الأنباط -
من الظواهر السلبية التي باتت منتشرة في مجتمعنا, ظاهرة سوء الظن والأحكام المسبقة وهو أمر ناتج عن اهتزاز الثقة بالمسؤولين, وهو اهتزاز تغذيه تصرفات بعض هؤلاء المسؤولين, لكن من الظلم تعميم ذلك على كل من يتولى المسؤولية العامة في بلدنا, وهنا لابد من القول أن الرأي العام ليس دائماً على حق, خاصة في مجتمع كالمجتمع الأردني الذي فقد وحدته التعليمية, بسبب تفاوت المدارس التي يتعلم بها الأردنيون من حيث مستوياتها ومناهجها,في ظل المخالفات التي تمارسها الكثير من المدارس الخاصة, التي لا تتقيد بقانون وبفلسفة وبمناهج وزارة التربية.
ومع فقدان الوحدة التعليمية في الأردن تمزق أيضاً النسيج الثقافي, خاصة في ظل غياب الخطاب الثقافي للدولة الأردنية وتراجع اهتمام الحكومات الأردنية المتعاقبة بالثقافة والفنون إلى درجة الإهمال المطلق.
ومع تمزق الوحدة التعلمية, والنسيج الثقافي, تمزقت لدى الأردنيين منظومة القيم والمفاهيم ومن ثم زوايا الرؤيا ومقاييس ومرجعية الأحكام على تصرفات الأشخاص, خاصة المسؤولين منهم, الذين غالباً ما يضعهم الرأي العام في خانة الإتهام, لأن الكثيرين من الأردنيين يعتقدون أن حياة المسؤول مباحة لهم في أدق خصوصياتها, فإن شوهد في فندق من الفنادق صار متهماً بأنه ينفق من أموال الدولة, وإن أقام حفل زفاف لابنه أو بنته في مطعم أو فندق أشارت إليه أصابع الاتهام, حيث ينسى هؤلاء المتربصون أن المسؤول هو في النهاية إنسان من حقه أن يمارس حياته, كما ينسون أن كثيراً من المسؤولين هم بالأصل أثرياء, وأن بعضهم جاء إلى موقع المسؤولية من وظائف في القطاع الخاص كان راتبه فيها أضعاف راتبه الحكومي, ولم تكن حياتهم معرضة للاستباحة دون وجه حق, خاصة عندما يدور الحديث حول حياتهم الشخصية وليس حول أدائهم في مؤسساتهم, وقبل أن يمارس من يتناقل الحدث عن هذا المسؤول أو ذاك المسؤول ثقافة "فتبينوا" المأمورين بها شرعاً, حتى لا نقذف المحصنين والمحصنات. ونعمم تهمة الفساد لأن التعميم من أهم وسائل التستر على الفاسدين الحقيقين .
وعلى ذكر الفساد والفاسدين فإن من تناقضات المجتمع الأردني الناجمة على سوء الظن, أنه يطالب بمحاسبة الفاسدين, لكنه يثور إذا تم اعتقال أحد من منطقته وعشيرته بتهمة الفساد, معتبراً ذلك تصفية حسابات أو انتقائية في محاربة الفساد, وكأن المطلوب استيراد فاسدين من كوكب آخر, حتى لا يغضب أبناء هذه المنطقة أو تلك العشيرة من مناطق الأردن وعشائره.
وبعد: لقد صار سوء الظن ظاهرة مرضية منتشرة في المجتمع الأردني, إلى درجة أن شرائح من هذا المجتمع شككت في وجود فيروس كورونا, بينما تشكك الآن شرائح أخرى بجدوى وفعالية اللقاح, وعلى المسؤول الأردني أن يتحمل, وإلا صار متهماً بالفساد كان الله في عون الجميع.
Bilal.tall@yahoo.com