الأنباط -
بقلم: عبدالسلام الطراونه
تلعثم الكلام في فمي .. وانعقد اللسان لفرط الحزن عليك يا سلمان!! فرحيلك يا بن عمي كسر جناحي .. وقصم ظهري المهدود!!
ولو قُدّر لعقدة اللسان أن تنفك لقلت كلاماً عنك يا عضيدي قوامه مائة الف كلمة سريعة ومتلاحقه وحزينه تعادل في ضخامتها وجعي وما يعتريني من قهرٍ .. وظمأ .. وغربه!!
واستدرك وأقول: يا ربي العظيم .. لا اِعتراض على حكمك يا أرحم الراحمين ولكنني حزين لفقدان عضيدي .. وابن عمي .. ورفيق عمري .. وتوأم روحي سلمان الطراونه !! وسأستعين بالصبر والصلاة على رحيلك يا شبيه والدي في الوسامة والطبع .. والصبر .. والحكمه!!
لقد استعجلت الرحيل يا أبا حسان .. فلِم العجلة يا زين الرجال؟!
أما تريثت يا شبيه والدي من حيث الوجه الصبوح .. وحُسن المعشر.. والصدق .. والطيبه .. وحتى في حبة الخال على صحن خدك!!
أما تريثت يا توأم الروح لتظل قسماتك السمحه تؤنس وحشتي .. وتواسي غربتي .. وأجد فيها السلوى وكأني اتقرى باللمس وجه والدي وملامحه الطيبه حين اراها.. و حين أراك!!
أما تريثت - يا سلمان – حتى نفرح أنت وأنا والعائله باكتمال مشروع زواج (أحمد) .. بعد أن ذبحنا رحيل (حسان) الغالي وادمى القلوب فراقه!!
أما تريثت قليلاً لترى يابن العم وتحضن الحفيد (سلمان) اِبن أحمد ويظل اسمك خالداً بعد أن يرحل رسمك بعد عمر طويل!!
أما تريثت - يا سندي- لكي نرى أنت وأنا ديمومة الفرح في عيون عمتي والدتك الراحله التي نذرت في سابق من الزمن صوماً عن الفرح والكلام الى ان نتزوج أنت وانا.. وحين تحقق ذلك وقسم النصيب افطرت على الفرح .. وزغردت.. وغنّت .. وغنّى معها خريف عمرها لربيع فرحنا!! أما تريثت – يا سلمان- لتسمع بأذنك سيمفونية الخريف وهو يعزف الحانه الصادقه للربيع؟!
أما تريثت, يا رفيق الدرب والعمر ويا حفيد ابراهيم وجعفر, ويامن عشت أنت وانا عصرين اثنين مختلفين .. أولهما عصر المعاناة قبل نيف والف عام حين كان سراج "الظوايه" وبلورة الكاز نمره اثنين والبلوره المتطوره نمره اربعه.. يهدي ابصارنا وبصيرتنا نحو الحرف وتلاوة سورة (الضحى) .. والثاني هو عصر الكهرباء والرفاهيه .. نعم عشنا العصرين لكننا ظللنا في الحالين على حالنا من حيث الصبر .. والقناعة .. والصدق لمحيطنا الطيب .. والوفاء للمباديء القومية النبيله!!
أما تريثت هنيهة, يا ابا حسان, لكي نعاود الاستماع معاً الى اللحن الذي تعشقه أنت وأنا .. والذي يروي كنُه الحياة .. وسر الكون .. ونور الله في قلوب البشر.. وأراك بجانبي, الساعه, تسند خدك على راحة يدك وتصغي اِلى فصول مغناة (سوف أحيا) .. هذه الحكمه القادمه من بعيد ترويها بصوت شجّي سفيرة القمر الى الارض الايقونة الراقيه (فيروز) على النحو التالي:
يا رفيقي نحن من نورٍ الى نور مضينا
ومع النجم ذهبنا.. ومع الشمس اتينا
أين ما يُدعى ظلاماً .. يا رفيق الليل أين؟!
ان نور الله في القلب وهذا ما أرى!
سوف احيا ... سوف احيا ..
ليس سراً يا رفيقي ان ايامي قليله
ليس سراً انما الأيام بسمات طويله!!
آه .. يابن عمي .. أين البسمات الطويله وايام البسمات الطويله في ضوء غيابك الطويل وغياب ضوء العين (حسان)؟! فاعذرني عن اكمال سرد اللحن, يا سلمان, اعذرني فقد خانني الدمع!! وخنقتني العبره!! يا عضيدي!!
أما تريثت يا صاحب المبسم الزين لكي أحكي لك بقية فصول القصة بمعية معالي العم الغالي أحمد الطراونه طيب الله ثراه والذي كان يضحك حتى بانت نواجذه عندما حدثته عن زيارتي لك في (لوس انجلوس) وكنت أنت – يا سلمان – المعزّب وأنا الضيف القادم من (نيويورك) لأتناول وجبة "القلايه" معك .. وعندما التقينا غمرنا فرح اللقاء والاخوّة ونسينا الصحن والقلايه داخل الفرن فاحترق الغداء!! وكان تعليقك على الفور: شايف يا عبدالسلام .. لو (ابو النمر) قفطان كان موجوداً لما احترقت الطبخه !! وضحكنا وقلنا: لعله خير!
ورويت للعم ابو هشام كذلك حين اصطحبتني قسراً لكي اشجع فريقك المفضل لكرة القدم (تروجان) التابع لجامعة جنوب كاليفورنيا التي كنت انت احد طلابها .. فاخذت جهاز التسجيل الضخم على كتفي وقد استبد بي الحماس والقمته الشريط فاذا به يصدح بلحن عربي حماسي .. وتحلق من حولي في الملعب ثلة من المشجعين السود والبيض معاً .. وشرعنا بالهتاف والتشجيع باللغة الانجليزيه وعلى انغام عربية حماسيه!! ولشد ماكانت دهشتك عندما رأيتني وأنا اقف مع المشجعين التابعين للفريق الخصم .. فقلت لي: شو اللي عملته يا بن عمي؟! انك يا عبدالسلام تشجع الفريق الخصم !! يا عيني على هيك تشجيع.. "يا حليلك ياها العوس" !! وضحك ابو هشام رحمه الله وقال مازحاً: بس انت قاصدها!! وكان عمي كلما التقينا يسألني: ها.. يا عبدالسلام.. كيف قلاية سلمان؟! فارد على الفور خمس نجوم!!
أما تريثت يا الغالي ابو حسان, لنلبي انت وانا الدعوة المفتوحه لنا من محمود الاسم والسيره الغالي (محمود الموصلي) والعزيز شقيقه وشقيقنا المرحوم ابو القاسم ونار كرمهما الوقاده دائماً في الكرك وفي مزرعتهما التي تتربع على مرتفعات ومشارف البلقاء حيث الخيول الأصيله المسرجه في المزرعه في انتظارنا للسباق "والطراد".. وحيث يمتزج الفرح مع صهيل الحصان وضحكة الفارس الشهم (ابو فراس) ومع وصلة الهجيني بصوتك وانت تصدح: (يا عيال يا مشرقين اثنين)!! واصداء المقلب الذي نخطط له اربعتنا ( انت وابو فراس وحموده وأنا) لاصطياد (ابو القاسم) وهو عاكف على تجهيز الغداء لنا!!
أما تريثت، يا ابن عمي, لكي احظى بالنظرة الاخيره على محياك السموح واتونس برؤية قسماتك الزينه التي تحاكي قسمات وجه وملامح والدي الوسيم وبهاء طلعته!! أما تريثت لتواسيني انا الذي ادرك ان الموت حد الموت يجري في الاوصال حينما يستهدف الموت من تحب! ! وها قد استهدف الموت من احب!! وها انا اقبع في هذه الدنيا الفانيه في انتظار دوري للحاق بك!!
أما تريثت قليلا – يا عضيدي – لنستعيد شريط الذكريات مع الغوالي أعمامنا الكرام حيث يظلل المشهد البهيج على بيدر الغلال في قريتنا (الحسينيه) .. ابتسامة (ابو زكي) الرضيه والحنونه .. وعتاب (ابو راتب) الرقيق لأن الهديه التي وعدناه بها من الشام لم تصل!! و (ابو حامد) وملامحه الجاده على الدوام لكن مفتاح ابتسامته وسروره موجود معنا أنت وانا !! و(ابو يوسف) العم وصديق الطفوله الذي نحسب لذكائه ومقالبه الف حساب!!
أما تريثت ، ولو للحظه, يا ابا حسان يا من تشيع الفرح والدفء حيث حللت .. لاخبرك باننا اغتبناك - بالخير طبعا - منذ ايام أنا والصديق العزيز (احمد الصعوب) أيام كنا في الشام معاً ندرس بجامعة دمشق حيث كنت –بسلامتك- "تحرفج" على النافوره في منزلنا المشترك .. وتستفرد بها لوحدك لدرجة اننا اسميناها تندراً (نافورة سلمان)! وبعد ان تستكمل وصلة احتلالك للنافوره عند الظهر ننطلق ثلاثتنا من منزلنا في حي الشعلان بدمشق حيث كنا نسكن الى (ساحة المرجه) بواسطة الباص .. وكالعادة نحجز الكرسي الخلفي لنا (اسكارسو) .. وخلال الطريق الى مطعم في المرجه ينطلق الهجيني بوتيرة هادئه ومحببه تستدعي اهتمام واعجاب الركاب الذين يطربون لروحك المرحه .. وسرعة بديهتك وكأن لسان حالهم يقول: شو ها الشباب المنظومين او باللهجه الشاميه (المنزومين) الذين اشعلو الفرح في الباص حال قدومهم!!
أما تريثت قليلاً، يا بن العم الغالي، لاروي لك بقية فصول وجعي والتي أكملها رحيلك المفاجيء وغياب (حسان) الصاعق!! وأهمس في اذن قلبك عن غربتي خلال مسيرة طولها الف عام من سأم وغربة عشتها أنا تحت مسمى (العمر) .. وابوح لك بوجعي في هذا الزمان الرديء الذي يزدهر فيه الطلب على قهب الارض وقهب الرجال .. ومحدثي النعمه.. والهواة.. والمنافقين!!
أما وقد حان وقت رحيلك الى جوار ربك الكريم.. وحل مع الرحيل وجعي ولوعتي وانتظاري للحاق بك.. فاني استعين بالصبر والصلاة على بلوى الفراق .. ولا حول ولا قوة الاّ بالله.
وها انذا, بعد رحيلك, أرفع اكف الضراعة .. وابتهل الى العلي القدير واناجي الذات الالهيه بكل خشوع وايمان وادعو: ( يا رب العباد .. اتوسل اليك بأن تترفق بابن عمي .. وان تشمله برحمتك .. وتفرد له في فردوسك مكاناً .. يا رب العالمين .. فقد كان عبدك (سلمان) مؤمناً صادقاً محباً للخير والناس .. ومضى صادق النيه والطوية .. وقضى طاهر اليد والقلب واللسان .. اللهم آمين!)