الأنباط -
الأكاديمي مروان سوداح
يبدو أن منظمة الأمم المتحدة ستفشل فشلًا ذريعًا في الحد من نهج مجموعة من "الدول الكبرى"، التي تسير في مسار تعميم سياسة "قومية اللقاحات" على صعيد المَعمورة، بعد تراجعها عن تأكيداتها السابقة بضرورة العمل الجماعي للحد من أخطار كوفيد/19 على البشرية.
في الـ17 من شباط المنصرم، وخلال الاجتماع الوزاري بشأن اللقاحات المضادة للفيروس القاتل، والذي عقده مجلس الأمن للأمم المتحدة، اقترح الأمين العام لهذه المنظمة الأممية، أنطونيو غوتيريس، مبادرة "خطة التطعيم العالمية". يبدو، أن الإعلان عن هذه الخطوة الدولية جاء لمواجهة وإفشال "قومية اللقاحات" التي تهدّد "العالم الثالث" ومليارات البشر الفقراء والمَرضى والعجزة وكبار السّن بالموت والفناء لصالح أغنياء اللقاحات وأرباب الأموال الفلكية.
فضيحة "قومية اللقاحات" باتت تنتشر في مختلف رياح العالم وتتأكد، لتكشف عن عملية خبيثة قتّالة عابرة للقومية والحدود الإقليمية والقارية بعدما تم تصنيع هذه اللقاحات بإشراف دوائر السياسة الكولونيالية ومختبرات الحرب البيولوجية، وتتلخص أهدافها بوضع حدود صارمة لكميات اللقاحات التي تتلقاها عشرات البلدان التي تعاني ميزانياتها من شح الأموال وضعف القدرات الاقتصادية والعسكرية، ما مِن شأنه عمليًا فتح أبواب ونوافذ الفقراء والبسطاء أمام هجمات كوفيد/19، لتنهار دفاعات هذه الدول واحدة بعد أخرى، لئلا تتمكن من شراء كفايتها من اللقاحات التي تعرضها دول يُشكّك أصلاً في فعالية لقاحاتها.
وفي هذا المَشهد الدامي الذي يُهدّد بانقراض أعدادًا كبيرة من البشر، وموت دول وأنظمة أو تغييرها، يزداد عدد الذين يُدركون خطورة الوضع الدولي الحالي المُتشكِّل بين ثنايا كورونا، ويستهدف تقييد البشرية وعشرات البلدان بأصفاد الفيروس، لتتكشف مؤامرة تقليص أعداد الفقراء و"القوى غير العاملة" في كل القارات، ضمنها مربعات الفقر والفاقة في الدول الغربية الغنية أيضًا، والتي يَعتبرها المَجمع الصناعي - العسكري الدولي عقبة كأداء في تطوره وازدهاره ونفاذ وفعالية قيادته النهائية للكون.
مع استمرار مشهدية "قومية اللقاحات"، هل ستتمكن البلدان الفقيرة وتلك المحدودة الموارد من الحصول على اللقاحات بصورة عادلة ومعقولة؟، لاسيما وأن الدول الغنية تُخصِّص عشرة لقاحات لكل مواطن لديها، مقابل جرعة واحدة للدول الأخرى المحدودة الإمكانات!
تقوم البلدان الغنية بتخزين أعداد ضخمة من اللقاحات، تزيد عن حاجتها، وهي ظاهرة خطيرة يؤكدها التقرير الصادر (بتاريخ 19 شباط الماضي) عن المنظمة الدولية غير الربحية ONE Campaign الذي كشف عن أن عدد الجرعات المتعاقد عليها مع المملكة المتحدة وصل إلى 510 ملايين جرعة، أي ما يعادل أربعة أضعاف إجمالي عدد السكان! وفي الاتحاد الأوروبي وصل عدد الجرعات المتعاقد عليها إلى 1.6 مليار جرعة، أي ثلاثة أضعاف إجمالي عدد السكان. وفي كندا، وصل عدد الجرعات المتعاقد عليها إلى 410 ملايين جرعة، أي 10 أضعاف إجمالي عدد سكانها، في الوقت الذي لا يزال هناك أكثر من 130 دولة في العالم لم تحصل على لقاح مضاد لكوفيد/19 على الإطلاق، ما أفضى لتفشِّي أوسع للفيروس المتحور لتغدو السيطرة عليه أكثر صعوبة.
وفي فضح ورفض نهج "قومية اللقاحات" الذي يؤكد "قانون الغاب" الغربي على البشرية، حذرت المديرة العامة الجديدة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو- إيويلا إيفالا من أن "قومية اللقاحات" ستبطئ عملية التخلص من كورونا. من جانبه، خلُص كونستانتين بلوخين، خبير في القضايا الأمنية في الأكاديمية الروسية للعلوم، إلى أن جوهر "قومية اللقاحات" هو "الغرب المتمركز"، ويُشير (لأمارتيا سن)، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998، إلى أن سبب المجاعة ليس عدم كفاية الغذاء، ولكن التدهور السريع "لحقوق التبادل" للناس.
في مواجهة قومية اللقاحات، وزعت الصين لقاحاتها على 53 دولة نامية استقبل قادتها اللقاحات في مطاراتهم تعبيرًا عن الفرح والشكر لإنسانية الصين ورئيسها شي جين بينغ، الذي أمر بجعل اللقاحات الصينية "مُنتجًا عامًا عالميًا"، وبخاصة في متناول الدول محدودة الموارد. * متخصص بالشؤون الصينية