الأنباط -
شي ومجتمع التعاون والمصير المشترك
الأكاديمي مروان سوداح*
مؤخراً، شارك فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، في اجتماع "أجندة دافوس" للمنتدى الاقتصادي العالمي، وألقى كلمة خاصة تناولها بالعرض البرنامج المسائي للأخبار الرئيسية في التلفزيون الأردني، الذي سلّط الأضواء على محاورها الرئيسية وأبعادها العالمية، نظراً لأهميتها وانعكاساتها الإيجابية على الدول والشعوب والمصير المشترك للبشرية جمعاء.
المُلاحَظ في خطاب الرئيس شي، منهجيته العميقة في طرح أفكاره السياسية ذات البُعد الأممي والثبات عليها منذ تسنمه السلطة في الدولة والحزب، وتسلسلها الحاذق الهادف إلى محو الفروقات بين الدول صغيرها وكبيرها، من خلال التعاون الشامل والعيش المشترك والكسب الجماعي، رغبةً بتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية بين بلدان المَعمورة، ذلك أن الرئيس شي يطرح خطته الدولية على قاعدة تكثيف الجهود الجماعية، وتعظيم مكانة كل إنسان دون تفضيل جهة أو جماعة على أخرى، ورفض كل الأفكار الساعية لتقسيم العالم إلى "نحن و هم... هذا و ذاك".
وفي هذا المضمار يَختط الرئيس شي نهجاً جديداً في السياسة الدولية، التي طالما استهدفت الضعفاء والجهات شحيحة الإمكانات والموارد والهزيلة في منزلتها.
الرئيس شي لم يُقلل من مكانة دولة ما، بل عظّم دور كل الدول وأدوارها الإنسانية الأبعاد في مجتمع الجماعة البشرية الواحد، فكل واحدة منها لديها ما تقدمه للبشرية، بحيث يكون التكامل الكوني شاملاً، وليتحول إلى واقع مُبدع يطمح إليه الرئيس الصيني ويشاطره ذلك جميع مَن يهتمون بمصير الإنسان.
نقرأ أيضاً أن الرئيس شي لا يُميّز بين دولة وأخرى، ويرفض فكرة الاستعلائية القومية والحكومية كونها معادية للإنسان والدول برمتها، فبلدان الدنيا بالنسبة إليه متساوية في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن مساحتها وعديد سكانها وتاريخها وإمكاناتها وأدوارها الأممية، والأهم هنا هو أن تستطيع كل العواصم العمل سوياً لبناء مجتمع واحد مشترك للجميع، تُلبَى فيه مصالحهم وتطلعاتهم وأمنهم وآمان العالم بمجموعه، وانصهار جميع شعوبه في عملية دولية للعيش المشترك، وبناء الحضارة البشرية بصورة شاملة، وهو ما يَعنى في الواقع المُعاش يومياً العمل وفق شعار "الجميع من أجل الجميع" دون استثناء أحد من عملية التنمية والتفاهم الدولي، التي لا ترى مكاناً لديها لسياسة تفضيل دولة على أخرى أو شعب على آخر، ذلك أن الدول الغنية على مِثال الصين، تُلزم نفسها بالانخراط في عملية تطوير وتعزيز أقتصادات ومواقع تلك الدول التي تتطلع لتلقي المساعدات لتحقيق النهضة، وتذليل التحديات المختلفة التي تعيق تقدمها وريادتها كشح الموارد، والبيروقراطية، وعدم وجود دقة في عملية الاستثمار والتوجيه والإدارة، وهو ما تحاول الصين العمل لمعالجته في بلدان ترجو التعاون الفاعل والمشترك والمتبادل المنفعة مع بكين.
يتبيّن لنا أيضاً، أن المدرسة الفكرية للرئيس شي لا ترى حضارة للبشرية بدون التنوع، فهي ترى أن التباين بذاته لا يدعو إلى القلق، وما يُثير الهواجس هو العجرفة والتحيز والكراهية ومحاولة فرض التسلسل الهرمي على حضارة البشرية، وفرض التاريخ والثقافة والنظام الإجتماعي على الآخرين، لذلك تعترض الصين على كل أشكال التباين المُحرّك للعدوانية، وترى أهمية التنوع الحضاري الطبيعي للبشرية الذي يُحقّق عالم متناغم وغني المضامين. إلى ذلك، تؤكد هذه المدرسة على ضرورة نبذ التحيز الأيديولوجي واستبداله بالسير على طريق التعايش السلمي والمنفعة المتبادلة وتوزيع المكاسب المشتركة.
وليس ختاماُ، نؤيد مطالب الرئيس شي بالعمل على تحقيق التعايش السلمي على أساس الاحترام المتبادل عالمياً، والسعى لإيجاد أرضية مشتركة، وتعزيز التواصل والإفادات الثنائية والجماعية بين كل الدول، وصولاً إلى توليد قوة دافعة ضامنة لتواصل مسيرة الحضارة البشرية لتحقيق التآخي الشامل وإرساء السلام كمستقبل وحيد لازدهار البشرية.
*متخصص بالشؤون الصينية.