مقالات مختارة

محمد صل الله عليه وسلم رسول السلام والإنسانية

{clean_title}
الأنباط -

د. هدى درويش
أستاذ الأديان المقارنة
جامعة الزقازيق
 
لست هنا بصدد الدفاع عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، الذى اصطفاه الله عز وجل واختاره رحمة ونور وهداية للعالمين، فعظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهديه إلى الخير والتسامح والسلام للإنسانية جمعاء لا تحتاج إلى دليل ولا تخفى على أحد ..حتى على أؤلئك الذين يتعمدون الإساءة إلى شخصه الكريم وعظمته وإنسانيته،
كما أن سيرته العظيمة ومواقفه الشريفة التي ازدانت بها صفحات كتب السيرة والتاريخ وحققتها وأكدتها كتب الحديث الصحيحة من أقواله وأفعاله وأحواله كانت دافعا محركا لفلاسفة الغرب ومستشرقيهم أن يقدموا شهادات منصفة في حق مقامه العظيم صلى الله عليه وسلم .
وكم ظلت سيرته الفذة ومقامه العالي الشريف طوال التاريخ محل مدح وإكبار ممن هم على غير دينه..
نذكر منهم المستشرقة الإيطالية لورافيشيا فاغليري التي أبدعت مؤلفين كاملين عن الإسلام أحدهما بعنوان " محاسن الإسلام "والآخر بعنوان " دفاع عن الإسلام "
فنجدها تقول " كان محمد المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة.
ومنهم أرنولد توينبي المؤرخ البريطاني و الشهير الذى قال " إن محمدًا صلى الله عليه وسلم أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسيًا للحكم الإسلامي. فقدم بذلك لقاعدة التسامح تفسيرًا قوامه أن أفراد هاتين الجماعتين الدينيتين غير المسلمتين، هم أهل كتاب كالمسلمين أنفسم.

أما المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه فتشهد بهذا التسامح الإسلامي العظيم بقولها " المسيحيون والزرادشتيون واليهود، الذين تعرضوا قبل الإسلام لأبشع أنواع التعصب الديني وأفظعها، فقد سُمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم، بممارسة شعائر دينهم. واحترم وحمى المسلمون بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى. أو ليس هذا منتهى التسامح ؟
وها هو المستشرق الفرنسي المعروف إتيين دينيه يقول "... كيف لا يكون المسلم متسامحًا وهو يجل الأنبياء الذين يجلّهم اليهود والمسيحيين فموسى بالنسبة للمسلم هو كليم الله، وعيسى هو روح الله يجب تبجيلهم كما يبجل محمد حبيب الله "
ويستشهد المستشرق الفرنسي بالآية الشريفة {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة 285].
وإذا كانت هذه هي شهادات علماء الغرب وفلاسفتهم ومستشرقيهم عن الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ،
فلماذا الاساءة، ولماذا هذا التعرض لرسول الإنسانية؟.
أما عن ما يجرى من أحداث في فرنسا تجاه رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم . فإننى أرى عدم الانسياق خلف هذه الإساءات والانهماك في الدفاع الذي لن يجدي نفعا مع أصحاب الهوى، فالهجوم على نبي الإسلام لا يعني قناعتهم بما يقولون أو يرسمون أو يكتبون، بل هم بأفاعيلهم تلك يخالفون عظماء مفكريهم الفرنسيين الذين يتغنون ويتفاخرون بأفكارهم ليل نهار من أمثال (لويس سيديو، وإدوارد مونتيه، وهنري ماسيه، وكارادي فو، وهنري دي كاستري، وإميل درمنغم .. وغيرهم كثيرون) ، وما عليهم إلا أن يتصفحوا ويراجعوا ما كتبوه من شهادات منصفة للإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
إن عالمنا اليوم محاط بمشاكل جمة وصراعات وأحداث عنف وتطرف وقتل وارهاب وليس أمامنا سوى اللجوء للسلام والأمان ولن يتحقق ذلك إلا بالتضرع إلى الله لكشف ما نحن فيه والعمل بكل القيم والمبادئ التى أوصت بها الرسالات السماوية .
فالأديان جميعًا تحض على التعايش والتسامح والإخاء بين البشر، ومن أجل ترسيخ هذه المفاهيم تأسست المراكز والمؤسسات الدينية في أوربا ، ونظمت المؤتمرات على كافة الأصعدة الأكاديمية والدينية والسياسية، التي تدعو إلى التلاقح والتواصل بين أتباع الأديان. وقد خرجت كل هذه المؤسسات والفعاليات بنتائج مهمة تحتاج إلى تفعيل أهدافها من أجل نفع البشرية، فهل من المنطق هدم أسس التعايش الديني وقيم الأديان السمحة استجابة لأفكار متطرفة من قبل بعض الأفراد غير العابئين بأية قيم أو فضائل .
فمنذ عهود ونحن نتساءل كيف يمكن توجيه ثقافات الشعوب إلى ركائز للتضامن والسلام من أجل بناء أفق مشترك للإنسانية، انطلاقًا من ان الأديان جميعها هي سلسلة واحدة متلاحقة الأطراف، وما محمد وعيسى وموسى وبقية الرسل عليهم صلوات الله وسلامه إلا نور واحد من مشكاةٍ واحدةٍ، وعائلةٍ واحدة، تتفق على غايات ومبادئ واحدة؛ فالعدالة والمساواة والتسامح والتعاون والإيثار والمحبة وغيرها من الفضائل، ونبذ العنف والإرهاب والتطرف هي جميعًا قيم مشتركة بين الأديان .
وكم تحدَّث أقطاب العلم المهمومون بأحوال الأمم والشعوب عن كيفية تحقيق الإصلاح الإنسانى على الأرض، والبحث عن وسائل لتجنب الصراعات بين أتباع الأديان والمذاهب، والوصول إلى سبل الوفاق والتعاون، حتى يمكن العيش في مجتمعات آمنة يظلها السلام والطمأنينة، فما أفسد قيم الأديان وهدايتها على أهلها إلا المجادلةُ والمنابذةُ مع أهل كل دين معتنقي غير دينهم، كأن كل فريق لا يكون متدينًا حقيقيًا إلا إذا طعن في دين الآخر وفي حياة رسوله.
ولقد واجهت الشعوب والمجتمعات على مر العصور ولا تزال أشكالا وأنواعا وموجات مختلفة من العنف والتطرف الفكرى والدينى، والتدنى الأخلاقى، وأساليب الترويع والترهيب والرغبات الجامحة إلى الفساد والإفساد وغياب الضمائر، وتذبذُب العقائد وخواء القلب والروح وبث الكراهية والبعد عن الفضيلة والانسياق وراء المادية وأطماع السلطة الدنيوية والغطرسة العقلية وما يتبع ذلك من تخريبٍ وقتل وتدميرٍ، وكل ذلك نتيجة لسوء فهم رسالة الدين التي أنزلها الخالق لعباده تكريما للإنسان .
إن الواقع يفرض على شعوب العالم العمل من أجل تفعيل القيم الدينية المشتركة بين أفراد الإنسانية والتي أمرنا بها رب العالمين ، ونبذ كل أنواع العنف والاضطهاد والكراهية وإنه من المجدي أن نستلهم الواقع والقيم الواحدة لتقودنا للبناء والتطور، وإنه على شعوب العالم تناول الخصوصيات الإيمانية ورموز الأديان ومقدساتها بوعي وتفهم واحترام، ولن يتحقق ذلك إلا بالالتزام بتعاليم شرائعنا والاحتكام لقيم الدين وتعاليمه بعيدا عن عبث العابثين.
فالرسالات السماوية تدعو لعمارة الأرض، والحفاظ عليها، والبعد عن إفسادها، وتحث على التمسك بالقيم التي أنزلها الله عز وجل في كتبه، وعلى لسان أنبيائه الذين هداهم واجتباهم للدعوة في سبيله، فهي الضامن والحامي من كل أشكال الفساد الديني والخلقى، وهى الأساس في منع التطرف والعنف والصراعات والحروب التي تشهدها الإنسانية على مر التاريخ.
إن هذه الاساءات في حق أشرف وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ما هى إلا اختبار الهى لمسلمى العالم في مشارق الأرض ومغاربها لنزداد ايمانا ويقينا وحبا واقترابا لرسولنا المكرم المشرف ولنهتدى بهديه أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداه ورسول السلام للانسانية جمعاء .


تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )