رئيس الوزراء الذي كان يريد تعديلا وزاريا على حكومته، ثم قرر أن يؤجل التعديل، سيكون مضطرا أن ينفذ التعديل بشكل أسرع، أو يعيد التشكيل، والأسباب وراء هذا الكلام كثيرة.
لا يمكن لرئيس الحكومة ومهما وفر الحماية لفريقه أي يواصل السباحة بهذا الفريق، لأن بعض أعضاء الفريق يأكلون من ذات رصيد الرئيس، وهكذا يتبين أن حماية الفريق، تجنباً لكلفة التعديل أمام الرأي العام، ستجلب كلفة أكبر للرئيس ذاته، إلى درجة أن يقول خصوم الرئيس إن كل الحكومة ضعيفة، ولا فرصة لها للنجاة، طويلا.
بعض خصوم الرئيس، وأنا لست منهم، يقول إن الوضع العام الذي تعيشه الحكومة الحالية، يشابه ذات الوضع الذي عاشته حكومة د عدنان بدران، وحكومة هاني الملقي، بما أدى في المحصلة للرحيل، تحت مبررات مختلفة، يعرفها الكل، وهذا كلام جارح، قد لا يحتمله الرئيس الحالي، ونحن ننقله ولا نتبناه، إذ إن ناقل الكفر ليس بكافر، نهاية المطاف.
لكن رد الكلام، لا يكفي أن يستند إلى كونه صادرا عن خصوم للرئيس يريدون الإطاحة به، إذ هناك من يستند إلى مبررات موضوعية، وهناك من يتوهم الخراب، وهناك من يؤشر على خلل ما، ودعونا فقط، نتحدث عن ملفات تفجرت خلال أيام محدودة، فكل يومين تخرج علينا قصة، في مناخات صعبة، بعضها من أخطاء الوزراء، وبعضها ملفات موروثة، لكن المؤكد أن بعض أعضاء الفريق الوزاري، يرسلون فواتيرهم إلى مكتب الرئيس مباشرة وعلى حسابه.
هذه بلاد يتم فيها تعيين الوزير من أجل حل المشاكل، لكنها لا يحلها، بل يتذمر مع المواطن، ويجالسه على الرصيف، ويشاركه اللطم، والعويل، وهذه بحق جديدة في حياتنا السياسية.
حين ترى الوزراء في أي حكومة، قد تحولوا من مهمتهم الأساسية، أي حل المشاكل، إلى مهمة اللطم، تدرك إما أن هذا إعلان بالفشل المبكر، أو من أجل حماية السمعة الشخصية، أو لتبرير الخروج القريب، بسبب عدم نجاحه في مهمته، وعندها تسأل نفسك عما يختلف الوزير المتذمر، عن المواطن الشاكي، إذا كان كلاهما، يبحث عن طرف ثالث لحل المشكلة؟
من أين نأتي بالطرف الثالث لحل المشكلة، المواطن يرفع صوته متذمرا، والوزير يسابقه في رفع الصوت، وكل طرف يسأل عن دور الطرف الآخر، وكأننا جميعا ننتظر طرفا ثالثا، ليتدخل ويرفع الثقل عن الوزير والمواطن، ربما ننتظر شبحاً، أو كنزاً مخفيا، أو معجزة.
الذي لا يعرفه بعض الوزراء على شاكلة المتذمرين من ملفاتهم، أن تذمرهم لا تقف كلفته على حدود وزارته بل تمتد إلى كل الحكومة، وحتى الرئيس ذاته، الذي اختاره معيناً له، فإذ به يحتاج إلى من يعينه، ومن يربت على كتفه، مشفقا عليه.
هناك وزراء أيضا ورطوا الحكومة في ملفات لم يتم شرحها جيدا، أو تفجرت في وجوههم، أزمة هنا أو هناك، خصوصا، في الملفات التي على صلة بالناس، من التعليم، إلى المياه، وصولا إلى ملفات ثانية، وربما يأتي من يقول إن هذا هو حال الدنيا، في بلد لديه مشاكله، وفيه حيوية إلى درجة ما في الإعلام، وعبر النواب، حيث تثار قضايا كثيرة، وهذا كلام صحيح، لكننا لسنا بحاجة إلى إثارة الأعصاب في ملفات نحن في غنى عنها لو عولجت أساسًا.
ربما يظن الرئيس أن خصومه هم كل أولئك الذين يتفرجون من خارج الرئاسة، من الذين يتمنون له الفشل، أو يريدون له مصيرا سياسيا غير لائق، لكن خصوم الرئيس الأخطر يكمنون حوله وحواليه، وهم كل وزير يتفلت يميناً ويساراً، وكل وزير يستمطر أزمة مجانية، وكل وزير لا حل عنده، ولا حلول، بل يصيح ليل نهار مثله مثل المواطنين.
بما أن رئيس الحكومة، خرج وحكومته من موسمي الثقة والموازنة، والعلل في حكومته واضحة، كما الشمس، فعليه أن يجري عمليته الجراحية على فريقه، بعد أن ثبت أن التأني في التعديل الوزاري، مكلف، وحتى لا يواصل خصوم حكومته، الكلام عن كونها حكومة ضعيفة، وتشبه حكومتي بدران والملقي وغير مؤهلة للاستمرار طويلا.
لأجلك أيها الرئيس، ولأجلنا أعد ترتيب بيتك الداخلي، ولا تتمهل.