الأنباط -
الأنباط -ركزت جلسات المؤتمر الفكري لمهرجان الأغنية والموسيقى التي أقيمت اليوم الثلاثاء في المركز الثقافي الملكي على ثلاث شخصيات فنية وغنائية تنتمي الى جيل الرواد المؤسس للحركة الفنية والغنائية في الأردن.
واستذكر مختصون وأكاديميون في العلوم الموسيقية في ثلاث جلسات عقدت بقاعة المؤتمرات في المركز، لليوم الثاني على التوالي، وتم بثه عبر مواقع وزارة الثقافة، وصفحات المهرجان على مواقع التواصل الاجتماعي دور كل من الفنانين توفيق النمري، وعبده موسى، وجميل العاص في إثراء المشهد الغنائي في الأردن خلال القرن الماضي عبر مجموعة من الأعمال الغنائية والموسيقية الخالدة التي تنتمي الى البيئة الاردنية، وتعبر عن التراث من خلال مئات الأغنيات الوطنية، والأهازيج، وغيرها.
ففي الجلسة الأولى التي حملت عنوان: "توفيق النمري- عبقري الأهزوجة الاردنية بين التلحين والغناء"، قال عميد الاكاديمية الاردنية للموسيقى الدكتور أسعد جورج إن الروائع الغنائية التي أنجزها توفيق، شكلت حالة موسيقية جمالية أثرت المشهد الثقافي والموسيقي الأردني بشكل خاص، وساهمت في تشكيل وجدان المجتمع الاردني وتأكيد هويته.
وبين من خلال عرضه لنماذج صوتية لأغنيات الفنان النمري قدرته على صياغة ألحانه التي تتميز بحداثتها، وتظهر سلاسة صوته، موضحا أن توفيق من أوائل الفنانين الذين كان لديهم القدرة على كتابة المدونات الموسيقية "النوتة" باقتدار.
واشار الدكتور جورج إلى أن اغنيات الفنان النمري تحتوي على الجماليات الصوتية والتنويهات الغنائية التي كان يبدعها، سيما وانها احتوت على حركات وتموجات صوتية على شكل سلاسل نغمية معبرة وسريعة تعبر عنها الجمل اللحنية، بهدف استثارة الدوافع الابداعية لدى المؤدي ما يدفعه الى ارتجالات لتضفي على العمل الغنائي حيوية اكبر.
وتحدث عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة اليرموك الدكتور وائل حداد عن صلة الفنان النمري بالطبيعة وبالمجتمع الاردني وعاداته وتقاليده التي وصفها "بالوثيقة" حيث عبر عنها بمجموعة من الاعمال الغنائية، مشيرا الى الدور الكبير الذي لعبته بلدة الحصن مسقط رأس النمري وشكلت مصدر إلهام لديه.
وقال، "إنه كان ممثلا للأغنية الشعبية الاردنية، بعد أن تعلم على يد الفرد سماوي في إربد آنذاك، اضافة الى محمد فؤاد محفوظ في دمشق، وكان من الأوائل علما ودراية واطلاعا على تدوين أعماله الموسيقية بخط يده، وفقا لأسس وقواعد علمية.
وفي لغة الارقام، أشار الدكتور حداد إلى أن ثلث انتاج الفنان النمري الغنائي كان من الاغنيات الوطنية، ونصفها كان ينتمي الى الاغنيات الشعبية والعادات والتقاليد والقرى والبوادي الأردنية، وهو مؤسس الاهزوجة الاردنية من خلال الاعمال الفنية التي كان يقدمها.
وأوضح ان اعماله الغنائية تميزت بالطابع الشعبي ولم تخرج عنه، بينما كانت جمله الموسيقية مستوحاة من البيئة المحلية حيث تم استخدام الجمل اللحنية الخالية من التعقيد ما ساهم في انتشار اعماله بين الجمهور، وصاحب ذلك امكانيات وتقنيات في الغناء، وقدرات صاغتها ثقافة موسيقية ظاهرة في هذه الاعمال. من جهته، قال عميد كلية الفنون والتصميم بالجامعة الأردنية الأسبق الدكتور عبد الحميد حمام الذي ادار الجلسة، إن الفنان توفيق النمري من أعلام الموسيقى في الاردن الذين قدموا الكثير للأغنية بأسلوبه القروي في (شمال وشرق الأردن) البسيط القريب من القلب والمحبب، وابتسامته الدائمة منذ التحاقه بالإذاعة الأردنية في بدايات ستينيات القرن الماضي، حيث كان اول من غنى في إذاعة القدس.
وأضاف، إن الفنان النمري لم يكتف بموهبته بل كان طموحا في تعلم الموسيقى، وتطوير قدراته حيث درس آلة العود على يد اساتذة في الاردن وفلسطين ودمشق، وهو الوحيد آنذاك الذي كان يقرأ النوتة الموسيقية بين الموسيقيين والفنانين، لافتا الى قدراته في كتابة الشعر، والتلحين، ما انعكس على اغانيه التي كانت تنبه السامع، وتعكس البيئة التي كان ينتمي اليها النمري.
وفي الجلسة الثانية من المؤتمر الفكري التي حملت عنوان: " تطويع آلة الربابة لتقديم الأغنية الأردنية- عبده موسى رائدا ومبدعا"، قال عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة اليرموك سابقا الدكتور محمد الغوانمة، والذي قام بتأليف كتاب عن الفنان موسى، انه تعلم العزف على آلة الربابة منفردا وعلى "السليقة" الى ان التحق بالإذاعة الاردنية في رام الله التي فتحت له ابواب العمل من خلال الاشتراك في برامجها، والتعاون مع الفنانين.
وأضاف، أن موسى التقى بالفنان توفيق النمري الذي أدخل آلة الربابة في الأغنية الاردنية من خلال أغنية "دخلك يا زين"، كما غنى الثنائيات بالاشتراك مع مطربات اخريات من امثال هيام يونس، وغادة محمود، وسهام الصفدي، وغيرهن بمصاحبة آلة الربابة، كما عمل مع فرقة الفنون الشعبية التي جالت في مختلف دول العالم، وقدم الاغنية الاردنية في أرقى المسارح العالمية ونال الثناء والاعجاب
ولفت الدكتور الغوانمة الى أن فن عبده موسى اتسم بخصائص ايقاعية ولحنية أدائية وشعرية، حيث استخدم العديد من الايقاعات العربية الاصيلة في غنائه، وغنى الغناء الموزون، وانجز الكثير من الالحان التي بنيت على المقامات الموسيقية.
وأوضح أن المتابع لفنه يلمس في اغانيه الطابع الشعبي بألحان جديدة، مثل الغناء الشروقي، والغناء المنفرد على الربابة.
وقدم الدكتور الغوانمة نماذج صوتية غنائية للفنان عبده موسى، معلقا عليها أنها "توضح حرفيته في العزف على الربابة، ووضوح مخارج الحروف بأداء حر وجميل، والمدود الغنائية وطلاقة اللسان بحيث تستطيع ان تميز حروف الأغنية بسهولة، مشيرا إلى تنوع اعماله الغنائية حيث غنى القصيدة البدوية والغناء الريفي، وقدرته العالية على اداء مختلف الادوار الغنائية وصناعة آلته الموسيقية بنفسه وإتقانه العزف عليها باستخدام تقنيات عالية، وتأثره بغناء الجزيرة العربية وغناء ما بين النهرين". بدوره، سلط استاذ الموسيقى في الجامعة الاميركية الدكتور علي الشرمان على جوانب اخرى من فن الفنان عبده موسى من حيث استخدامه للمقامات الموسيقية المنتشرة في بلاد الشام وتوظيفها في اغنياته.
وقال "إن الشكل العام لهذه الاغاني هي اغان شعبية، وقد اعاد الفنان بعض الالحان الشعبية التي كانت منتشرة آنذاك في الأرياف والبوادي، صاحب ذلك عبقرية في أداء الغناء الشعبي من خلال المزاوجة بين الريفي والبدوي".
وأشار إلى أن التضاريس الريفية التي كانت سمة واضحة في إربد حيث معيشة الفنان موسى آنذاك، تركت أثرها على هذا الفن حيث ساهمت في إعطائه ميزة في التنوع والانفتاح، أظهرتها نبرة صوت الفنان موسى التي تميز بها واتساع الحرف الأخير في بعض الأعمال الغنائية التي قدمها. ولفت الدكتور الشرمان الى أن الفنان موسى كون أساليب أدائية خاصة به، وتكنيكا في العزف على آلة الربابة. وقال الزميل الصحفي أحمد الطراونة، الذي أدار الجلسة إننا أمام تجربة مهمة ورائدة اسهمت في ايجاد حالة رزينة من الفن والابداع والحضور، مضيفا ان عبده موسى، نقل آلة الربابة من فضاء بيت الشعر الى فضاءات اخرى رحبة.
وأضاف، إنه تميز بالأسلوب والاداء وبطابع موسيقي خاص به جعلته يحوز محبة الناس بصدق، وأصبح أميرا للطرب الشعبي بعد أن تربى جيلا كاملا على ذائقته، وغنى في الكثير من الدول العربية والاجنبية، كسفير للأغنية الاردنية بكل اوجاعها وافراحها، وحاز الكثير من الجوائز، وحظي بالتكريم.
وفي الجلسة الثالثة التي حملت عنوان "جميل العاص والبزق- سيرة شخصية وفنية"، قال عميد كلية الفنون والتصميم في الجامعة الاردنية الدكتور رامي حداد، إن الفنان جميل العاص ساهم في إثراء الحركة الفنية في مجال الغناء الشعبي الأردني.
واشار الى الحانه التي لاقت استحسان الجمهور وخصوصا تلك الالحان التي كانت مع الفنانة سميرة توفيق اللبنانية الأصل والتي أصبحت من أهم مطربات الأغنية الأردنية، الى جانب حضور الفنانة سلوى (زوجته) ومشاركاته الفنية في أكثر من 40 دولة عربية وأجنبية.
وتحدث الدكتور حداد عن حياة العاص الموسيقية والحانه التي بدأت عام 1946 حيث التقى كبار الفنانين ولحن لهم عددا من الأعمال الغنائية، كما تطرق الى تعلقه بآلة البزق وتلحينه الدائم عليها والتحاقه في الاذاعة الاردنية.
وبين حداد خلال الجلسة التي أدراها الدكتور نضال نصيرات، علاقة الفنان العاص بالأغنية الشعبية مطربا وملحنا حيث ارتبط بها ارتباطا كبيرا وساهم في تطوير هذه الأغنية التي كانت الأساس في بدء الحركة الفنية الغنائية في الاردن، لافتا الى اهتمامه بهذه الأغنية من خلال اهتمامه بمرافقة الشيخ رشيد زيد الكيلاني لإجراء مسح للأغاني الشعبية في الضفتين الشرقية والغربية آنذاك.
واستشهد الدكتور حداد بنماذج مرئية لعزف الفنان العاص على آلة البزق التي وصفها بالآلة الغنية بالألحان والفقيرة بالأوتار، مبينا قدرة الفنان العاص على ايصال احساس وايقاع هذه الآلة الى المتلقي من خلال العزف عليها ببراعة، حين طورها بإضافة أوتار جديدة لتصبح بأربعة أوتار. وذكر أهم الاعمال التي قام بها الفنان العاص، ومن بينها تلحينه مغناة "خالدة" التي كتبها الشاعر عبد الرحيم عمر وعرضت في مدينة الحسين للشباب عام 1971 بمناسبة العيد الخمسين لتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية بحضور رفيع المستوى.
وقال الدكتور حداد،" أبرز ما تميز به الفنان العاص استشعار القدرات الصوتية للمطربين وما يناسبهم من الوان غنائية، حين قام بصياغة الحان تناسب امكاناتهم الصوتية، وتجاوزت اعماله الغنائية 500 عمل فني، إضافة الى صياغة الحان للكثير من المسلسلات التلفزيونية".
وقال استاذ العلوم الموسيقية في جامعة اليرموك الدكتور محمد الملاح إن الفنان العاص الذي كانت بداياته في القدس تعلم العزف بنفسه في ظل وجود مراكز وأكاديميات موسيقية متخصصة في ذلك الوقت، مضيفا أن التحاقه بالإذاعة الأردنية ساهم في التعريف به كملحن، من خلال تعاونه مع الكثير من المطربين الاردنيين وانتشاره فيما بعد للتعاون مع مطربين عرب.
واعتبر الدكتور الملاح، الفنان العاص من أشهر وأبرز عازفي آلة البزق في عصره، حيث أن هذه الالة الوترية تحتاج الى تقنيات تعتمد على نمط فريد من نوعه لتقوم بأداء نغمات عربية وشرقية، كما تحتاج الى تكنيك عال وسرعة في عملية الانتقال بين الاصوات المرتفعة والمنخفضة، وهذا ما تميز به الفنان العاص.
هذا، وتختتم جلسات المؤتمر الفكري لمهرجان الأغنية والموسيقى الاردني 2020 يوم غد الاربعاء بجلسة اولى بعنوان: "الأغنية الأردنية بين الحنين الى الماضي والواقع الحالي"، وجلسة ثانية بعنوان" واقع احتراف المرأة الأردنية للموسيقى- تجارب ثرية"، بمشاركة فنانين ومختصين. --(بترا)