الأنباط -
أجمع خبراء اقتصاد على أن الطبقة الوسطى لأي مجتمعٍ، هي صمام أمان وتدل على تعافيه الاقتصادي والاجتماعي، فكلما زادت، كبُرَ حجم الاقتصاد ونما، وضُبِطَ إيقاعه بمختلف المجالات.
وقالوا لوكالة الانباء الاردنية (بترا)، إن جائحة فيروس كورونا أثرت سلباً على فئات هذه الطبقة من المجتمع، التي تضم المهنيين والحرفيين وموظفي القطاع الخاص، ممن هم في الإدارات المتوسطة والفنية، والقيادات الوسطى في القطاع العام، ومالكي العمل ووسائل الإنتاج الصغيرة.
وأضافوا أن اندثار تلك الطبقة أو اضمحلالها، يعني تراجع الإنفاق والاستهلاك، وركود الأسواق، وانخفاض الحراك الاجتماعي والتجاري، وزيادة معدلات البطالة، وقلة المساواة، وتراجع المشاريع.
جلالة الملك عبدالله الثاني وفي مقابلته الأخيرة مع وكالة الأنباء الاردنية (بترا) قال "كان وما زال همنا الأول والأكبر، هو الحفاظ على أرزاق الناس، ومصادر دخلهم، وأن نحمي الطبقة الوسطى من التراجع، لأنها العماد الحقيقي للاقتصاد، ودون طبقة وسطى قوية، لا يمكن لأي اقتصاد أن ينهض أو يستمر".
وأضاف جلالته خلال المقابلة " وجهت الحكومة إلى العمل على تسهيل إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل الحفاظ على الطبقة الوسطى وتنميتها".
وقدّر مسح دخل ونفقات الأسرة الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة الأردنية عام 2014 حجم الطبقة الوسطى بالمملكة بنحو 28 بالمئة من المجتمع، فيما قدرت نسبة طبقة الدخل المحدود بنحو 30 بالمئة، أما الطبقة الفقيرة والمعرضة للفقر فبلغت نسبتها نحو 23 بالمئة. وبحسب دراسة أجرتها الاحصاءات العامة بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي عام 2010، فإن الطبقة الوسطى تشكل نحو 29 بالمئة من المجتمع مقارنة مع 41 بالمئة عام 2008.
بالمقابل، توقع البنك الدولي في تقرير اصدره في تشرين الأول الماضي، زيادة معدلات الفقر بالمملكة على المدى القريب بنحو 11 نقطة مئوية، جراء انخفاض دخل الأسرة من العمالة والتحويلات كصدمة اقتصادية لجائحة فيروس كورونا.
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية السابق الدكتور موسى شتيوي، قال إن تصنيف الطبقة الوسطى في أي مجتمع يكتنفه عدة إشكاليات، لكن هناك إجماعا على أنها الطبقة الوسيطة بين رأس المال والعمال بحسب البعد الاقتصادي لتصنيف الطبقات. وأضاف أن تلك الطبقة تعرف من خلال علاقتها بغيرها، فهي ليست البرجوازية المالكة وليست العاملة التي تتقاضى اجورا، لافتاً إلى أنها تتمتع بدرجة معينة من الاستقلالية في عملها، وممارسة السلطة في هذا العمل، إضافة لأن دخولها المادية مرتفعة مقارنة مع العمال.
وبين أن الطبقة الوسطى في الأردن تشمل فئات القيادات الوسطى في القطاع العام، وموظفي القطاع الخاص ممن هم في الإدارات المتوسطة والفنية، ومالكي العمل ووسائل الإنتاج الصغيرة، التي يصل عدد عمالها إلى 10.
وأضاف أن الدراسات العلمية ترى بأن الطبقة الوسطى في الأردن تمثل بين 45 إلى 66 بالمئة من المجتمع، مشيراً إلى أنها تتضمن فئة المهنيين الاحترافيين كالأطباء والمهندسين والمحامين وأساتذة الجامعات.
وعن مميزات الطبقة الوسطى في الأردن، لفت الدكتور شتيوي إلى أنها تتمتع باستقلالية جزئية، فهناك من يشرف عليها وقد تشرف على آخرين، مبينا ان حجم الطبقة الوسطى لأي مجتمع يعطي مؤشرا على حجم الاقتصاد ومدى نجاحه وتقدمه، "فكلما كبرت، قوي الاقتصاد وتعافى، وزادت المساواة، ما ينعكس على بقية طبقات المجتمع".
وأكد أن جائحة كورونا أثرت على الطبقة الوسطى سلبا، خاصة من يعملون على نحو حر، والعاملين في القطاع الخاص، مبينا أن أكثر ما يرهق فئات هذه الطبقة هو الإنفاق على التعليم والنقل، والسياسات الاقتصادية التقشفية، ما ضغطها مادياً، ومنعها من سد احتياجاتها الأساسية. وقال إن الحفاظ على تلك الطبقة وغيرها من الطبقات يتطلب تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وتعميم التنمية الاقتصادية على المجتمع ككل، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يزيد دخل فئات الطبقة.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن الطبقة الوسطى هي الطبقة الضابطة لإيقاع المجتمعات، والمحركة للاقتصاد والثقافة والسياسة، وهي صمام أمان سلوك المجتمعات وأحد علامات تطورها، كونها تمثل الطبقة العريضة بين الطبقتين الغنية والفقيرة، وتعبر عن القاسم المشترك الأعظم بينهما، مشيراً إلى أنها تمثل بين 60 إلى 70 بالمئة من المجتمعات.
ولفت إلى أن الطبقة الوسطى تعد الأكثر إنفاقاً في المجتمعات، نظراً لحجمها الأكبر، فهي المحرك لعدد كبير من القطاعات الاقتصادية، إذ تؤثر مباشرةً على حجم الاقتصاد ونموه.
وبين أن أفراد وفئات هذه الطبقة، يملكون خبرات ومعارف، تسهم على نحو كبير في حل المشكلات الاقتصادية، وتجاوز التحديات، في حال تحققت طموحات هذه الفئات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
واشار عايش إلى أن الطبقة الوسطى في الأردن تواجه تحديات جمّة، كونها الأكثر تأثراً بأي من الإجراءات والقرارات على مختلف المستويات، إيجابياً وسلبياً على حدٍ سواء، ما تسبب باضمحلالها خلال السنوات الأخيرة، إذ انحدر كثير من فئات هذه الطبقة إلى الطبقة الفقيرة محدودة الدخل، ما أخل بتوازن المجتمع وحوّله إلى طبقة غنيّة قليلة العدد، وفقيرة كبيرة العدد.
وحسب عايش، يعتبر اندثار الطبقة الوسطى في المجتمع تراجعا للإنفاق والاستهلاك، وركودا في الأسواق، وانخفاضا للحراك الاجتماعي والتجاري، مبيناً أن معظم إجمالي الرواتب يذهب إلى فئات هذه الطبقة، وبالتالي فهي الأكثر تعاملاً مع البنوك، والأكثر حصولاً على قروض، والأكثر استهلاكاً لمتطلبات الحياة.
وأوضح أن جائحة كورونا أثرت على ما تبقى من هذه الطبقة، إذ بدأت تختبر مشاكل الفقر الكلي أو الجزئي، ما يعني تراجع الإيرادات الحكومة الضريبية، وتراجع القروض، وتراجع وتيرة الأداء الاقتصادي عموماً، وكل ذلك يعني انخفاض جودة وكفاءة مختلف الخدمات والصناعات، وزيادة البطالة.
بدوره، بين عميد البحث العلمي والدراسات العليا في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري، إن الطبقة الوسطى هي التي تمثل الشريحة الأكبر في المجتمعات الصحية التي تتمتع بنمو وتوزيع دخل وثروة طبيعة، وهي مهمة في أي اقتصاد كونها أكثر الطبقات استهلاكا وإنتاجا، وتقدم الرياديين لمجتمعها.
واشار إلى أن النظام الضريبي في الأردن أثر سلبا على الطبقة الوسطى وقلل من نسبتها على نحو كبير، لسوء توزيع الدخل والثروة، وعند حدوث ضعف أو خلل في الاقتصاد، يرتفع بعض فئات الطبقة الوسطى إلى الطبقة الغنية، إلا أن الجزء الاكبر ينحدر نحو الطبقة الفقيرة.
ولفت الدكتور الحموري إلى أن اندثار الطبقة الوسطى أو اضمحلالها، يسبب العديد من المشاكل الاقتصادية، إذ يتراجع الاستهلاك، ويزداد الركود، وتتراجع نسبة المشاريع الريادية، مؤكداً ان الجائحة زادت من مشاكل الطبقة الوسطى، داعيا الحكومة لاتخاذ اجراءات عاجلة وواسعة للحفاظ على استمراريتها، أبرزها إعادة النظر بالنظام الضريبي.
الى ذلك، قال الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة، إن الطبقة الوسطى تأثرت كثيراً خلال جائحة كورونا نتيجة لترك جزء كبير ممن يشكلون هذه الطبقة لعملهم، أو انخفاض رواتبهم.
وبين أن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة كانت عامة ولم تخفف من مشاكل الطبقة الوسطى اقتصادياً، بل أجلت التزاماتهم لوقت لاحق.
وأضاف أن أهم متطلبات الحفاظ على وجود الطبقة الوسطى في الأردن هو مساعدة فئاتها على سداد التزاماتها المترتبة عليها، من خلال دعمها مباشرة لتسوية أمورها، عبر صناديق متخصصة، لافتاً إلى أن استمرار الجائحة سيؤدي لانخفاض النسبة التي تشكلها الطبقة.
وأكد مخامرة أن الجائحة زادت من نسب البطالة خاصة بين الإناث اللائي اضطررن لترك أعمالهن للعناية بأطفالهن في ظل تحول التعليم عن بُعد، مؤكدا ان الطبقة الوسطى مهمة لأنها نقطة التوازن بين الفقيرة والغنية في المجتمع، واندثارها يعني عبئا اجتماعيا وسياسيا كبيرا على الدولة.
--(بترا)