الأنباط -
الأنباط -يُنهي قانون الأسلحة والذَّخائر الأردني 68 عامًا دون أن تجري عليه أيَّة تعديلات تعالج التطورات التي حدثت على أنواع الأسلحة وطبيعة المجتمع، بيد أنَّ الحكومة قدَّمت منذ أربع سنوات مشروعًا لتعديله وما زال في أروقة السلطة التَّشريعية.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عادت إلى قانون الأسلحة والذَّخائر رقم 34 لسنة 1952، وقارنته بالمشروع المعدل المقدَّم من الحكومة عام 2016، لتجد انَّ مشروع القانون الجديد يعالج كثيرًا من الاختلالات الواردة في القانون القديم، أهمها تقليص الفئات التي يُسمح لها باقتناء السلاح وتغليظ العقوبات على المخالفين له.
الخبيرة القانونية الدكتورة نهلا المومني قالت لــ (بترا)، إنَّ تعديل القانون من شأنه أن يعالج ظاهرة انتشار الأسلحة بيد الأشخاص الطبيعيين والمسموح لهم باقتنائه، لكن ذلك يجب أن يصحبه بناء ثقافة بين الفرد والدولة وأنَّ السلاح يجب أن يكون محدودًا بيد المستخدمين، للحفاظ على حقوق النَّاس وحمايتهم وتعزيز مبدأ سيادة القانون.
وأضافت إنَّ قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم 34 لسنة 1952 وتعديلاته هو الإطار القانوني النَّاظم وبصورة رئيسية ومتخصصة لعملية تداول الأسلحة وحيازتها، مشيرة إلى انه من خلال دراسةً متأنية لهذا القانون يظهر قصور تشريعي به وضرورة تستدعي معالجة الاختلالات الواردة فيه.
وأشارت إلى أن قِدم التشريع شكَّل عاملاً أساسياً في قصور القانون الحالي عن الإحاطة بالأنواع المستحدثة للأسلحة، حيث يعد القانون من التشريعات الضَّاربة في القِدم، والتي خضعت لتعديلات مجتزأة، لم تراع التطورات التقنية الحديثة الطارئة على المجتمع الأردني خصوصًا والعالم أجمع. ولفتت إلى اتساع النطاق الشخصي للأفراد المسموح لهم بحمل السلاح، حيث يمنح القانون الحالي صلاحيات تقديرية واسعة لترخيص الأسلحة بدون إخضاع هذه الصلاحية لضوابط معيارية وموضوعية وشروط تضمن بقاء هذا الاستثناء في أضيق نطاق، وبصورة تضمن عدم مخالفة خصائص القاعدة القانونية النابعة من مبدأ المساواة المتمثلة في التجرد والعمومية. وأكدت أنّ القانون أبقى جوازية حمل السِّلاح على الرُّغم من تغير المنصب الوظيفي، حيث يجيز القانون للوزراء سواء الحاليين او السابقين، ولأعضاء مجلس الأمة سواء الحاليين او السابقين اقتناء الأسلحة وكذلك للحكام الإداريين. وأكدت عدم الإحاطة بجميع الصور الجرمية الناشئة عن التعامل في الاسلحة، ومرد ذلك بصورة أساسية إلى عدم وضوح المدلول القانوني لمصطلح التعامل في القانون الحالي، وعدم كفاية العقوبات المتعلقة ببعض الجرائم الواردة في القانون؛ لتحقيق مفهوم الردع العام والخاص، مثل جريمة اطلاق العيارات النارية دون داعٍ أو استعمال مادة مفرقعة دون موافقة وغير ذلك، وعدم وجود ضوابط لاستخدام الاسباب المخففة التقديرية في ضوء خطورة الافعال المتعلقة بالتعامل بالأسلحة.
وبينت أنَّ مجلس النّواب الـ 18 وبتاريخ 25 من شهر نيسان عام 2016، قرَّر إحالة مشروع قانون الأسلحة والذخائر لسنة 2016م إلى لجنته القانونيّة؛ لدراسته وإبداء مقترحاتٍ على ما جاء بفحواه، وحسناً فعلت الحكومة بتقديم هذا المشروع الجديد والذي يتضمّن أحكاماً مستحدثة يُلغى بموجبها القانون الناظم للتعامل بالأسلحة الناريّة والذخائر رقم (34) لسنة 1952م.
وأشارت إلى أنَّ مشروع القانون تضمن العديد من الايجابيات أبرزها، التوسع في تعريف الأسلحة للإحاطة بالأنماط المستحدثة منها، وتعريف السِّلاح بصورة توسعت في أشكاله وأنواعه؛ لتشمل أيضا أية آلة أو أداة نصّت الاتفاقيات الدوليّة على اعتبارها سلاحاً، كما عرَّف السِّلاح الاوتوماتيكي والذَّخائر وبندقية الصيد، في الوقت الذي يقتصر القانون بصورته الحالية على تعريف السِّلاح والسِّلاح الاوتوماتيكي فقط.
وأضافت انَّ المشرع وسَّع من نطاق مفهوم التعامل بالأسلحة لتشمل اقتناء أو حيازة أو حمل الاسلحة او الذخائر او استيرادها او تصديرها او نقلها أو تخزينها أو فحصها أو صيانتها أو تصليحها أو الاتجار بها أو التصرف بها بأي صورة من الصور، في الوقت الذي يخلو فيه القانون الحالي من تعريف جامع مانع شامل لمفهوم التعامل؛ ليتمكن الأفراد من ضبط سلوكه وفقًا للفعل الجرمي وليتحقق لديهم العلم اليقيني والفعلي بالقانون.
وقالت إنَّ مشروع القانون ضيق من فئة الاشخاص المسموح لهم باقتناء الأسلحة، حيث اقتصر ذلك على الوزراء وأعضاء مجلس الأمة الحاليين فقط، كما حظر تداول اسلحة معينة من قِبل الاشخاص الطبيعيين وفي مقدمتها الاسلحة الاوتوماتيكية وبنادق الصيد الاوتوماتيكية.
ولفتت إلى أنَّ مشروع القانون اعتبر أن رخص اقتناء وحمل هذا النوع من السلاح ملغاة حكما من تاريخ نفاذ القانون ووجوب ان يقوم من يقتني الأسلحة بتسليمها الى اقرب مركز امني، وسيؤدي هذا التعديل حتمًا الى تقليل انتشار الأسلحة بين الأفراد بصورة ملحوظة، حيث راعى المشرع في اطار هذا النص مبادئ العدالة والانصاف من خلال الزام السلطات بتعويض الاشخاص الذين يسلمون اسلحتهم تعويضا عادلًا.
وأكدت انَّ المشرِّع غلظ العقوبات على مخالفي احكام قانون الاسلحة والذخائر؛ حيث تم رفع الحد الأدنى لعقوبة الحبس، ونص على انه لا يجوز للمحكمة عند أخذها بالأسباب المخففة التقديرية في حالة اطلاق اعيرة نارية دون داع او استعمال مادة مفرقعة دون موافقة تخفيض عقوبة الحبس عن اربعة اشهر والغرامة عن الفي دينار، واعتبر مشروع القانون استخدام هذه الاسلحة في الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي ظرفًا مشددًا.
وتمنت أن يتلافى مشروع القانون بعض الاشكاليات الواردة فيه والتي قد تؤثر على ما تسعى له السلطات جميعًا التشريعية والتنفيذية والقضائية من وضع حدّ لأي تجاوزات لاستخدام الأسلحة أو التعامل بها، خاصة ما يتعلق بعدم كفاية الضوابط القانونيّة المقرّرة لترخيص مهنة الاتجار بالأسلحة والذخائر، وصيانتها، وإنشاء أندية رماية خاصّة، وكذلك الحماية والحراسة الخاصّة؛ حيث علّقت المادة (6/ب) من مشروع القانون ممارسة هذه المهن على موافقة وزير الداخليّة، وكان أحرى بالمشرّع ألاّ يقتصر هذا الأمر على إرادةٍ منفردة، بل إناطة هذا الاختصاص بلجنة مؤلفة لهذه الغاية على سبيل المثال.
وقالت المومني إنّه يجب أن يتم الإسراع في اقرار مشروع قانون الاسلحة والذخائر من قبل المجلس النيابي 19 حيث إنَّ هذا القانون مضى عليه زمن طويل وهو في ادراج السلطة التشريعية على الرُّغم من أهميته .
واضافت إنَّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ انتشار الاسلحة بصورة مخالفة للأصول القانونية والمنطقية أيضا يهدد مجموعة من حقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق في الحياة وفي الأمان الشخصي وفي السلامة الجسدية، مشيرة إلى ان هذه الحقوق مكفولة بموجب الدستور الأردنيّ وبموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي صادق عليه الأردن عام 2006م ونُشر في الجريدة الرسمية وأصبح جزءا من المنظومة القانونية الوطنية، وهذا العهد يفرض التزامات على الدول الأطراف بتعديل تشريعاتها بما ينسجم وبنودها وبما يعزز ويحمي حقوق الإنسان التي يسعى الأردن وبتوجيهات ملكية متواترة على أن تصبح واقعًا ملموسًا. وأكدت أنَّ هذه الحقائق الوجودية اليوم وبعد مظاهر انتشار استخدام الاسلحة النارية تفرض ضرورة بناء مفهوم حقوقي ثقافي؛ للخطر الداهم لمثل أنماط السلوك هذه، يعزز القبول المجتمعي لمشروع القانون نيابياً ومجتمعياً، على أن تقترن هذه التوعية الثقافية بتسليط الضوء إعلامياً على الأضرار الجسدية والمادية الناتجة عن استخدام الاسلحة النارية.
من جانبه، أكد استاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية الدكتور ليث كمال نصراوين أنَّ دراسة إحصائية لمنظمة "سمول ارمز سيرفي" أشارت إلى أنَّ الأردن يحتل المرتبة الرابعة عربيًا و 32 عالميًا من حيث انتشار الأسلحة بين المواطنين، وأن نسبة من يحملون السلاح في الأردن بلغت 18,7 لكل 100 شخص.
ولفت إلى أن هذه الظاهرة الاجتماعية مقلقة وتدعو للبحث في فعالية التشريعات ذات الصلة كما وردت في قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم 34 لسنة 1952 وتعديلاته، فالنصوص القانونية في التشريع الحالي تتضمن أحكامًا غير مقبولة على الإطلاق، وأهمها أنها تسمح للوزراء العاملين والسابقين وأعضاء مجلس الأمة والحكام الإداريين بحمل الأسلحة النارية في مراكز المحافظات والألوية ومديريات القضاء، كما يجيز القانون الحالي لوزير الداخلية أو من ينيبه ترخيص حمل الأسلحة الأتوماتيكية دون أيَّة قيود أو شروط على ذلك.
وقال إن مشروع القانون المعدل للقانون الحالي لعام 2016 والموجود في حوزة مجلس النواب يتضمن نصوصًا وأحكامًا تنظم عملية حمل واقتناء بعض الأنواع من الأسلحة النارية، وتحظر ترخيص فئات معينة من الأسلحة النارية الأتوماتيكية وبنادق الصيد التي تعمل بواسطة مخزن ذخيرة ثابت أو متحرك يتسع لأكثر من طلقة. ولفت إلى أنَّ مشروع القانون المعدل ينص صراحة على اعتبار جميع رخص اقتناء وحمل الأسلحة المحظورة ملغاة حكما خلال ستة أشهر من تاريخ نفاذه، وأنه يتعين على الأردنيين تسليم أسلحتهم المحظورة خلال تلك الفترة الزمنية إلى أقرب مركز أمني، بحيث يحق لمن التزم بهذا الحكم أن يطالب الدولة بالتعويض العادل عن الأسلحة التي قام بتسليمها. واكد أنَّ هناك حاجة ماسة إلى أن يتم إخراج مشروع القانون المعدل من أدراج مجلس النواب، وأن يبدأ النقاش حول ضرورة تعديل النصوص القانونية الحالية، فالاقتراب من هذا التشريع لا يقل صعوبة وتعقيدًا عن تعديل التشريعات السياسية وفي مقدمتها قانون الانتخاب، وذلك بسبب الثقافة المجتمعية الأردنية التي تعتبر حيازة السلاح وحمله مظهرا من مظاهر العز والفخار وإرثا قديمًا لدى الأردنيين، على الرغم من صراحة المادة 6 من القانون الحالي التي تعتبر رخصة اقتناء السلاح شخصية تنتهي حكما بوفاة الشخص الطبيعي الذي صدرت باسمه، ما لم يقم الورثة بتصويب أوضاعهم خلال ثلاثة اشهر من تاريخ الوفاة، وحيث إنَّ هذا النص القانوني غير مفعل وبأن معظم الأسلحة الموجودة بين أيدي الأردنيين قد جرى توارثها، فإنَّ رخص اقتنائها قد انتهت بوفاة المورِّث.
وبين أن تعديل قانون الأسلحة النارية والذخائر بحاجة إلى أن يرافقه تغييرا في الواقع الاجتماعي بحيث يحل مبدأ سيادة القانون كأساس لتنظيم علاقة الفرد بدولته، وأنَّ الدولة القانونية هي القادرة على حماية حقوق مواطنيها، ولا يجوز للفرد تحصيل حقه بيده، وذلك من أجل القضاء على ظاهرة الانتشار العشوائي للأسلحة الفردية بين الأردنيين بشكل يسهم في حماية السلم المجتمعي.
ويذكر ان الأجهزة الامنية جمعت أكثر من 70 قطعة سلاح من محافظات المملكة كافة، منذ انتهاء عملية الاقتراع في الانتخابات النيابية التي جرت في العاشر من الشهر الحالي، بعد أن خرق عدد من الفائزين بعضوية مجلس النواب حظر التجول الشَّامل، وأطلق مناصروهم العيارات النارية من أسلحة حديثة في تجمعات عرَّضت المجتمع للخطر وخالفت اجراءات السلامة العامة التي فرضها فيروس كورونا المستجد على الأردن منذ منتصف شهر آذار الماضي. -- (بترا)