الأنباط -
الأنباط -
بقلم/ احمد عبد الفتاح ابوهزيم
السياسة الاحتلاليه الإسرائيلية لفلسطين التاريخية ومحاولات تهويدها، قائمه على حرق المراحل ضمن إطار زمني مدروس بعناية قابل للتعديل حسب مقتضيات كل مرحله، مع إعطاء مرونة كامله لصانع القرار في حينه من اختيار آلية التنفيذ، وكيفية إيجاد العذر المناسب لإقناع الرأي العام العالمي المنحاز قادته ابتداءً بأغلبيته لصالح السياسات العدوانية الإسرائيلية.
وفي السنوات الأخيرة بداء الفارق الزمني بين المراحل يضيق، بداعي الظروف الإقليمية والدولية المناسبة، والانحياز الأمريكي الدائم والسافر الذي ازداد شراسه في عهد الإدارة الحالية التي عملت على توفير غطاء غير قانوني لشرعنة الاحتلال تحت مسمى صفقة القرن، والتي تهدف من خلالها الى تصفية القضية الفلسطينية على حساب الحقوق التاريخية والإستراتيجية للشعب العربي الفلسطيني.
والذي يدعم هذا التوجه، هو الاعتقاد الجازم لدى التحالف الأمريكي الإسرائيلي بان الوقت مناسب لهضم المجتمع الدولي أي قرار بهذا الشأن، ما دام أصحاب الحق من المحيط الهادر الى الخليج الثائر يعانون من الفرقة والتشرذم والاقتتال الداخلي في عدد من دوله، ويعاني بعض حكامه من التيه جراء سياسات عبثيه ظاهرها قومي وباطنها الاحتفاظ بالحكم أطول فتره ممكنه.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة، يشعر كل مواطن عربي انه مستهدف بماضيه وحاضره ومستقبله من هذا الكيان الذي أُنشئ على اعتقاد خرافي يدعوا الى قيام دولة قوميه لليهود في فلسطين، بوصفها حقا لهم بموجب (صك إلهي) مسجل في العهد القديم أو التوراة، يقضي بضرورة الاستفادة المادية لأرض إسرائيل التوراتية قبل عودة المسيح.
وهذا يتناغم مع ما ينادي به اليهود المتشددين، وبدعم منقطع النظير من الصهيونية المسيحية (اقليه مسيحيه متنفذه سياسياً واقتصادياً تتواجد بغالبها في الولايات المتحدة الأمريكية وتلقى هذه الأقلية معارضه شديده من عموم الطوائف المسيحية) التي تؤمن أيضا بان قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتميه وخطوه أولى لأنها تتمم نبوءات الكتاب المقدس بعهده القديم، وتشكل المقدمة لعودة المسيح للعالم حيث سيخوض حربا فيها ضد قوى الشر تسمى معركة هرمجدون (ويكيبيديا).
وما عمليات تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والجولان، والإسراع في ضم وتهويد للأراضي العربية المحتلة بدعم أمريكي، سوى خطوه من خطوات كثيره ستتبعها لتحقيق العودة الكاملة الى ارض الميعاد. بالرغم من معارضة بعض اليهود ومنهم حركة ناطوري كارتا للحركة الصهيونية ولوجود دولة إسرائيل على اعتبار أنها دوله غير شرعيه ومخالفه للتعاليم اليهودية.
ولقد تعاملت الحركة الصهيونية بزعامة تيودور هرتزل بذكاء ودهاء بتقصيد الرفض للمقترحات الداعية بالانتقال الى مناطق عده من العالم لنقل اليهود إليها، وإنشاء دوله لهم ولو مرحلياً، وقد توزعت هذه الأماكن ما بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية واسيا، والملاحظ هنا أن الدول الاستعمارية في ذلك الوقت، واغلبها أوروبية لم تطرح فكرة استيعابهم داخل دولهم أو حتى اقتطاع منطقه أو إقليم داخل أوروبا لإقامة وطن قومي لليهود.
إن الحلم اليهودي بزعم العودة الى ارض الميعاد، وإنشاء دولتهم من النيل الى الفرات تماهى مع ثلاثة أمور تتساوى في الأهمية بالنسبة للدول الاستعمارية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث استفادت وأفادت. فكان الأول يقضي بتوطين اليهود في الأراضي المقدسة واستعمالهم كمخلب قط ضد العرب والدولة العثمانية.
والثاني زرع جسم غريب داخل جسد الوطن العربي المتجانس فكرياً واجتماعياً ولغوياً، وإرهاقه بالإشغال الدائم لإنتاج مولدات الضد من كريات الصد لتثير باستمرار جهازه المناعي في محاوله منه للمحافظة على ديمومته وبقائه، ومنعه من مجرد التفكير بتصدير ثقافته العربية الإسلامية، التي تشكل حسب وجهة نظرهم أكبر خطر قادم من الشرق باتجاه أوروبا، وهذا كان السبب الرئيس للاجتماع (المحاطة تفاصيله بالغموض) الذي دعى له السير هنري كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا في العام 1907.
والثالث كان جزء مما تختزنه ذاكرة بعض الأوروبيين من عداء مستحكم مقترن بالثائر للهزائم المتلاحقة التي لحقت بهم إبان الحملات الصليبية على المشرق العربي. وتستند هذه المقاربة على موقفين لقائدين من الدول الاستعمارية في ذلك الوقت الأول كانت مقولة الجنرال البريطاني إدموند ألنبي الشهيرة في أواخر العام 1917 عندما دخل القدس (الآن انتهت الحروب الصليبية). وقد كتب رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج في مذكراته فرحا بسقوط القدس بيد قواته انه استطاع تحرير أقدس مدينه في العالم.
والثاني في دمشق في العام 1920 للجنرال الفرنسي هنري غورو الذي ينتمي للعقيدة العسكرية الفرنسية الاستعمارية (الهجوم حتى الإبادة) حيث يستنهض صلاح الدين من قبره ليعلمه بمجيئه، بمقولته الثأرية المعروفة (ها قد عدنا). ليستمر الانتداب الفرنسي على سوريا لما يقارب الربع قرن، الى أن استطاع الزعيم والبطل العربي فارس الخوري رئيس وزراء سوريا السابق بحكمته وذكائه السياسي في العام 1946 (في حادثة الجلوس على كرسي مندوب فرنسا في مجلس الأمن) من إقناع مجلس الأمن بإصدار قرار يقضي بإنهاء الانتداب الفرنسي على الأراضي السورية.
إن من يعتقد أن تهافت الجانب الرسمي العربي على التطبيع المباشر وغير المباشر مع إسرائيل ضمن معاهدات سلام أو بدونها منذ ما يزيد عن أربعين عاما جاء وليدة الساعة أو اقتضته الظروف الإقليمية والدولية هو واهم، وتخونه الفطنة في قراءة مجريات الأمور، وما ألت إليه حتى اليوم، وتعوزه الذاكرة ليدرك أن ما تم وسيتم لاحقاً مخطط له من الجانب الأخر ومن يدعمهم بكل دقه وعنايه سواء كان برغبة من الجانب العربي أو بعدمها، بإرادتهم أو رغماً عنهم.
وإذا استلزم الأمر الضغط عليهم بكل الوسائل لاستنزاف دولهم سياسياً واقتصادياً وامنياً، فالتوقيع والتطبيع حاصل بحكم معادلة توازن الضعف بين أقطاره. وما تهيئة الأسباب والظروف المناسبة سوى ذريعة لمحاولة تسويقه وقبوله لدى الشعوب العربية الرافضة لكل المعاهدات وأشكال التطبيع بدون أن يكون هناك سلام عادل وشامل يستطيع من خلاله الشعب العربي الفلسطيني نيل كامل حقوقه.
وبذلك يكون الرفض الشعبي العربي لإسرائيل، ولكل محاولات التطبيع معها ناتج عن سياساتها العدائية من قتل وتهجير ضد الفلسطينيين قبل وبعد إنشائها، وهي المسؤول الأول والأخير عن المعاناة والقهر والاستبداد الذي حل بهم. وما زال هذا الكيان يماطل ويراوغ، ويمارس نفس السياسات، ويضرب بعرض الحائط جميع القرارات الدولية الداعية الى حق تقرير المصير للفلسطينيين، لإنه يتعارض مع معتقداتهم الصهيونية الراغبة بالسيطرة على جميع الوطن العربي مشرقه ومغربه وبكل الوسائل المتاحة وتحت شعار غير معلن يفهم من سياق الأحداث دولة إسرائيل باقيه وتتمدد.
كاتب وناشط اردني