عندما يتعرض الاقتصاد الى ركود او إنكماش بسبب أحداث تمر بها المجتمعات تتوقف الحياة ويتاخر نموها وتطلعها ورقيها.وينظر الاقتصاديون إلى (الكساد العظيم)عام 1929باعتباره الحدث الاقتصادي الأكثر كارثية في القرن العشرين،بينما ينظر لجائحة كورونا الأكثر مأساوية في القرن الواحد والعشرين وما بين الاكثر كارثية والاقسى مأساويه يتحد العالم باعتماد خطة للنهوض لانقاذ الاقتصاد الكلي ،وشواهد التاريخ كثيرة بدءا من خطة الكساد العظيم في الثلاثينات الى خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية ثم خطة الانقاذ المالي لازمة 2008 واخيرا خطة النهوض لما بعد كورونا.
ونستشهد بخطة الانقاذ للكساد العظيم عام 1929 وهو(الأطول والأعظم في تاريخ العالم الحديث، حيث بدأ مع انهيار أسواق الأسهم في عام 1929 ولم ينته حتى عام 1939).
وخطة انقاذه تحققت من ثلاثة محاور تم الارتكاز عليها للخروج من الكساد الاقتصادي وهي(التخلي عن المعيار الذهبي) وتخفيض(قيمة العملة)واللجوء الى(زيادة الإنفاق الحكومي على الوظائف وبرامج الرعاية الاجتماعية الأخرى وخصوصا برنامج الصفقة الجديدة في عهد الرئيس الأمريكي روزفيلت، واخيرا الإنفاق العسكري الكبير في الولايات المتحدة والذي ساعد على خفض مستوى البطالة).
اما خطة مارشال المشهورة في الفكر الاقتصادي
والمعروفة ( رسميا ببرنامج الانتعاش الأوروبي) هو برنامج اقتصادي وافقت عليه أمريكا منتصف عام 1947 لتشجيع الدول الأوروبية على العمل معا،ويقضي بدعم مالي لإنعاش الاقتصادات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وأطلق عليه اسم مشروع مارشال، لأن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال كان أول من اقترحه) وكانت الهيئة التي اقامتها حكومات غرب أوروبا للاشراف على انفاق 13 مليار دولار أميركي قد سميت(منظمة التعاون والاقتصادي الاوربي)وقد ساهمت هذه الخطة بمعالجة الركود الاقتصادي المتسبب بظروف الحرب العالمية الثانية.
وبعد تعرض الاقتصاد لازمة الفقاعة عام 2008 ورغم كونها شكلت (صدمة سلبية على جانب الطلب والتي تم مواجهتها من خلال السياسات المالية والنقدية التوسعية لدعم الإنفاق الكلي)كمعالجة مماثلة لمواجهة الازمات المالية التي عصفت به قبل عام 2008 حيث تمكنت الدول من ان تحد من الاثار السلبية لتلك الازمات.وسرعان ما أدرك خبراء الاقتصاد أن صدمة عام 2008مختلفة عن مثيلاتها.
وبمناسبة ذكراها كتب الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل،P.Krugman (مقال أنيق) ذكر فيه مدى (ضآلة التغيير الذي طرأ على المناقشة حول أسباب ونتائج الأزمة على مدار العقد المنصرم. ففي حين أنتجت أزمة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين اقتصاد J.Keynes، وأدى الركود التضخمي في السبعينيات إلى إنتاج مدرسة M.Friedman النقدية،لم تنتج أزمة الركود العظيم أي تحول فكري مماثل).
ولكون الجائحة اصابت الاقتصاد العالمي في مقتل واجلسته ولازالت في قعر الكساد لعدد من الاشهر، نهض الاتحاد الاوربي بخطة(النهوض الاقتصادي) التي تعد الاكثر اهمية في تاريخ الاتحاد ولربما اكثر اهمية من الاعلان عن الاتحاد واعتماد اليورو كعملة موحدة.
واساس ذلك التعاون ينطلق من محور مهم قاعدته ان التغلب على الكساد الاقتصادي الدولي بسبب كورونا(قائما على الحاجة إلى عمل دولي جماعي ينحي التنافسية جانبا لبعض الوقت،من أجل عمل تعاوني ينهض بالاقتصاد الدولي).
وبعد قمة(ماراثونية)استمرت خمسة أيام في
بروكسل توصل قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 صباح الثلاثاء7/20، إلى اتفاق على(خطة تاريخية للنهوض الاقتصادي لمرحلة ما بعد جائحة كورونا)
وتشير بعض التقارير الخاصة بالقمة عن(انتهاء المعركة الشرسة التي دارت بين الدول "المقتصدة" من جهة وفرنسا وألمانيا من جهة ثانية حول هذه الخطة البالغة قيمتها 750 مليار يورو والتي سيتم تمويلها للمرة الأولى في تاريخ التكتل بواسطة قرض جماعي، تضاف إليها ميزانية طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي (2021-2027) بقيمة 1074 مليار يورو)
إن هذه الخطة الضخمة التي توصل إليها الاتحاد الأوروبي من أجل إنعاش اقتصاداته المتضررة بشدة من كورونا(أظهرت أن دول التكتل الـ 27 تمكنت من الوقوف معا بإيمان مشترك في مستقبلها).
لقد اقر الاتحاد الأوروبي انشاء صندوق ضخم للتعافي من آثاركورونا مما يشير الى أن(دول الاتحاد قادرة على العمل معا حتى خلال أكبر أزماتها، فضلا عن استعدادها لسلك مسارات جديدة في ظروف غير معتادة)
يعبر احد الاقتصاديبن عن هذا الاتفاق إلى أن أوروبا (قوة عمل،والأمر أكثر كثيرا من مجرد أموال،إنه يتعلق بالعمال والأسر ووظائفها وصحتها وضمانها الاجتماعي)مما جعل هذا الاتفاق لحظة فارقة في رحلة أوروبا وسينطلق بها إلى المستقبل).
ورغم اننا نعيش في قعر الكساد لم نسمع من متخذي القرار عن خطة نهوض بالاقتصاد العراقي خلال وما بعد كورونا مما يساعدنا القول اننا نسير بطريق عشوائي غير مخطط يترك معالجته الى الحظ وسيصيب حياتنا والاجيال القادمة