.. والنضج في التفكير.. والهدف هو الاصلاح المبني على تحديد الخطأ وطرح الحلول له.. هو اساس اي فعالية لهم.. وتجد قيادات النقابات هم اول المتواجدين في موقع الفعالية.. والتي هي بالاصل معلنة سلفا.. وتعلم عنها كل الجهات الرسمية وغير الرسمية..
رسالتي الى كل مواطن حر شريف يحمل على عاتقه هم الوطن ومشاكله.. ان تكون الحكمة هي سبيل حل ما يحمله.. وان يكون الهدف الحفاظ على الاردن اولا.. واصلاح الاعوجاج والتشوهات التي تشوب اي مفصل من مفاصل الدولة.. وذلك بتسليط الضوء عليه.. ووضع الحلول الناجعة والقابلة للتطبيق.. مبتعدين عن التنظير والمزاودات.. مستخدمين كافة الوسائل الحضارية والتي كفلها الدستور.. والانخراط الجاد والفعال في مؤسسات المجتمع المحلي.. والمشاركة الفعالة في كافة الانتخابات لافراز اناس يحملون نفس الهم ونفس النظرة.. ويُغَلِبون المصلحة العامة على مصلحتهم الشخصية.. وتكون الأنا محذوفة من قاموسهم..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأرضا..
أبو الليث..