الأنباط -
مارينا سوداح
منذ ربع قرن وأنا أبكي وأبكي حزنًا وألمًا على شهداء قضوا بعشرات المذابح التي اقترفها الإنسان بحق أخيه الإنسان. لكن السؤال الكبير هنا، هل يَحق أن يُسمّى مَن يقتل أخيه الإنسان إنسانًا؟!
بالطبع لا يَحق أن يُسمّى إنسانًا ولا بشرًا ولا متحضرًا ولا مثقفًا أو سويًا. فالقتل والذبح وإهراق دماء إنسان كائنًا مَن كان، إنما هو مُستمد من (لوسيفر) وأزلامه ونيرانهم الجهنمية التي تتلهف توسيع عديدهم في كل مجزرة تُرتكب على الكرة الأرضية. ففي كل مرة يَقتل إنسانٌ إنسانًا، يزداد عدد شياطين المَحرقة الإبليسية، فمَن يُزهق روحًا ينضم فورًا إلى مواطني وأنصار وأمصار جهنم المحكوم عليها في الأديان السماوية ربانيًا بالهلاك. ومَن يَنوي ويَستَحسن القتل فكرًا، وليس فِعلًا فقط، إنما يَصطف كذلك مع "أخيه الشيطان" في صف واحد، ونهايته مُقررة إلهيًا في محرقة أبدية، فهو قد تمرّد على الله عز وجل، ورفض تعاليمه، وواجه أنبياءَهُ ومُرسِلِيه وكُتبه بأفكار وممارسات تمقتها سماء نعمة أزلية لا مكان فيها سوى لأسوياء القلوب وأنقياء العقول.
لم يتوقف بكائي كإنسانة وأُم على مَن قتِلوا في خوجالي، ومَن بُقرت بطونهم وسُلخت جُلودهم وأُخرجت عيونهم من مآقيها في مجازر أرتكبها شياطين بأجسادٍ بشرية، انحرفت أعمالهم ناحية الهلاك لا صوب أبدية الروح وتسبيح المُولى العظيم في عرشه الأزلي. بعضٌ من هؤلاء وفي مثل هذا الوقت قبل نحو ثلاثين سنة، احتلوا مدينة خوجالي الأذربيجانية، وفَعَلوا فيها ذبحًا وعملوا في أجساد مواطنيها الأطفال والكهول سحلًا وطهيًا في أتون حرائق القنابل والقذائف، بما لم يَفعله حتى مُحتلٌ أو مُختل عقل بالهنود الحُمر، وقبائل المايا، والشعوب العربية، وخلال تقسيم كوريا، وأفيون الاستعمار العالمي على الصين والعشرات غيرها مِن أممٍ صغيرةٍ وضعيفةِ الإمكانات وشحيحة السلاح، أضف إليها شعوب أفريقيا السمراء والسوداء التي ابتُليت بالأجنبي الطامع صاحب العيون الشريدة إلى مَزِيدٍ مِن بَعَجِ، وشَجِ، وشَقِ، وفَلَقِ الرؤوسَ والبُطونِ والآذانِ والأعْينِ والأطرافِ وأصابعِ الأيديِ والأرجلِ، مرفقة باغتصابات جنسية فاحشة وإرغام أصحاب الأرض الخوجاليين وجيرانهم على الهروب، وترك أموالهم وأطيانهم وقبور أهاليهم وأقربائهم للمُغتَصب، ليُعمل فيها خرابًا وفتكًا لنيل مكانٍ وسِيع في جهنم إلى جانب (لوسيفر) زعيم الأبالسة.
على خوجالي الصغيرة والمسالمة ومُزارِعِيها وفلاحِيها ومزارِعِهم الريفية الصغيرة أعملت أرمينيا المُعتدِية إعمَالاتها في قشط الأرواح عن أجسادِ الأذريات والأذريين، وصَلبت بعضهم على خشبات الموت ليُسلموا أرواحهم مصلوبين بأبدانٍ مُتَهتِّكة، دلفوا إلى الجنان في الشهادة في خِتام حيواتهم الترابية، فكانت الأبدية مكانتهم وجدهم الروحي.
لقد بَسَطَ الاستعمار الاستيطاني الأرميني سواعده الحربية على أكثر من عشرين بالمئة من أراضي أذربيجان ردحًا وسيعًا من الزمن المُنطوي. لكن، وبرغم ذلك، انتفض عقل الناس وعاد الوعي المسلوب إلى أصحابه ولو بعد سُبات طويل، إذ انتفضت ذاكرة بني آدم في إدانة شاملة للمجرم الذي حوّل الأرض الجميلة الوضاءة إلى محيط من دماءٍ وعتمة سوداء. وفي الخواتيم، ها هو العدواني المهزوم والمُذَل مُحَاصَر بإدانات يومية من عقل بشري جَمعي لم يَعد فيه مُتسَّع لصَمتٍ ولا لغضِ طرفٍ عن جرائم أعطت البشر والبشرية درسًا تاريخيًا كبيرًا وعالميًا في السوية الأخلاقية ولزوم مكافحة الشر والأشرار، والاستعمار والاستعماريين، والاستيطان والاستيطانيين وأربابهم، حمايةً لكل ذي نفسٍ حيّة، ولكل ما هو مُقدّس مُقتبس من جوهر الله المَمنوح لأرضه وخلائقه.
بكائياتُنا على شهداء خوجالي الصِّغار والكِبار ستستمر باستمرار الأشرار؛ لا سمح الله؛ في أرض الأخيار. فالله هو الوحيد المَانح للقوة والنصر، والهادي إلى نُصرة الحق والعدالة وأصحابها، ونحن، وإذ نقترح اقتراحًا ونتقدم للقيادة الأذرية بفكرةِ مشروعٍ جديد مُتميز، أن يُبنى في خوجالي وعلى أرضها الطهور مَقامٌ عَالميٌ ومركزٌ دوليٌ جامعٌ لبني الإنسان من كل رياح الكرة الأرضية، تُقام فيه الصلوات بكل لغات الإنسانية، ليُطهّر المولى المكان الذي أبدعه بمَن عليه مِن رجس الأرْجاس وحِقد الحاقدين، فمكانهم ليس في أرضه الطهور وبين أبنائه البررة، ولا في الوجود حتى، فعَالم الروح سيكون حِكرًا على الأخيار، فهو الأوحد إلى أبد الآبدين، وسيبقى مُسبِحًا ومُمَجِّدًا الله في ملكوته.
*كاتبة وناشطة دولية.