الأنباط - بقلم / سارة السهيل
اللؤم والخبث واستغلال الاخرين صفات بشرية مذمومة لدى بني الانسان في كل زمان ومكان لانها ركائز على خبث الانفس وسوء الاخلاق التي تضر بالبشر جميعا وتؤذيهم أيما أذى.
وقد تبارى الحكماء والمفكرين في مختلف الحضارات في التحذير من الشخصيات اللئيمة لتجنب الوقوع في فخاخها المدمرة وأنانيتها المهلكة واستغلالها للآخرين كي تعيش وترعرع.
ومن ذلك الحكمة اللاتينية التي تقول: لطالما أسرفت في لوم نفسك عندما منحت احد الاصدقاء ثقة لا يستحقها وكرما دفعه للتمرد، إذ ليس صحيحا أن الناس جميعهم يتأثرون بكرم الاخلاق وينتهجونها في التعامل معك.
فاللئيم لا يعرف سوى نكران الجميل، ولذلك حذر منه شاعرنا الحكيم أبو الطيب المتنبي في بيته الشعري الرائع:
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمردا .
وهكذا ايضا يُعرف طائر الوقواق بأنانيته واستغلاله للطيور الأخرى، حيث لا يكلف الأبوين نفسيهما عناء بناء عش لوضع البيض فيه، بل تقوم الأنثى بوضع بيضها في عش طيور أخرى لتكون حاضنة للبيض، وعادة ما يفقس بيض الوقواق قبل بيض الطائر الأصلي فيقوم بمحاولات مضنية وهومجرد قطعة لحم ضعيفة لدحرجة بقية البيض خارج العش حتى يستأثر وحده بالطعام الذي يحضره الأبوان الحاضنان اللذان لا يميزان بين صغارهما وصغار الوقواق، وهو مايعكس دناءة فراخ الوقواق تأثرا في جيناته وسلوكه بوالديه الحقيقيين.
فالاستغلال والخيانة والخديعة والمكر من أبرز ما يميز هذا الطائر في تسلقه على حياة الاخرين، ولذلك فان الأوربيين يطلقون تسمية الوقواق بالفرنسية (Cuckold) على الرجل الذي تشتهر زوجته بخيانتها له.
فالكثير من الحيوانات تشبه بصفاتها وسلوكها الكثير من البشر لهذا نقول على هذا ذيب وعلى هذا اسد ونشبه الشريرة بالحيه والتحتانية بالحرباء المتلونة والتي تلدغ بالكلام العقربة واللطيفه بالقطة والجميلة بالغزال او الفرس والرقيقة بالفراشة وللأسف، فاننا قد نصادف الكثير من البشر خاصة في زماننا الذي اختلت فيه موازيين القيم الاخلاقية، يشبه طائر الوقواق في سلوكه ولؤمه وخياناته.
فالام التي تترك صغارها عند والدتها لكي ترعاهم بدلا منها تمارس اقصي درجات الانانية والتخلي عن المسئولية حتى تتفرغ لعلاقاتها مع صديقتها للفسح والتنزه، كذلك الزوج الذي يترك زوجته دون رعاية واهتمام ليفرغ الي لقاء الاصدقاء بالنوادي والكافيهات والمقاهي
بل ان كثيرا من المديرين الذين يلقون بأعباء مسئولياتهم على صغار الموظفين مع توبيخهم وتقزيم جهودهم، وعندما ينجح العمل بجهدهم ينسب هذا النجاح لنفسه. وحتى في مجال الحروب نجد الجنود هم الذين يقاتلون بشراسة وقد يدفعون حياتهم الغالية ثمنا لشرف الجندية وقد ينسب الضباط وكبار القادة العسكرين هذا الشرف لانفسهم.
فاللئيم بطبعه دخيل نعمة يملؤه الكبر والغرور والتعالي على الاخرين مما يعكس مركبات النقص لديه، ويملأه الجحود والنكران للمعروف، بل ان خبث نفسه يقوده الى ايذاء من مد له يد العون وقت الشدة.
فاللئيم يحسب كل شئ بميزان مصلحته الشخصية الضيقة ولا يتوقف طوال الوقت عن الاستغلال والابتزاز العاطفي لمن يحيطون به، ولذلك فان علاقاته الانسانية سواء الزوجية او الصداقة لا تستمر كثيرا، فهو اذا تضاربت مصالحه الشخصية مع احدى هذه العلاقات فانها سرعان ما يدمرها ويعمل على تشويه صاحبه او زوجته او حتى زملائه بل يقاطعهم دون ان يشعر بتأنيب الضمير.
والحقيقة ان اللئيم سواء كان رجلا او أمراة، قد يتذاكى على الاخرين ويظهر عبقرته عليهم، فانه من أغبي انواع البشر لانه يعيش لنفسه فقط ويستثمر فيها دون ان يستثمر في اهله واسرته او مجتمعه، لذلك فهو يشكل خطرا على الاسرة والمجتمع معا لانه يحقق اهدافه من خلال استغلال الاخرين وعندما يفشل في تحقيق أهدافه ينسى فضل الناس عليه بل ويخون من عاهده ويفشي اسراره ويفضحه وينسى اي معروف بينهما.
يبقى علينا ان نكون متيقظين في التعامل مع اللئيم اذا ظهرت فيه عدة خصال منها الوداعة الظاهرية والتي تتطور لاحقا الي ان يكون مستلكا لا يقبل أراء الاخرين ويفرض رأيه عليهم بالقوة ويجد نفسه وحده على صواب ولا يحب النجاح الا لنفسه ويستغل الاخرين وينكر فضلهم ومعروفهم، وعلينا جميعا ان نتجاهل اللئيم ولا نصحابه الا اضطرارا، وننكس اعلام زيفه.
في هذا المجتمع الذي يسري الى الهاوية الاخلاقية كم من وقواق و وقواقه بيننا سواء من الاهل و المحيط و الأصدقاء و المعارف و الزملاء و المدراء الى اخره ممن يظهرون امام الناس احيانا بمظهر البريء اللطيف و احيانا يتباهون و يجاهرون بوقواقيتهم
و هم الخبثاء الذين يحفرون لك كل يوم لاذيتك ومحاربتك في حياتك الخاصة و العامة و العمل و محاولة تشويه سمعتك و صورتك وترويج الاكاذيب و تلفيق القصص و اخذ حقك و الغيرة منك و تقليدك بحسد وليس بغبطة كم نعاني منهم و هم يدعون المحبة امام الناس و في الباطن هم وقاوق
عافانا الله واياكم منهم ومن الوقواق الطائر .
سارة السهيل