الأنباط -
الأكاديمي مروان سوداح
النصر المؤزر الكبير الذي اجترحته قيادتُنا السياسية وقواتُنا المسلحة الباسلة / الجيش العربي وشعبنا الواحِد المُوحّد، في الحادي والعشرين من آذار 1968، على أرض الكرامة خلال الساعات الأولى لليوم الأول في المواجهة التاريخية، التي قادها المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله وطيب ثراه، وتعاظُم الوعي الوطني ومتانة اللُحمة الوطنية للشعب الواحد، وإسناد الأمة للجيش، عزّز صمود جبهة جنودنا وضباطنا وقواتنا والأهْلُونَ واستبسالهم في مواقعهم بالدفاع المُقدّس عن الوطن والشعب لكنسِ العدو من ترابنا الطهور، أكد للعالم أجمع بدوله وشعوبه وجيوشه عوامل القوة العظيمة للأردن وبأسه وصلادَته، وأن كرامة المواطن الأردني والعربي هي فوق كل شيء في هذا الكون الفسيح، وأن مَن يحاول أن يُمرِض أرضنا بفيروساته الدخيلة، نُمرِضُهُ بموت سريع مؤكد، يكون عِبرةً لكل المُحتَلين والمُستعمِرين والاستيطانِيين الأجانب أشياع جهنم على مدار التاريخ.
أذكر في ذاك اليوم، كيف عَلا صوت مذيع إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية مُعلنًا النصر الكامل على جحافل العدو الصهيوني الذي تثلمت أسلحته فتم دحره وتكبيده خسائر جسيمة على أرض المعركة، وهربت فلوله عشوائيًا صوب نحورها كقطعان أغنام متفحمة ومرتعدة من دنو موت مؤكد يُلحِقُ بقاياهم بزملائهم السّرُاق الذين استأجروا جهنم وطنًا أبديًا.
(الكرامة) أرض أردنية عربية قح، وهي لنا وليست لغيرنا. والأردن بلد عروبي وهاشمي لا يطيق الصهيونية الإجرامية المَفضوحة دوليًا وتاريخيًا. ولهذا، تكتل شعبنا لإلحاق هزيمة كبرى مُرعِدة بالعدو الذي انْهَزَم سريعًا في مواجهة مقاتلينا الأشاوس، فتقهقر شتاتهم في الأرض بأكملها و إِنْغَلَبوا فقُهِروا، وتَحطّموا، فتفتّتوا، وانكسرت شوكتهم على أرض المعركة، تاركين وراءهم ولأول مرة، خسائرهم وقتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم، وتركوا خلفهم آلياتهم الحربية وأسلحتهم المختلفة وقتلاهم المُمَزَقين إربًا إربًا، ما حال دون تحقيق الكيان الصهيوني لأهدافه التاريخية الهيمنية التوسعية، التي ترى في الأردن والأوطان العربية الأخرى مُستقرًا للمستوطِنين المُستورَدين من بقاعِ العالم، ونقطة انطلاق لاستعمار أراضٍ عربية جديدة مجاورة للمملكة. بالتالي، يُعتبر النصر الأردني فَلاَحًا وفَوْزًاعسكريًا عربيًا بامتياز، وظَفرًا وفَوْرَةً لقوى التحرر العالمية، شارك فيه جُند العرب لتعظيم مَنعة الأوطان العربية في صدِّ أيديولوجية توسعية ساذجة ومتجددة، درج على فبركتها وانتاجها أيديولوجيو العنوسة الصهيونية المتأصلين في شتى الدول الغربية وأمريكا.
أذكرأيضًا، ولن أنسى ما حييت، كيف اصطحبني المرحوم والدي موسى سالم سوداح معه لوسط عمّان، وكان عمري أنذاك (10) سنوات فقط، إلى حيث ما تزال قائمة ساحة مكتبة أمانة عمّان الكبرى، وطلب مني التسلق إلى أعلى برج دبابة صهيونية من مجموع دبابات وآليات إسرائيلية كثيرة، سحبها الجيش العربي البطل من ساحة المعركة إلى ساحة الأمانة، لعرضها على سكان العاصمة احْتِفَاءً بالنصر العظيم. آنذاك، نظرتُ من "البرج" إلى جوف إحدى الدبابات، فرأيت جنودًا صهاينة متفحمةً أجسادهم ومقيدين بالسلاسل الحديدية إلى هيكل دبابتهم المُنتهية، وسبب ذلك أن القيادة السياسية الصهيونية قيّدتهم إلى حديدها المتهالك خشية هروبهم من أرض الوغى، فهي تُدرك أن الجندي الصهيوني المُرَفّه حياتيًا، القادم من دول أوروبية، لم يُفكر يومًا بالهجرة ناحية الكيان الغاصب ليقاتل ويموت لأجل مصالح زعماء طارئين في تاريخ الكرة الأرضية، شكّلوا قيادة توسعية لصوصية ودولة طارئة مُلحَقة بأجندة الاستعمار العالمي كجزء وظيفي عَملاني للإمبريالية الدولية في المنطقة العربية وما يُجَاورها من دولٍ وأممٍ، بل ليعيش في ظروف مادية أفضل مما كانت عليه حياته في وطنه مسقط رأسه البعيد، وليتقاضى راتبًا أعلى ومكاسب أكثر في (تل أبيب)، التي هي في الأصل والمكانة مدينة (يافا) وقراها الفلسطينية السليبة المُحتَلة.
بالتالي، يرى أفراد العدو، أنه لا معنى لموتهم من أجل قادة لا يهتمون بمصيرهم ومصير أولادهم وعائلاتهم، فزعماء الصهيونية أثرياء وأصحاب أطيان وأموال وتجارة دولية مزدهرة، وبالتالي لن يستذكر هؤلاء أبدًا موت مسلح يهودي واحد ولا حتى جيش يهوذي إسرائيلي برمته، فمكتوب على عسكرهم أن يُصبِحْوا مَوَاتًا ونَسْيًا مَّنسِيًّا، وأن يدفنوا في مقبرة الأرقام الصهيونية!