الأنباط -
احزنني رؤية بعض غريبات الشكل اشباه النساء يتصدرن التظاهرة النسوية امس الاول وتذكرت عمتي شقيقة جدي الشيخة أم حسيب رحمهما الله، هي من مواليد العقد الاول من القرن الماضي في إربد، نشمية من نشميات هذا الوطن، تميزت عن غيرها من نساء ذاك الزمان، كانت أنقى وأجمل ذاكرة وطن، منها كنت تعرف كل شئ عن تاريخ شمال الأردن ورجالاته من الرعيل الأول، عن الرجال الذين كان القتال والبذار هو سبيلهم الوحيد للعيش، منها كنت تعرف كيف كُن نِسَاء إربد وقراها يشحذن همم الرجال للأشياء الكبيرة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالكرامة ومواقف الرجولة، من بين يديها أبصر النور معظم رجالات إربد العظام ونسائها الجليلات، كانت رائحة هيل قهوتها عنوان المكان وبطاقة دعوة لكل ضيف يمر بالجوار، ومضافتها كانت استراحة ركب القادمون من الأغوار الشمالية وقرى غرب إربد، كانت عبارة "وين المعزبين" هي كلمة المرور لدخول المضافة وتناول قسط من الراحة وشرب القهوة ومشاركة اهل البيت طعام الافطار او الغذاء، كلمتها كانت هي العليا ورأيها هو السديد وعندما تتكلم ينصت الجميع، لم تخرج ام حسيب يوما للتظاهر او الاعتصام للمطالبة بحقوق المرأة او للمساواة بين الجنسين، لانها هي التي كانت تصنع حقوقها بفعل الفطرة التي تربت عليها وادراكها لحقوقها التى إستمدتها من طبيعتها ذاتها وانوثتها وجزيل عطائها لاسرتها وليس من نظم وتشريعات صنعها البشر، لم تستسلم ولم تستجدي بعد وفاة زوجها وهي في ريعان الشباب، بل واجهت صعاب الحياة بثقة ويقين وسطرت ملحمة انسانية تؤكد أن المرأة هي الأصلب في المحن والأشد في مواجهة الأزمات، ضحت وكافحت وتمردت على الظروف، واثبتت قدرتها على تخطي التحديات والتعامل مع الصعاب لتقدم أبناء يفخر بهم الجميع، والوصول بهم الى الغاية النهائيه فى الحياة وهي ان يكون الانسان حرا سعيدا .. لقد طوى رحيلها رحمها الله قبل ثلاثة عقود ونصف صفحة جيلٍ كامل من المكافحين الاوائل الذين صنعوا لمدينة إربد ماضيها الجميل ومستقبلها المشرق، أُوصدت بعدها الابواب وما عادت رائحة الهيل تعبق بالمكان، ولم تعد تُسمع ضحكات الساهرين في حوشها في مساءآت الصيف الجميلة .. رحمك الله يا ام حسيب ورحم أبائنا وامهاتنا المكافحين الذين صنعوا وتركوا لنا إرثاً وتاريخاً نفتخر به، فلمثلكم تُرفع القبعات .
د. عصام الغزاوي.