تغريم مجلة ألمانية بسبب مقابلة وهمية مع شوماخر بتقنية الذكاء الاصطناعي هل يمكن الإصابة بجرثومة المعدة دون ظهور أعراض؟ كيف نهزم إدمان وسائل التواصل الاجتماعي ؟ بوليفارد العبدلي من التعثر إلى النجاح فوائد تناول الحليب على وجبة العشاء فوائد خل الثوم تفوق التوقعات.. أبرزها الوقاية من السرطان وزير الداخلية يتفقد عددا من الوحدات الإدارية في الكرك دخول الرئيس التشيكي إلى المستشفى جراء حادث دراجة نارية ولي العهد الأمير الحسين يعزي الفنان حسين السلمان 100 الف راكب مستخدمي الباص سريع التردد بين عمان والزرقاء من منتصف الشهر الجاري 10 فوائد صحية لشرب عصير المانجو في الحر مشكلات صحية تصيب الأطفال فى الطقس الحار مقررة أممية تدعو للتحقيق بارتكاب إسرائيل أعمال تعذيب بحق فلسطينيين الأردن يشارك في اجتماع اللجنة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة إطلاق موقع إلكتروني جديد لتلفريك عجلون مديرية الأمن العام تنفذ حملة للتبرع بالدم الحكومة: ارتفاع سعر البنزين 90 واستقرار الـ 95 وانخفاض الديزل عالميًا الخريشة: تحصين قانوني الانتخاب والأحزاب من التعديل بشرط موافقة ثلثي النواب أبو السمن يتفقد مشروع مستشفى الأميرة بسمة ويزور بلدية غرب إربد كازاخستان والولايات المتحدة تواصلان الحوار البناء بشأن حقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية
مقالات مختارة

تطوير (أقسام العلوم السياسية) بالجامعات، وعمل (توازن منهجى موضوعى) ما بين المصطلحات والمناهج الصينية والأمريكية والغربية

{clean_title}
الأنباط -
دراسة تحليلية جديدة مقدمة من الباحثة المصرية لصناع القرار فى مصر و (دول مبادرة الحزام والطريق الصينية)، بشأن:

تطوير (أقسام العلوم السياسية) بالجامعات، وعمل (توازن منهجى موضوعى) ما بين المصطلحات والمناهج الصينية والأمريكية والغربية فى دراسة حقل العلوم السياسية، من خلال تقديمى لكيفية دراسة العلوم السياسية داخل الجامعات الصينية، وداخل الجامعات الأمريكية والعالمية ذاتها

 
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- خبيرة فى الشئون السياسية الصينية- محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا

جاء إهتمام الباحثة المصرية كمتخصصة فى الشأن السياسى الصينى بتطوير حقل العلوم السياسية فى مصر والمنطقة – من وجهة نظر صينية بالأساس – نتيجة لإحساس شخصى بــ (الغربة) فى المقام الأول - لأننى أنتمى لــ (المدرسة السياسية الصينية) فى العلوم السياسية أكثر من إنتمائى للمدارس الأمريكية والغربية التى يتبناها الجميع. لذا، حرصت منذ بداية إشتغالى وعملى فى الحقل الأكاديمى السياسى على التقارب بشدة مع الأكاديميين الصينيين والأجانب ممكن يشاركوننى نفس النقطة البحثية كخبراء فى الدراسات والشئون السياسية. كان ومازال أقرب الأصدقاء تماماً إلى قلبى – والذى إتصلت به اليوم كى أستئذنه فى التنويه والإشارة لإسمه وضحك كعادته مبتسماً وهو يطلب منى أن أفعل ذلك فوراً - وذلك قبل أن أرسل هذه الدراسة أو التقرير البحثى للنشر – هو البروفيسور الدولى المعروف (رائد الدراسات الصينية) فى العالم، والذى بلغت حجم مؤلفاته فى الشأن الصينى أكثر من (80) كتاب، والذى يشاركنى نفس صداقاتى وعلاقاتى الدولية للرفقاء فى (الحزب الشيوعى الحاكم) فى الصين، البروفيسور (ديفيد جودمان)، أهم وأشهر البروفيسورات فى العالم فى حقل (الدراسات الصينية)، والذى تجمعنى به صداقة عميقة على المستويين الأكاديمى والشخصى، ويحرص كلانا على التواصل والتشارك الفكرى يومياً حول حالة (الحقل السياسى الصينى) وتطوراته سواء داخل أو خارج الصين، ونتائج إصلاحات الرئيس الصينى (شى جين بينغ) والحزب الحاكم فى الصين، ليس ذلك فقط، بل أن الدكتور (ديفيد جودمان) هو (نائب رئيس جامعة شيان جياوتونغ – ليفربول) الشهيرة فى مدينة (سوتشو) الصينية، وهى فرع من جامعة (ليفربول) الإنجليزية الشهيرة، أسسها الصينيون فى مدينة (سوتشو) الصينية، وقاموا جميعاً بإختيار البروفيسور العملاق صديقى الرائع رائد الدراسات الصينية فى العالم (ديفيد جودمان) كنائب لرئيس الجامعة لفرع جامعة (ليفربول) الإنجليزية فى الصين.




والمفاجأة الأبرز، هى تشجيعه وإختياره لى للإلتحاق معه تحت إشرافه الشخصى المباشر لعمل دراسات متعمقة فى الشأن الصينى فى نفس فرع جامعة (ليفربول) الإنجليزية فى الصين بترحيب كبير من كافة الأطراف الصينية والإنجليزية.
وأنا قد آثرت فى البداية أن أبدأ تلك المقدمة الطويلة بالحديث عن بروفيسورى المفضل (عالمياً) فى حقل السياسة الصينية، والحديث عن عمق الصداقة الشخصية التى تربطنا سوياً، وإهتمامه الدائم بتطورى البحثى والأكاديمى، وبإعادة (الصياغة اللغوية الإنجليزية لأبحاثى) كلها بنفسه عن الصين، لأننى أحرص على نشر جميع أبحاثى "دولياً" باللغة الإنجليزية حتى يسهل تداولها دولياً فى مجلات تهتم فقط بالشأنين الصينى والآسيوى. وما أردت أن أذكره أن البروفيسور (ديفيد جودمان) كان ومازال يلعب نفس (منطقة التوازن النفسى والأكاديمى) فى حياتى، بمشاركاته جميع كتاباته ومؤلفاته عن الصين قبل أن يسعى لنشرها حتى أبدى رأيى فيها، ونفس الأمر أصنعه، فما أن تتبادر إلى ذهنى أى فكرة عن الصين، حتى أسارع بالكتابة والإتصال بديفيد، كى أسأله عن (المنهج أو الإقتراب البحثى والمنهجى) الملائم لموضوع دراستى، أو الإتفاق على (صياغة عناوين أبحاثى الجديدة) عن الصين، أو الإتفاق على أن يجمعنا (مؤلف مشترك) واحد أيضاً عن الصين، أو تسهيل تواصلى مع (دور نشر إنجليزية وعالمية) بعلاقاته الوطيدة معهم للإتفاق على (نشر أحد عناوين كتبى الجديدة ما بعد جائحة كورونا والتى قد إنتهيت منها، وأعاد تحريرها وصياغتها إنجليزياً بلغته الأم صديقى ديفيد، كمدارس أو نظريات جديدة أقدمها بالأساس للمجتمع الأكاديمى الدولى كمنطلقات فكرية جديدة) ما بعد أزمة (كوفيد-19).
وأنا أعلم أن الكشف عن هوية بروفيسورى المفضل فى عالم السياسة الصينية عالمياً لهو أمر سيثير إندهاش البعض منكم عن سبب تلك المقدمة الطويلة للحديث عن خبير الدراسات الصينية العالمى، والمقرب من الدوائر الصينية الرسمية (ديفيد جودمان). هو مشروعى البحثى الجديد الذى أرسلت بصدده (رسالة رسمية) إلى مكتب رئيس مجلس الدولة الصينى (رئيس الوزراء) السيد/ لى كه تشيانغ بشأنه عن: (تطوير حقل دراسات العلوم السياسية فى مصر والمنطقة وجميع الدول المشاركة فى مبادرة الحزام والطريق الصينية)، وعمل (توازن بحثى) بين المدارس الأمريكية والغربية ونظيرتها الصينية ما بعد (كوفيد-19).
لأن مشروع (تطوير أقسام العلوم السياسية) فى مصر والمنطقة ودول الحزام والطريق هو شغلى الشاغل منذ عدة سنوات، نتيجة لبعدين (نفسى) وعدم قدرتى نفسياً على مجاراة أقرانى وزملائى الآخرين فى إستخدام مفاتيح ومنطلقات فكرية ومنهجية تكرس دوماً لنظريات الهيمنة الأمريكية والغربية على حقل العلوم السياسية، أو حتى مع فشلنا الذريع – وأعتذر لذلك – فى إنتاج (حقل علوم سياسية وعلاقات دولية إسلامى قادرين على فرضه وتدريسه على العالم) مثلما فعل معنا الغرب والأمريكان بفرض شروط دراسة العلوم الإجتماعية والإنسانية والسياسية والعلاقات الدولية من منطلقاتهم وشروط وتحيزهم المطلق لهوياتهم الليبرالية والعلمانية دون حتى أن نكون قادرين على طرح البديل.

وإسمحوا لى أيضاً، أن أبدى تحفظى – قبل أن أنهى هذه النقطة، على ما يسمى تطوير حقل الدراسات السياسية من منظور إسلامى – ربما لأنه طرح قديم لم يتم البت فيه فعلياً أو تطويره، أو بسبب (تحفظى الشخصى عليه أيضاً) بأن ذلك سوف يفتح باب الجدل العقيم ما بين مطورين آخرين وفقاً لتحيزاتهم الضيقة ما بين إسلامى ومسيحى ويهودى وربما بوذى وبهائى وزرادشتى وفقاً لمناهج السياسة فى كوريا الشمالية، وغيرها. والمحصلة التى ربما نخرج منها جميعاً، هى حالة التنافس الأكاديمى بيننا لتطوير الحقل السياسى من (منظور دينى ضيق)، مما يخلق سجالات وحروب لن تفيد البحث العلمى الذى نحتاج لوضع (قيمنا) وأطروحاتنا عليه، بعيداً عن مبدأ (النقل) من الغرب والقص واللزق فى مناهجنا، وهو ما يجعلنى أتحفظ (أكاديمياً) على ذلك، مع عدم وجود (بديل) مناسب لدى، نظراً لإلتزامى الحرفى بالمناهج الدراسية فى قسم العلوم السياسية وبموضوعاتها وعدم إمكانية الخروج عنها.

ولعل هذا الأمر أو الموضوع الجديد الذى أفتحه معكم وأطرحه عليكم، وأنا هنا أعنى - المتخصصين فى حقل العلوم السياسية - بالأساس، ثم جمهور العامة ربما برؤيتهم البعيدة التى يمكن صياغتها فى قالب بحثى أكاديمى يناسب الحقل السياسى بعد الإستماع إلى آراء الجميع، هو الإستفادة من (المصطلحات السياسية الصينية الجديدة): مثل: (المصير المشترك للبشرية، تبادل المنافع، رابح – رابح.... إلخ)، والإرتقاء بمناهج العلوم السياسية فى أقطارنا لعمل (توازن منهجى موضوعى ما بين الصين وأمريكا والغرب فى دراسة حقل العلوم السياسية)، لأن الحادث الآن هو إفراز خريجين يكاد لا يعلمون شيئاً عن المناهج السياسية الصينية كقوى عظمى فى العالم، وربط أبنائنا بمدارس فكرية أمريكية وغربية بما تعمقه لديهم من شعور بالضعف والهزيمة، لحديثها الدائم عن قيمها العلمانية وتصوراتها للكون والحياة والسياسة والهيمنة والسيطرة والقوة والنفوذ ومصالح الفرد على حساب الكل.... إلخ. فكانت النتيجة (المستقبلية) هى سعى أبنائنا خريجى أقسام العلوم السياسية للغرب وواشنطن، لتعميق مفهوم (الهيمنة) و (الإحساس بالذات) ضد أى قيم أو هويات أخرى. فتدريسى مثلاً لمنهج (النظرية السياسية) للفرقة الثالثة علوم سياسية قد إضطرنى دوماً للحديث عن مدارس (الحداثة وما بعد الحداثة) وشرح مفاهيم (العلمانية) والسلوكية، وما إلى ذلك، كمنهج كنت ومازلت مرتبطة به دون إمكانية التعديل عليه لأنه ليس من سلطتى. وحتى أكون أمينة معكم ورغم حالة (التطور الفكرى) التى أحياها وحالة (النشاط الذهنى) الدائم التى يرانى الجميع عليها، إلا أننى سأعترف لكم إعتراف صادم، ألا وهو أننى كأكاديمية (متواضعة المستوى) ربما لأن هناك أمور تستدعى التطوير من منطلق قراءاتى ومتابعاتى المستمرة حول العالم، إلا أننى ملتزمة بتدريس نفس المناهج والأفكار القديمة، لأننا قد (توقفنا هنا).... نعم، هذا هو التوصيف الذى تبادر إلى ذهنى على الفور، وأنا أفكر عن (البديل) و (ما الحل)؟... وأنا هنا أعتقد، أنه كان لزاماً على عمل تلك المقدمة الطويلة قبل أن أطلعكم على حالة حقل العلوم السياسية وكيفية تدريسه فى الجامعات الصينية؟. مع إعدادى لدراسات أخرى سأوالى نشرها تباعاً بشأن (العلوم السياسية الصينية والمجلات البحثية الصينية فى مجال العلوم السياسية والجمعيات السياسية الخاصة بخريجى أقسام العلوم السياسية الصينية بالأساس)، كعمل وجهد أكاديمى (وطنى بالأساس) لإطلاعكم على وجه آخر لم تألفوه عن حالة الحقل السياسى صينياً فى الداخل.
ولعل الخبر الذى قرأته منذ عدة أيام عن التعاون الذى تم بين عدة جهات رسمية صينية لتطوير حقل الدرسات الصينية فى إطار (مبادرة الحزام والطريق) الصينية، بالشراكة بين: (أمانة الدراسات الدولية والإقليمية التابعة لوزارة التعليم الصينية، معهد الدراسات الإستراتيجية لطريق الحرير بجامعة شنغهاى للدراسات الدولية، ومركز منظمة التعاون الإسلامى التابع لوزارة التعليم الصينية) من أجل بناء نظام مناهج التعليم فى إطار مبادرة "الحزام والطريق" فى جامعة شنغهاى للدراسات الدولية.
ولعل ما أستوقفنى فى طبيعة هذا الخبر المهم بالنسبة لى، بإعتبار ذلك هو نفس ما أهدف إليه، من تطوير لحقل الدراسات الصينية السياسية فى جامعاتنا المصرية بالأساس، هو طبيعة ذلك التطوير الصينى لمناهج (مبادرة الحزام والطريق)، وهو ما ناقشه الجانب الصينى الرسمى بالفعل، بمشاركة خبرائه حول (طبيعة محتويات نظام مناهج التعليم في إطار "الحزام والطريق"). والملاحظة الجديرة بالإعتبار هى القرار الصينى بإضافة هذا النظام الجديد فى كافة مراحل (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه)، بل وتطوير هذا النظام الجديد كى يشمل مرحلة (ما بعد الدكتوراه) ودور نظام مناهج التعليم الصينى الجديد فى إطار مبادرة "الحزام والطريق" كمؤشر لإنفتاح التعليم الصينى فى العصر الجديد.
وبسبب تلك التطورات الجديدة، آثرت أن أرسل رسائل لجميع الأطراف، وعلى رأسهم صناع القرار فى وطنى الحبيب (مصر)، فضلاً عن تلك الدول المشاركة فى "الحزام والطريق" كخطوة هامة فى حياتى الأكاديمية والبحثية، وكأسلوب عمل جديد ونهج أتبناه لفرض (واقع جديد)، هو (واقع الدراسات السياسية الصينية) بمنطلقاتها الفكرية سواء فى إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وما بعد أزمة (كوفيد-19). مع تحمس الجانب الصينى الرسمى وجميع الأطراف فى بكين لمشاركتى نفس الفكرة.
 
*** وأبرز القضايا التى سأناقشها فى هذا الملف المهم، تجمع بين (قضايا عملية) وأخرى (نظرية)، لمساعدة كلاً من صناع القرار والمتخصصين فى حقل (العلوم السياسية) على تفهم كافة القضايا الجدلية التى صاحبت دراسة وتطور حقل (العلوم السياسية) فى الصين، كالآتى:
- أولاً: لماذا الحاجة لدراسة حقل العلوم السياسية وتطويره من المنظور الصينى؟

- ثانياً: دور الحزب الشيوعى الحاكم والقيادة السياسية فى الصين للرئيس (شى جين بينغ) فى (تطوير العلوم السياسية) والعلوم الأخرى فى الجامعات الصينية ما بعد أزمة (كوفيد-19) – مع عرضى لأمثلة عملية لأوجه (التدريب التطبيقية فى كليات العلوم السياسية والقانون) فى الصين
- ثالثاً: مسارات فهم النظام السياسى فى الصين
- رابعاً: بداية ظهور حقل العلوم السياسية فى الصين
- خامساً: حالة مجال العلوم السياسية الصينى
- سادساً: تحديد إنضباط العلوم السياسية فى السياق الصينى
- سابعاً: تطورات وإنجازات العلوم السياسية الصينية
- ثامناً: إضفاء الطابع المؤسسى على العلوم السياسية فى الصين
- تاسعاً: الإنجازات الصينية فى إنشاء المجلات والجمعيات الخاصة بحقل العلوم السياسية
- عاشراً: تدويل العلوم السياسية فى الصين
- الحادى عشر: تحديات على مفترق الطرق (التوتر بين التغريب والتوطين)
Westernisation and indigenisation
- الثانى عشر: تنامى الجدل فى الإختيار ما بين (العلمية والتعددية المنهجية) فى مجال العلوم السياسية الصينية
- الثالث عشر: التوازن بين "برج العاج" و "الملاءمة العامة" أو "الأهمية الإجتماعية"
"Ivory tower” and Public Relevance

- الرابع عشر: ننظر إلى الوراء للمضى قدماً (بمعنى ربط الماضى بالحاضر) لفهم تطور العلوم السياسية الصينية


- أولاً: لماذا الحاجة لدراسة حقل العلوم السياسية وتطويره من المنظور الصينى؟

لقد شهدنا التحول الكبير فى الدراسات الصينية، وخاصة الدراسات السياسية الصينية، فى الثلاثين عاماً الماضية، خاصةً مع طرح (مبادرة الحزام والطريق) الصينية، وما تلاها من إستخدام لمصطلحات ومفاهيم ومنطلقات فكرية (صينية) جديدة لم تكن متداولة من قبل، بسبب التغيرات فى الصين ومكانتها المتزايدة فى العالم وكذلك التغيرات فى طرقنا لإجراء البحوث.

وبصفتنا متخصصين فى العلوم السياسية أو دراسات المناطق كما هو حالى معى بتركيزى الشديد على الشأن الصينى أولاً ثم الآسيوى فى مجمله، لم نعد "معزولين" عن التخصصات الأخرى للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، ولكننا يجب أن نكون جزءاً لا يتجزأ منها. تحتوى هذه الدراسة المتواضعة منى – كخبيرة فى الشئون السياسية الصينية - حرصت على عرضها بــ (وجهة نظر صينية)، على مساهمات مبتكرة نظرياً لعلماء سياسيين بارزين من داخل الصين وخارجها لحقل العلوم السياسية الصينى، والذين يقدمون معاً لمحة عامة محدثة عن حالة مجال الدراسات السياسية الصينية، ويجمع بين البحوث التجريبية والمعيارية بالإضافة إلى الإستكشاف النظرى ودراسات الحالة، إستكشاف العلاقة بين حالة العلوم السياسية الغربية والدراسات السياسية الصينية المعاصرة، ودراسة منطق وأساليب العلوم السياسية وتطبيقها العلمى وأحدث التطورات فى دراسة السياسة الصينية، ومناقشة القضايا المثيرة للجدل والنقاش فى الدراسات السياسية الصينية، مثل:
1- العالمية والخصوصية
2- الإنتظام والتنوع
3- العلم والتوطين ومشاكلهما الرئيسية
4- التحديات، والفرص والإتجاهات للتطوير المنهجى والفكرى للدراسات السياسية الصينية فى سياق الصين الصاعدة

ولعل أفضل كتاب فى هذا الشأن، رجعت إليه للتعرف على جميع القضايا الشائكة فى حقل العلوم السياسية الصينية - من وجهة نظر صينية - بالأساس، هو كتاب المحلل السياسى الصينى "سوجيان قوه" Sujian Guo
وهو مؤلف كتاب: (العلوم السياسية والدراسات السياسية الصينية: حالة المجال). والذى يعد من أهم الكتب التى يتم التركيز عليها فى الدائرة الأكاديمية الغربية الذى يقدم بشكل منهجى النقاش الجارى، ويفرز مجموعة واسعة من القضايا الحاسمة والمثيرة للجدل فى النقاش. ساهم فى هذا الكتاب العديد من العلماء البارزين من داخل الصين. ونشرته (مطبعة شنغهاى الشعبية) فى عام 2016.







- ثانياً: دور الحزب الشيوعى الحاكم والقيادة السياسية فى الصين للرئيس (شى جين بينغ) فى (تطوير العلوم السياسية) والعلوم الأخرى فى الجامعات الصينية ما بعد أزمة (كوفيد-19) – مع عرضى لأمثلة عملية لأوجه (التدريب التطبيقية فى كليات العلوم السياسية والقانون) فى الصين
فى إطار الحرص الدائم من الرئيس الصينى على اللقاء بأساتذة الجامعات الصينية وباحثيها وأكاديميها فى كافة المجالات، دعا الرئيس الصينى (شى جين بينغ) فى إفتتاح الإجتماع (التاسع عشر) للأكاديميين بالأكاديمية الصينية للعلوم، والإجتماع (الرابع عشر) للأكاديميين بالأكاديمية الصينية للهندسة، بحضور رئيس اللجنة الدائمة للمكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى رئيس مجلس الدولة (لى كه تشيانغ)، وعضو أمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى (وانغ هونينغ)، ونائب رئيس الوزراء (هان تشنغ)، بتطور الجامعات الصينية فى جميع المجالات. وأكد على تلك المعانى تحديداً بعد تفشى (جائحة كورونا) فى الصين، داعياً الباحثين فى البلاد إلى بذل جهود لتطوير الصين لتصبح رائدة عالمية فى العلوم والتكنولوجيا، لأن الظروف والتحديات والمهام ملحة، داعياً جميع الأكاديميين فى البلاد إلى إستيعاب (الإتجاهات الرئيسية) وإغتنام الفرص ومواجهة المشاكل بشكل مباشر والإرتقاء إلى مستوى التحديات. وقال الرئيس (شى) حرفياً: "فى الوقت الذى تسعى فيه الصين لتحقيق الإزدهار والتجديد، تحتاج إلى تكريس طاقة كبيرة لتعزيز العلم والتكنولوجيا، وتسعى لتكون المركز العالمى الرئيسى للعلوم والإبتكار فى الجامعات الصينية".

ودعا الرئيس (شى) خلال لقائه بشباب (الأكاديميين الصينيين) قائلاً لهم: "إنهم يجب أن يهدفوا إلى حدود العلم والتكنولوجيا، وقيادة إتجاه تطورها، وتحمل المسؤوليات الثقيلة التى منحها التاريخ، وأن يكونوا طليعة فى الإبتكار فى العصر الجديد". وأصر على تأكيد عبارة "إن قوة الصين فى هذا المجال تمر بمرحلة إنتقالية من تراكم الكمية إلى قفزة نوعية، ومن إختراقات فى بعض المجالات إلى تحسين القدرات المنهجية".
وأشار (شى) إلى أنه منذ (المؤتمر الوطنى الثامن عشر) للحزب الشيوعى الصينى فى عام 2012، تلتزم الصين بقيادة الحزب فى قضية تطوير الجامعات والعلم والتكنولوجيا، وتسعى نحو هدف تطوير الصين إلى قوة علمية وتكنولوجية، وتلتزم بطريق الإبتكار، وإلهام حيوية الإبداع من خلال الإصلاح العميق، والتأكيد على الدور الرئيسى للموهبة فى التنمية المدفوعة بالإبتكار، ودمج نفسها في شبكة عالمية من الإبتكار، مؤكداً حدوث تغيرات تاريخية وكلية وهيكلية تدفع نحو ضرورة تطوير قطاع الجامعات فى الصين، خاصةً فى ظل جولة جديدة من الثورات العلمية والتكنولوجية والصناعية التى تعيد تشكيل المجال العالمى والهيكل الإقتصادى العالمى، لأن تأثير العلم والتكنولوجيا على مستقبل البلد ورفاهية الشعب لم يكن عميقاً كما هو اليوم فى الصين لدعم تنمية الإقتصاد الحديث فى البلاد، كما أن الإبتكار هو القوة الدافعة الأساسية للتنمية، لذا يجب بذل الجهود لضمان المنافسة عالية الجودة".

وبعد تفشى أزمة (كوفيد-19)، دعا "شى" إلى "تكامل الإنترنت والبيانات الضخمة والذكاء الإصطناعى مع الإقتصاد الحقيقى، ودفع التحولات الأساسية للنمط الصناعى وأشكال المشاريع فى التصنيع ونقل الصناعات الصينية إلى الطرف المتوسط العالى لسلسلة القيمة العالمية، لذا لابد من إتخاذ خطوات شجاعة للوصول إلى "المرتفعات القيادية" فى المنافسة العلمية والتكنولوجية والتنمية المستقبلية".

وطالب "شى" ببذل جهود أكبر للبحث والتخطيط للقضايا العلمية ذات الأهمية الأساسية والأهمية الشاملة، لأنه يجب أن تكون الموارد الأساسية مركزة وأن يتم التخطيط الإستراتيجى للتعامل مع "المجالات الرئيسية ومشكلات الخنق"، داعياً إلى تحقيق إختراقات فى أقرب وقت ممكن فى هذه المجالات. وحث الرئيس "شى" فى الوقت ذاته على الإصلاح الشامل للنظام العلمى لتحسين كفاءة الأداء وإلهام حيوية الإبتكار، داعياً إلى الإبتكار المؤسسى.

ودعا "شى" جميع (الأكاديميين الصينيين) إلى "المشاركة بعمق فى (الحوكمة العالمية)، وتقديم الحكمة الصينية، وبذل جهود أكبر لتعزيز بناء مجتمع ذى مستقبل مشترك للبشرية". مشيراً إلى أنه "يجب بذل الجهود لتعميق التبادلات والتعاون الدوليين، والإستفادة من الموارد، وإقامة شراكات تتميز بالتعاون المتكافئ للتعامل مع التحديات المشتركة المتعلقة بالتنمية المستقبلية، والأمن الغذائى وأمن الطاقة، والصحة وتغير المناخ".

مع تأكيد الرئيس الصينى (شى جين بينغ) على ضرورة أن تحقق البلاد تنميتها من خلال عقول أبنائنا، حيث ستجلب الصين فوائد لمزيد من الدول وشعوبها، وستعزز التنمية المتوازنة حول العالم. مشجعاً على أهمية الإندماج فى شبكة الإبتكار العالمية، وتعزيز إنفتاح الخطط العلمية والتكنولوجية للبلاد. مع تأكيده الدائم على "أن الأكاديميين الصينيين مدعوون للمشاركة بنشاط وقيادة الخطط والمشاريع العلمية الدولية، والبدء والتنظيم".

وكملاحظة شخصية لى، فإن ما سبق دوماً وأن أكده الرئيس الصينى (شى جين بينغ) قد تم تطبيقه فعلياً على حقل العلوم السياسية فى الصين ومعركة تطويرها، خاصةً فى السنوات الأخيرة، كالآتى:
1) إهتمام برنامج أقسام (العلوم السياسية) بالجامعات الصينية، بدراسة تاريخ وأساليب العلوم السياسية، مناقشاً الإيديولوجيات الرئيسية والمنظورات المختلفة وتطوير (الأساليب الكميّة) المستخدمة فى هذا المجال والإهتمام بمناهج (التفاوض) الدولى وتوفير تدريبات عملية لذلك. كما أنه صار يقارن بين مختلف الحكومات والسياسات لتوضيح مختلف النظريات السياسية، ويعطى لمحةً عامةً عن تطور العلوم السياسية فى العديد من البلدان الأخرى خاصة المجاورة، مع حرصه على مناقشة كافة التطورات الأخيرة فى الساحة السياسية الأمريكية.
2) الحرص السنوى على تضمين قائمة جامعات صينية جديدة فى البلاد، ضمن قائمة الجامعات الرئيسية لــ "مشروع 211"، وهو برنامج حكومى صينى يهدف إلى تعزيز كفاءة (100) جامعة صينية فى القرن (الحادى والعشرين) لتصبح ذات مستوى أكاديمى عال.
3) ولعل الخبرة الأهم أيضاً بالنسبة لى، هو إيلاء الحكومة الصينية أهمية كبيرة للتعاون الدولى والتبادل الثقافى بين أقسام وكليات العلوم السياسية وغيرها، حيث تم إنشاء أكثر من (120) علاقة شراكة رسمية مع الجامعات والكليات، والمنظمات الدولية خارج الصين. وتقوم الجامعة مع شركائها أيضاً، بتنفيذ سلسلة من أنشطة التبادل الثقافي والبرامج الأكاديمية بالخارج، وتشجيع الحوار بين الطلاب الصينيين الدارسين للعلوم السياسية والأجانب سعياً إلى تعزيز (منظور العولمة) لدى الطلاب الصينيين وفقاً لما هو مكتوب داخل اللوائح الداخلية للجامعات الصينية.

4) وتولى كليات العلوم السياسية والقانون إهتماماً بالتعليم التطبيقى والخبرة العملية، فقد أسست عدداً منها مراكز تدريبية على مستوى (بلدية بكين) وعدة مقاطعات صينية أخرى، لتنمية كفاءة الطلاب خارج الجامعة، ومراكز للتدريب التطبيقى. كما يتاح لنصف طلاب الكلية فرص السفر إلى الخارج إما للدراسة أو للتدريب، أو للمشاركة فى أنشطة التبادل الثقافى.

5) وتضم أقسام العلوم السياسية فى الصين (مجمعات وأنشطة طلابية مفتوحة) للطلاب الصينيين والوافدين على حد سواء، وقد نظمت هذه المجمعات المئات من أنشطة التبادل بين الثقافات والمحاضرات الأكاديمية، بما فيها (مهرجان الثقافات الدولية، ومنتدى السفراء، فضلاً عن أسبوع تبادل الثقافات الدولية). كما تدعو جميع أقسام العلوم السياسية والعلاقات الدولية الصينية سنوياً المئات من المسؤولين الحكوميين أو المسؤولين فى المنظمات الدولية، وكبار الأساتذة من الجامعات الرائدة، وكبار مدراء الشركات المتعددة الجنسيات لعقد ندوات أو إلقاء محاضرات.
 

6) عمل مسئولى الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين على أن تكون أقسام العلوم السياسية تعمل على دعم وتعزيز (الثقافة الوطنية)، من خلال توفير (قاعدة تدريب عالية المستوى) لهم فى كافة الوزارات الحكومية كوزارة التجارة والخارجية.

7) بالإضافة إلى ذلك، يلعب خريجو أقسام العلوم السياسية أدواراً مهمة لخدمة الوطن فى كافة المجالات بعد تخرجهم مثل: الوزارات الحكومية، والمؤسسات المالية، والجمارك الصينية، والسفارات، والجامعات، والشركات المتعددة الجنسيات، والمنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى.
ومن هنا، فأنا فقد آثرت أن أنقل للجميع تلك الخبرة الصينية التى سجلتها (فعلياً) فى الإستفادة من خريجى كليات العلوم السياسية والحرص الشديد على تدريبهم وإصقال مهاراتهم عملياً. ولعل هذا هو ما (نفتقده فى كليات العلوم السياسية فى مصر والمنطقة) من توفير الدولة (تدريب إلزامى) لجميع الطلاب لإعدادهم كعنصر متكامل من أجل المستقبل.


- ثالثاً: مسارات فهم النظام السياسى فى الصين
الحكومة الصينية تؤكد إلتزامها داخلياً ببناء الديمقراطية وسيادة القانون وحماية حقوق المواطنين كجزء من جهد هائل لبناء الدولة. والدليل على ذلك هو نجاحها منذ عام 1978 فى إخراج الملايين من براثن الفقر وأدت إلى مجتمع أكثر إنفتاحاً.
ولفهم مجمل تفاعلات النظام السياسى الصينى، يستلزم وضع إطار عمل مفاهيمى لفهم الصين يسلط الضوء على تقاطع السياسة والإقتصاد. ويوضح أنه بدلاً من التطور إلى إقتصاد سوق كامل النمو، فإن مسئولى الدولة والحزب على جميع مستويات النظام السياسى يحافظون على تأثير كبير فى التنمية الإقتصادية. لقد حقق مثل هذا الإقتصاد "السياسى" نتائج إيجابية وسلبية على حد سواء، كما أن فهم النظام السياسى الصينى يلقى بنا نحو ضرورة دراسة الآراء والخلفيات والعلاقات بين القادة الصينيين، وكيف يتخذ هؤلاء القادة قرارات بشأن السياسة العامة فى الدولة، ومحاولة تنفيذ هذه القرارات من خلال النظام.

فالصين لديها عدد قليل من المؤسسات الرسمية التى يمكن للمواطنين من خلالها المشاركة فى السياسة، ولكن دراستنا للإستراتيجيات التى يستخدمها الصينيون لمحاولة التأثير على قرارات قادتهم يعد (مدخل هام لفهم التفاعلات بين النظام والشعب الصينى). بما يمكننا فى النهاية، لتقييم مستقبل الصين وما إذا كانت التنمية الإقتصادية السريعة وظهور طبقة وسطى كبيرة ستدفع الصين نحو ديمقراطية أكبر أو ما إذا كان نظام الحزب الواحد من المحتمل أن يستمر فى المستقبل. وأهم مسارات العمل السياسى فى الصين هى:
1- المسار الإقتصادى للصين: المزج الصحيح بين السوق والإقتصاد المخطط ، ويأخذ شكلين أو نمطين، هما:
أ) التعديلات المحلية: تسعى بكين إلى خلق بيئة مواتية لزيادة الإنفاق المحلى، وبشكل خاص، زيادة فى قطاع الخدمات من خلال الإستثمار فى الصناعات التكنولوجية المتقدمة.

ب) إعادة الهيكلة والتحضر: تعمل الصين على تطوير وإعادة هيكلة إقتصادها نحو قاعدة صناعية أكثر حداثة، لأن 55% من السكان لا يزالون يعملون بالزراعة، لذا فإن جهود التحضر مستمرة.


2- المسار السياسي للصين: تطوير نموذج الصين الفريد للديمقراطية
أ) إضفاء الطابع المؤسسى: إن إضفاء الطابع المؤسسى على تطوير الديمقراطية الصينية يتم فى (المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى، والمؤتمر الإستشارى السياسى للشعب الصينى). تخدم هذه المنظمات وظيفة جعل أصوات الناس مسموعة، وتعمل كأصوات للحكومة، كالرقابة والتوازن، والمؤتمر الإستشارى السياسى للشعب الصينى مهم للمساعدة فى تطوير الإجماع، وتتخذ القرارات بعد عملية مؤسسية واسعة النطاق.

ب) الديمقراطية: يسأل غالباً عن متى ستتبنى الصين الديمقراطية على النمط الغربى؟ وتؤكد الحكومة الصينية أن الديمقراطية الصينية ستتطور بطريقتها الخاصة وفقاً لإحتياجاتها الخاصة. مع وجود العديد من الإحتياجات الهامة، مثل إستئصال الفساد وتدريب المسؤولين المحليين.
3- المسار الدولى للصين: التنمية السلمية، والعلاقات الجيدة مع جميع الدول

أ) الخيار الإستراتيجى: أن سعى الصين لتحقيق التنمية السلمية على الصعيد الدولى كان خياراً إستراتيجياً للأسباب التالية:

- من مصلحة الصين أن تكون لها بيئة دولية مستقرة وسلمية، خاصةً وأن مصالحها ومصالح العالم أصبحت متشابكة.

- لقد أدت العولمة إلى نتائج مربحة للجانبين فى التجارة والتجارة والإستثمار بحيث يمكن تقاسم الإزدهار بشكل أفضل فى جميع أنحاء العالم.

- إن السعى إلى الإنسجام من خلال البحث عن أرضية مشتركة وتجنب الحرب جزء من ثقافة الصين وقيمها.

ب) الإستثمار العسكرى: يعتبر الإستثمار العسكرى الصينى مرتفعاً، وفقاً لتصريحات مسئولى الصين، بسبب:

- حاجة الصين إلى الدفاع عن حدودها البرية والبحرية الطويلة وحماية التجارة.

- بالإضافة إلى ذلك، جادل مسئولى الحزب الشيوعى الحاكم بأن التطور العسكرى الصينى دفاعى بطبيعته، ويساعد فى التحديث، وهو جزء صغير فقط من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد.

- تحدى الجيش الأمريكى: أن الصين ليس لديها القدرة أو العقل أو النية الثقافية لتحدى الولايات المتحدة عسكرياً، لأن الولايات المتحدة تساعد في الرخاء العالمى من خلال حمايتها لمصالح العالم – وفقاً لمناهج السياسة فى الصين - مع تغير الظروف الآن بعد الحرب التجارية وجائحة كورونا.

4- نموذج مدينة (تشونغتشينغ) فى الصين ومحاولة تعميمه: مثال على التجربة الصناعية والإقتصادية الناجحة

أ) أن مدينة (تشونغتشينغ) الغربية كانت ناجحة للغاية فى جذب الصناعة: مما يمنع المشاكل الإجتماعية التي تنتج عن إنتقال العمالة المحتملة إلى مدن أخرى، حيث تفتقر إلى وضع الإقامة.
 
ب) نموذج محتمل للتعميم: لأنه يمثل بداية مثيرة للإعجاب للغاية فى الصين، فإذا ثبت نجاحه، فقد يكون نموذجاً لمدن أخرى.


5- مطالبات بحر الصين الجنوبى

أ) مطالبات موضحة للصين: مطالبة الصين بالأراضى فى بحر الصين الجنوبى ليست مطالبة على البحر كله، ولكن إلى الجزر و 12 ميلاً بحرياً حول تلك الجزر.
ب) مدونة قواعد السلوك: إعلان عام 2002 بشأن (مدونة قواعد السلوك) الموقعة بين الصين و (منظمة الآسيان) هو طريقة جيدة لحل المشكلة. كما أنه منذ ذلك الحين، إستمر آخرون من دول (الآسيان) فى الحفر، لكن الصين لم تفعل ذلك، مفضّلةً الإنتظار لإيجاد حل سلمى.

ومن خلال العرض السابق، حاولت الباحثة المصرية بشكل مختصر الإلتزام بأهم المسارات التى تحكم العمل السياسى فى الصين داخلياً وخارجياً وإقليمياً ومحاولة تطبيقها وفهمها فى أقسام العلوم السياسية الخاصة بنا لتطويرها بإدخال السياسة الصينية فى مناهجنا التعليمية. ووفقاً لأهم أقسام دراسات السياسات الصينية فى العالم، فإن أهم أجزائها كالتالى:
- الجزء الأولى: نماذج النظام السياسى الصينى وهيكل الحزب / الدولة الصينية
- الجزء الثانى: سياسة النخبة فى الصين
- الجزء الثالث: عملية صنع السياسة فى الصين
- الجزء الرابع: فهم المشاركة المجتمعية فى السياسة فى الصين
- الجزء الخامس: الإقتصاد السياسى المحلى والدولى فى الصين
- الجزء السادس: مستقبل الصين: الديمقراطية أو "الإستبداد المرن"


- أهم المسارات التى تحكم البنية الإجتماعية داخل الصين قديماً وحديثاً

- الجزء الأولى: البنية الإجتماعية والتعليم فى الصين الإمبراطورية
- الجزء الثانى: التعليم والتنقل الإجتماعى فى الصين المعاصرة
- الجزء الثالث: التنقل الإجتماعى وتوزيع الثروة فى آواخر عهد الإمبراطورية الصينية والصين المعاصرة
- الجزء الرابع: توزيع الثروة وتغيير النظام فى الصين القرن العشرين


- رابعاً: بداية ظهور حقل العلوم السياسية فى الصين

يمكن أن يعود ظهور العلوم السياسية الصينية الحديثة إلى أوائل القرن العشرين عندما أنشأت عدة كليات (رائدة من قبل الجامعة الإمبراطورية فى بكين، تسمى الآن جامعة بكين) أقسام القانون والعلوم السياسية. ظهر العديد من العلماء السياسيين المعروفين فى ثلاثينيات القرن العشرين فى عام 1932، مثل:


وتم تأسيس (جمعية العلوم السياسية الصينية) بحلول عام 1946، كان لدى الجمعية حوالى 140 عضواً. سيطرت المقاربات الغربية للإنضباط على الدراسات السياسية الصينية فى الأيام الأولى لأن العديد من الأساتذة فى الصين تلقوا تدريبهم فى الغرب ثم قدموا منهجاً غربياً للصين. ومع ذلك، فإن التطور التأديبى والفكرى للعلوم السياسية الصينية الحديثة لم يسير بسلاسة. لقد شهدت صعوداً وهبوطاً طوال معظم القرن العشرين، إلى جانب الثورات فى البلاد، الحروب والإضطرابات السياسية.

لسوء الحظ، توقف تطوير النظام بسبب الحرب الأهلية فى أواخر الأربعينيات، ثم تم إلغاؤها بالكامل كنظام مستقل من قبل النظام الشيوعى الجديد خلال إعادة تنظيم حملة التعليم العالى على الصعيد الوطنى فى عام 1952.
وفقاً للفكر الشيوعى، فإن العلوم الإجتماعية (خاصة العلوم السياسية) هى "علم مزيف" وأداة تستخدمها البرجوازية للسيطرة على الناس والمجتمع. علاوة على ذلك، فإن هيمنة المقاربات الغربية فى الميدان جعلت القادة الشيوعيين والعديد من النخب الفكرية الصينية يعتقدون أن ممارسة تبنى العلوم الإجتماعية الغربية فى الصين يجب إصلاحها بالكامل. بعد وصوله إلى السلطة، قام النظام بنسخ (نظام التعليم السوفييتى)، حيث لم يكن للعلم السياسى مكان. بعض الحقول الفرعية للعلوم السياسية.


- خامساً: حالة مجال العلوم السياسية الصينية

تم دمج الدراسات المرتبطة بعلم السياسة مثل: (الفكر السياسى، والسلطة الحكومية، والدساتير المقارنة) فى كليات الحقوق. وتم إستبدال البعض الآخر بــ (النظريات الماركسية أو دراسات الحركة الشيوعية الدولية)، حيث ترتبط "السياسة فى المقام الأول بالإيديولوجية" بدلاً من الانضباط العلمى. ونتيجة لذلك، تم قمع الانضباط العلمى والمستقل للعلوم السياسية بشدة واختفى لمدة ثلاثة عقود قبل فجر الإصلاح والإنفتاح فى أواخر السبعينيات.

تميزت إعادة تأسيس العلوم السياسية في الصين المعاصرة بــ "المؤتمر التأسيسي للرابطة الصينية للعلوم السياسية" فى ديسمبر 1980 فى بكين، بتشجيع من دعوة من الزعيم الصينى الجديد "دينغ شياو بينغ" تنص على أن الصين بحاجة إلى اللحاق بأبحاث العلوم الإجتماعية.
 
تم مناقشة القضايا الرئيسية خلال الإجتماع، بما فى ذلك كيفية إعادة (إطلاق أبحاث العلوم السياسية في الصين)، وكيفية تحديد المهمة والأهداف ونطاق الانضباط أثناء مواجهة العداء المتبقي تجاهه. كما تمت الموافقة على "البرنامج الوطنى لأبحاث العلوم السياسية لمدة خمس سنوات (1981-1985)". من الجدير بالذكر أن التطور المبكر للإنضباط المستعاد للعلوم السياسية تميز بإحياء مهيمن للدراسات الدولية المستمدة من "دراسات الحركة الشيوعية الدولية" فى عصر ماو، مع المجالات الفرعية الأخرى مثل السياسة المقارنة والسياسة الصينية يجري متخلفة نسبياً. على مدى العقد التالى، تم إنشاء أقسام العلوم السياسية والجمعيات المحلية للعلوم السياسية تباعاً عبر الصين. تم تنشيط البرامج التدريبية والمشاريع البحثية والتبادلات الأكاديمية وإزدهرت مرة أخرى. كل هذا فتح آمالاً جديدة للعلوم السياسية فى الصين.

- سادساً: تحديد إنضباط العلوم السياسية فى السياق الصينى

العلوم السياسية هى فرع من العلوم الاجتماعية التى تتعامل بشكل مكثف مع تخصيص السلطة والموارد فى الحياة العامة، وأنظمة الحكم، وتحليل الأنشطة والسلوك السياسى على المستوى المحلى،
على المستوى القومى والوطنى والدولى ومع ذلك، لا يوجد فهم مشترك لمعنى ونطاق ومجالات العلوم السياسية الفرعية داخل الصين، والتى تم تشكيلها بواسطة الحالة السياسية والأيديولوجية الصينية والمسار التنموى للإنضباط. قبل الإنتقال إلى حالة الإنضباط، من المهم تحديد إنضباط العلوم السياسية فى السياق الصينى، كالتالى:

- أولاً، تشابك العلوم السياسية الصينية منذ فترة طويلة بالبحث والتعليم الماركسيين: حتى أن بعض العلماء الصينيين دافعوا عن العلوم السياسية الصينية على أنها "العلوم السياسية الماركسية"، التى يجب أن تلتزم بمبادئ وآراء وأساليب الماركسية. منذ عام 1984 ، كان "التعليم الإيديولوجى والسياسى"، الذى يركز على الأيديولوجيات السياسية للحزب، جزءاً لا يتجزأ من تدريس العلوم السياسية، حيث حصلت 139 جامعة على درجات البكالوريوس ذات الصلة فى عام 2003. يتم تدريس الدورات الإلزامية على نطاق واسع لجميع الطلاب عبر التخصصات، مثل:


وفى السنوات الأخيرة، أنشأت واحد وعشرون جامعة صينية على الأقل منفصلة (مدارس ماركسية) لتسهيل البحث والتعليم الماركسى. على الرغم من أنه من المهم الإعتراف بهذا التعقيد فى العلوم السياسية الصينية، إلا أن البحث والتعليم الماركسيين لن يكونا محور دراستى بالأساس. بالنظر لوجود مستجدات أخرى حديثة فى الصين أولى بالدراسة المعاصرة.

- ثانياً، إن العلاقات بين العلوم السياسية الصينية وحقولها الفرعية وغيرها من التخصصات المرتبطة بها أمر صعب التغلب عليه بدقة: فوفقاً لوزارة التعليم الصينية، يعد العلوم السياسية نظاماً "من المستوى الأول" فى إطار مجموعة الانضباط في القانون، ويتكون من ثمانية حقول فرعية (تخصصات "المستوى الثانى")، بما فى ذلك النظرية السياسية والمؤسسات السياسية المقارنة والاشتراكية العلمية والاشتراكية. الحركة الشيوعية الدولية، تاريخ الحزب الشيوعي الصيني، السياسة الدولية، العلاقات الدولية، والدبلوماسية.

ومع ذلك، من الناحية العملية، لكل جامعة تكوين إدارى خاص بها وأقسام فرعية للعلوم السياسية، والتى يتم تحديدها من خلال أولوياتها البحثية وخطتها التنموية. فى حين أن هناك جامعات في الصين بها مزيج هجين من الدراسات السياسية والإدارة العامة والعلاقات الدولية، فإن معظم الجامعات لديها الأقسام الثلاثة المنفصلة، على الرغم من أنها قد تقيم فى نفس المدرسة. فى بعض الجامعات الكبرى (مثل جامعة رنمين في الصين وجامعة شينخوا).
وتعتبر (الإدارة العامة) مدرسة قائمة بذاتها منفصلة عن العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وفى الوقت نفسه، لكل العلوم السياسية الصينية، والعلاقات الدولية، والإدارة العامة لكل منها مجلاتها، وجمعياتها، وإجتماعاتها. الأكثر إثارة للإهتمام، فى بعض الجامعات.

يخضع تخصص العلوم السياسية لــ (مدرسة الشؤون العامة)، بينما فى أقسام أخرى (على سبيل المثال فى جامعة بكين)، يوجد قسم العلوم السياسية فى (مدرسة الحكومة)، والتى يمكن أن تكون منفصلة عن مدرسة العلاقات الدولية. ونتيجة لذلك، يوجد فى الصين تمييز بين ما يسمى بــ (العلوم السياسية الكبرى)، والذى يشمل جميع المجالات ذات الصلة، و "العلوم السياسية الصغيرة"، والتى تتضمن عادةً (النظرية السياسية، السياسة الصينية، السياسة المقارنة، والسياسة الدولية).


وستركز الباحثة المصرية هنا بشكل أساسى على "العلوم السياسية الصغيرة" لما لذلك من دلالة هامة.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن نطاق العلوم السياسية فى الصين لا يزال يخضع للتغيير، وإلى جانب إضفاء الطابع المؤسسى والإحتراف والتدويل فى النظام، فإنه يقترب من المعايير المشتركة من دول أخرى. ستتعرض الباحثة لها لاحقاً.
 

- سابعاً: تطورات وإنجازات العلوم السياسية الصينية
أظهرت العلوم السياسية الصينية إنجازات ملحوظة من حيث الكم والنوع على مدى العقود الثلاثة الماضية، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى إصلاح وتحول السياسة الصينية فى حقبة (ما بعد ماو)، فضلاً عن التغييرات فى طرقنا لإجراء البحوث السياسية. على الرغم من أنه لا يزال يواجه قيوداً أيديولوجية ونقصاً فى الكفاءة، إلا أنه يمكن ملاحظة (إحياء العلوم السياسية كنظام مستقل)، يتجلى فى إضفاء الطابع المؤسسى، والإحترافية، والتدويل، فى الصين المعاصرة.

- ثامناً: إضفاء الطابع المؤسسى على العلوم السياسية فى الصين
يتضح تطور العلوم السياسية فى الصين (ما بعد ماو) من خلال (إضفاء الطابع المؤسسى) المتزايد على التخصص باعتباره مجالاً مميزاً للدراسة. ظهرت البنية التحتية "الكليات الجامعية"، بما في ذلك الأقسام الجامعية ومراكز البحوث والمشاريع التعليمية والجمعيات المهنية والمجلات العلمية والمؤتمرات الأكاديمية، واحدة تلو الأخرى، مع تزايد المدخلات من الموارد البشرية. فضلاً عن إنشاء صناديق البحث، ومخرجات مثمرة من حيث النشر العلمى والدبلومات. فى عام 1985، كان هناك فقط حوالى 100 مدرس محترف و 535 طالب بكالوريوس و 93 طالب ماجستير وأكثر بقليل من 100 كتاب جامعى فى العلوم السياسية. ولكن نظراً لتقدم حقل العلوم السياسية، خلال الفترة 2006-2010 ، وفقاً لمسح غير مكتمل، كان هناك حوالى 150 معهداً و 10000 باحثاً متخصصين فى البحث السياسى، وأجروا أكثر من 700 مشروع منح برعاية الدولة وأنتجوا أكثر من 70.000 مقال وبحث أكاديمى، 4000 كتاب و 450 نصاً. ومن هنا نجد أن التقدم العام واضح.


- تاسعاً: الإنجازات الصينية فى إنشاء المجلات والجمعيات الخاصة بحقل العلوم السياسية

بالإضافة إلى بعض المجلات متعددة التخصصات التى تقبل مقالات وأبحاث العلوم السياسية، ظهرت مجلات متخصصة فى العلوم السياسية. على سبيل المثال، فى عام 1985 أطلق (معهد العلوم السياسية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية) برنامج (أبحاث العلوم السياسية)

وفى السنوات الأخيرة، ظهرت بعض (المجلات الأكاديمية الصينية باللغة الإنجليزية فى العلوم السياسية)، مثل:
 
تم إنشاء (مجلة العلوم السياسية الصينية، والمجلة الصينية للسياسة الدولية، ومراجعة العلوم السياسية الصينية، ومجلة فودان للعلوم الإنسانية والعلوم الإجتماعية)، من قبل العلماء والمعاهد الصينية. تلقت هذه المجلات الإنجليزية اعترافاً دولياً تدريجياً من خلال إعتماد نظام صارم للمراجعة، وجذب عدد متزايد من الباحثين للنشر فيها من خارج الصين. وتم إنشاء العديد من الجمعيات الخاصة بالعلوم السياسية سواء الجمعيات المهنية، وكذلك العديد من المنظمات المحلية، وتدشين جمعية العلوم السياسية الصينية
(CPSA)

ويرجع إنتشار تلك الجمعيات الصينية للعلوم السياسية، بفضل الإستخدام الشعبى الصينى لحساب (وى تشات) عند الصينيين الذى يماثل خاصية تطبيق (الواتس آب) للمحادثات والدردشة.

تم إنشاء العديد من مجموعات الدردشة عبر الإنترنت التى تركز على الدراسات السياسية. لا تعمل هذه المنصات على تسهيل المناقشة اليومية والتبادل الأكاديمى وبناء الشبكات فحسب، بل تساهم أيضاً فى تنظيم العديد من المؤتمرات وورش العمل والندوات.

من ناحية أخرى، أصبحت الحكومة الصينية الآن بفضل تبنيها نظام (الإقتصاد المخطط) من قبل الدولة الصينية الآن مكرسة بشكل متزايد للمنح الدراسية بقيادة الحزب والدولة فى مجالات العلوم السياسية لخدمة أغراض تحديث الدولة وبرامج الحزب وسياساته والخطاب السياسى المحلى، إستثمرت الدولة الصينية والحزب الشيوعى الحاكم على نطاق واسع فى بناء أنواع مختلفة من مراكز البحوث فى الدراسات السياسية، ليس فقط فى الجامعات ولكن أيضاً فى (المدارس الحزبية وأكاديميات العلوم الإجتماعية، ومراكز الفكر وحتى داخل الحكومة).

ورعت الحكومة بشكل كبير عدداً كبيراً من (مؤسسات أبحاث الدولة) التى يمكن للباحثين السياسيين التقدم لها. فى عام 2017، اختارت الدولة أقسام العلوم السياسية فى ست جامعات صينية، وهى: (جامعة بكين، جامعة فودان، وجامعة رنمين، وجامعة شينخوا، وجامعة الصين للدراسات الأجنبية، وجامعة وسط الصين للمعلمين) لبناء حقل مستقل للعلوم السياسية يماثل أو يعادل "نظام من الدرجة الأولى لتدريس العلوم السياسية فى جامعات العالم". هذا الإستثمار الضخم من قبل الدولة قد يعزز الدراسات السياسية فى الصين.
ومع ذلك، فإن إشراك السلطات قد يثير أيضاً مخاوف لدى البعض بشأن إستقلالية البحث الأكاديمى فى العلوم السياسية، وهو ما ستعود هذه الدراسة إلى القسم التالى.

- عاشراً: إحترافية ومهنية العلوم السياسية فى الصين
ذهب إضفاء الطابع المؤسسى على العلوم السياسية الصينية جنباً إلى جنب مع إحترافها. هناك (جانبان أساسيان) لإضفاء الطابع المهنى على الدراسات السياسية فى الصين، هما:
- الجانب الأول، الإهتمام بالتدريب العملى من خلال (الإعدادات المؤسسية) لتأهيل الباحثين الصينيين، وتم وضع معايير وقيم مشتركة لتأكيد الإحتراف فى المجال البحثى: لقد أدى تبنى التدريب المهنى فى المفاهيم والنظريات والأساليب إلى رفع قدرات علماء السياسة الصينيين على إجراء بحوث صارمة وجادة، بالإضافة إلى دورات مصممة جيداً. فعندما أدرجت (جامعة فودان فى شنغهاى) عام 1982 برنامج التدريب الأول لبحوث العلوم السياسية وتدريسها، لم يكن هناك سوى أربعة عشر مشاركاً وعدداً محدوداً من الدورات التدريبية، ولكنها الآن توسعت بشكل كبير.
ومع ذلك، يمكن لأقسام العلوم السياسية الصينية فى الوقت الحاضر توفير أنواع مختلفة من الدورات المطلوبة والإنتقائية من البكالوريوس إلى مستوى الدكتوراه، بدءاً من (الفكر السياسى الغربى إلى الإقتصاد السياسى، من الفلسفة السياسية إلى نظرية الألعاب، من السياسة الصينية إلى السياسة المقارنة، ومن العمل الميداني إلى البحث المسحى).
أصبح منهج العلوم السياسية أعمق وأكثر شمولاً، وأدرج الأدب الإنجليزى على نطاق واسع فى المناهج الدراسية، على الرغم من أن كل جامعة قد تحافظ على خصائصها الخاصة ولا تزال هناك فجوة بين أفضل الجامعات وغيرها من الرتب الدنيا من الجامعات. بالإضافة إلى ذلك، يتم توفير العشرات من الدورات التدريبية اللامنهجية فى طرق البحث ومختلف الموضوعات الأخرى خلال فترات الراحة الصيفية أو الشتوية.

يتم تنظيم العديد من الدورات التدريبية لطلبة العلوم السياسية فى الجامعات الصينية بالتعاوم مع عدد من الجامعات الغربية والأمريكية، ويتم تدريسها من قبل أساتذة أجانب. مثال أساسى هو "المدرسة الصيفية لطرق البحث فى العلوم السياسية" التى قدمتها (جامعة ديوك) الأمريكية والعديد من الجامعات الصينية، مع ما لا يقل عن 1500 خريج منذ عام 2006.
 
ومن حيث البحث فى المجال السياسى، فعلى الرغم من أنه لا تزال هناك العديد من الدراسات السياسية التى أجريت على النمط التقليدى، فإنه ليس من غير المألوف فى الوقت الحاضر رؤية بحث صينى فى مجال السياسة بدون عمل (إجراءات تطبيقية وتصميمات تحليلية) صارمة، سواء كانت تلك البحوث المقدمة إلى المجلات العلمية المتخصصة أو المؤتمرات الصينية. ويمكن أن يعزى ذلك إلى الدورات التدريبية المختلفة المذكورة أعلاه، وحقيقة أن عدداً متزايداً من العلماء السياسيين الشباب العائدين قد تلقوا تدريبهم وشهادة من الخارج. إن محاولات جعل البحث السياسى "علمى" واضحة ومثمرة للغاية. على سبيل المثال، تمت ترجمة مجموعة واسعة من الكتب المنهجية إلى الصينية وأدرجت فى فصول جامعية، مثل سلسلة كتاب:
"Wanjuan Fangfa” (طرق لا حصر لها)

تظهر الإستطلاعات الآن أن الدراسات التجريبية تحتل الآن ما يقرب من ثلث البحوث السياسية فى الصين وتظهر (إتجاهاً تصاعدياً) فى الإهتمام. علاوة على ذلك، على الرغم من أنه لا يزال أقلية، إلا أن البحث الأكثر تعقيداً باستخدام الإنحدار الإحصائى، والنماذج الرسمية، وحتى التجارب أيضاً.
مؤشر آخر على إحتراف الدراسات السياسية فى الصين هو (إنخفاض حالات الإنتحال فى العمل الأكاديمى)، الذى كان يمثل مشكلة خطيرة فى أبحاث العلوم الإجتماعية الصينية. والجدير بالذكر أن هذه التحسينات المنهجية مستمدة بشكل كبير من (إدخال وتطبيق المناهج الغربية للبحث السياسى الصينى). هذا قد تسبب أيضاً فى نقاشات بين العلماء الصينيين، وهذه النقطة سوف أتطرق إليها فى القسم التالى.

- الجانب الثانى، تطور البحث السياسى الصينى إلى نظام إجتماعى - إجتماعى، على الرغم من أنه تم تقييده سياسياً وأيديولوجياً ومراقباً فى الصين: ومع ذلك، مقارنةً بالسنوات التى سبقت الإصلاح والإنفتاح، هناك مجال أكبر بكثير لإجراء بحث تجريبى حول مجموعة متنوعة من المواضيع، مثل: دراسة الحوكمة، وتم إنشاء مجلة جديدة لــ (الحوكمة الصينية). لقد تعلم علماء السياسة الصينيون إكتساب قدرة كبيرة على التكيف من أجل تطوير أفكارهم البحثية، على سبيل المثال، عن طريق تغيير السرد أو وضع البحث بطريقة آمنة سياسياً. بالإضافة إلى ذلك، لم يعد تقييم الأداء الأكاديمى والترويج الفكرى يتحدد بشكل كبير من قبل السلطة السياسية، بل يستند إلى المزيد من المزايا العلمية. ومما ساهم فى ذلك (إعتماد نظام مراجعة النظراء) فى العديد من السياقات، بما فى ذلك: النشر وطلب الأموال والتوظيف والترقية، الأمر الذى أدى لإضفاء الطابع المهنى على المجال. ومع ذلك، لا يخلو البحث السياسى فى الصين من السياسة، الرقابة والتدخل الإدارى و (ثقافة غوانشى) أى التدخل ورقابة عمل الآخرين.
 
- عاشراً: تدويل العلوم السياسية فى الصين

لا يمكن تطوير أبحاث العلوم السياسية من خلال العزلة، فالتبادلات الدولية والتعاون العابر للحدود لن تساعد على تقدم الدراسات السياسية الصينية فحسب، بل ستعزز أيضاً أهمية العلوم السياسية الصينية فى العالم. العلوم السياسية الصينية لها تاريخ طويل فى التعامل مع المجتمع الأكاديمى الدولى. بعد فترة وجيزة من تأسيس (الجمعية السياسية الصينية)، فى عام 1984، توازى ذلك مع إنتخاب عالم سياسى صينى لأول مرة بالإجماع فى (جمعية العلوم السياسية الدولية) كعضو فى اللجنة التنفيذية بها.
ومنذ إستعادة الإنضباط، نشط العلماء الصينيون فى المشاركة فى المؤتمرات الدولية. وتم تنظيم (لجنة حول السياسة الصينية المعاصرة) من قبل الباحثين الصينيين للمرة الأولى فى عام 1985 من قبل (المؤتمر العالمى للعلوم السياسية)، وفى الوقت نفسه، حصل العديد من المواهب الصينية الشابة على منح لدراسة (العلوم السياسية في الخارج) وأصبحوا العمود الفقرى للدراسات السياسية الصينية المعاصرة ، ويلعبون دوراً رائداً فى نشر العلوم السياسية الصينية.

وقد تم حظر أو تقييد بعض الموضوعات البحثية، مثل: (المجتمع المدنى والحركات العمالية والإصلاح الدستورى وشينجيانغ والتبت). وبناءً على ذلك، إزداد الحذر الذى تم فرضه ذاتياً فى السنوات الأخيرة، نظراً لأن الدراسات المتعلقة بالمواضيع الحساسة سياسياً لا يمكن النظر فيها للنشر، ولن يتم دعمها من قبل (صناديق الأبحاث الحكومية)، بل قد تخضع للإنضباط السياسى. ومع ذلك، فقد تعلم الباحثون فى الدراسات السياسية طرق البحث لإجراء بحوثهم دون "تجاوز" الخط السياسى للحزب.

ولكن فى إبريل 1996 وبسبب الوضع المتنازع عليه فى تايوان، إنسحبت (الجمعية السياسية الصينية) من عضوية (جمعية العلوم السياسية الدولية) كموقف سياسى صينى تم تسجيله بسبب سياسات الجمعية الدولية وأكاديمييها (الداعمة لتايوان) ضد الصين.
علاوة على ذلك، فمنذ الألفية الجديدة، بدأت الحكومة الصينية إعطاء مجموعة من المنح الدراسية فى الخارج للمتميزين من الشباب الصينى فى العلوم السياسية، والمؤسسة الرائدة فى مجال المنح هى (مجلس المنح الصينى)، لتشجيع ودعم العلماء الصينيين بإعطائهم المنح الدراسية للذهاب إلى الخارج لحضور المؤتمرات والزيارات البحثية والتعليم. وجاءت وجهة نظر القيادات السياسية فى الصين هى أنه "عندما يجلب هؤلاء العلماء المعرفة الجديدة والشبكات الدولية إلى الصين، فإن ذلك سيعزز تدويل المهنة". بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة العلوم السياسية فى الخارج تهدف لتحسين (الرؤية العالمية والتصنيف العالمى)، مع (تشجيع المنشورات الإنجليزية) فى مجلات دولية محكمة بشكل خاص وإعطاء مكافآت مالية للنشر فيها من قبل الجامعات الصينية. في الوقت الحاضر، لم يعد من المستغرب رؤية وجود الطلاب والعلماء الصينيين فى الجامعات الغربية والمؤتمرات الدولية فى أجزاء أخرى من العالم، وقراءة أعمالهم منشورة فى المجلات باللغة الإنجليزية. بإختصار، باتت (المشاركة الدولية للعلوم السياسية الصينية) تتكون من مبادرات مستقلة من قبل العلماء الأفراد، والأوساط الأكاديمية، والحكومة. إلى جانب الوصول إلى العالم، كان إدخال المعرفة من الخارج لإثراء العلوم السياسية الصينية أكثر إثارة للإعجاب. فى الثمانينيات، تمت دعوة العلماء المشهورين عالمياً، بما فى ذلك: (غابرييل ألموند، وديفيد إيستون، وروبرت داهل، ومارتن ليبسيت) لزيارة الصين، وألقوا خلالها محاضرات حول مختلف الموضوعات المتطورة للبحث السياسى، مثل: "النظريات الديمقراطية" للباحث الأمريكى المعروف (روبرت داهل).

وقد رحبت المعاهد الصينية ترحيباً حاراً بوفود (جمعية العلوم السياسية الأمريكية، جامعة هارفارد، ساينس بو)، وغيرها الكثير لإستكشاف فرص التعاون معها. مع دعم الجهود من كلا الجانبين الصينى والأمريكى، تم إنشاء العديد من (منصات التبادل الرسمية والآليات التعاونية الأمريكية – الصينية فى مجال العلوم السياسية). وتعد جامعات (بكين، فودان، رينمين) الصينية رواداً فى هذا الصدد.

تتمتع (كلية الحكومة) التابعة لــ (جامعة بكين) بتاريخ طويل من التعاون الفنى مع جامعات (هارفارد، ستانفورد، برينستون، وبورصة لندن). كما تتمتع كلية العلاقات الدولية والشؤون العامة فى (جامعة فودان) بعلاقات وثيقة مع جامعتى (أكسفورد، ولوند)، والعديد من الجامعات الأمريكية، من حيث تبادل الطلاب والباحثين الزائرين وبرامج الدبلوم المشتركة.

إشتهر (معهد فودان للدراسات المتقدمة فى العلوم الإجتماعية) بتشجيع التبادل والتعاون الدولى فى العلوم السياسية، ودعوة العديد من العلماء المشهورين فى العلوم السياسية، بما فى ذلك (آدم برزيوسكى وفيليب شميتر وتيرى لين كارل وجوزيف ناى وروبرت كوهان ونانرل كوهان ومايكل ساندل وفرانسيس فوكوياما)، وغيرهم الكثير لإلقاء المحاضرات والتدريس، الدورات، وإجراء البحوث المستقلة. قدم العلماء والمعاهد الصينية أيضاً مساهمات كبيرة في ترجمة الأدب الأكاديمى فى العلوم السياسية من اللغات الأجنبية.

علاوة على ذلك، فتحت بعض الجامعات الصينية الكبرى، مثل: (جامعة فودان) قسم اللغة الإنجليزية، وبرامج للماجستير والدكتوراه، لجذب الطلاب الأجانب الذين يرغبون فى تعلم العلوم السياسية فى الصين. بالنسبة لكثير من هؤلاء الطلاب، وخاصة من البلدان النامية، فإن الحكومة الصينية تقدم لهم منح متميزة.

شهدت العقود الماضية تقدماً كبيراً فى العلوم السياسية الصينية، يتجسد فى إنجازاته المذهلة فى إضفاء الطابع المؤسسى، والإحتراف والمهنية، والتدويل. ومع ذلك، لا تزال هناك (مشكلات مختلفة) تواجه حقل العلوم السياسية فى الصين، بما فى ذلك: (تأثير إدارة الدولة الحزب، وعدم التوازن الجغرافى للعلماء، وعدم عدالة توزيع الموارد، والنوعية غير المستقرة للمخرجات العلمية، ونقص العلماء فى العلوم السياسية)، وغيرها. فضلاً عن وجود (مشاكل أخرى داخلية تتعلق بالصين) ذاتها، فعلى سبيل المثال، يواجه التحقيق العلمى فى الدراسات السياسية (قيوداً مؤسسية؛ الرقابة الإنتقائية والرقابة الذاتية تقيد الحرية الأكاديمية؛ صناديق ومواقع البحث الأجنبية حظرتها السلطات على نطاق واسع؛ ويبحث العلماء عن علاقات سياسية مع نخبة الحزب الشيوعى الحاكم كسبيل للترقى والحصول على المناصب الأكاديمية). لذا، فمن المرجح أن تؤثر جميع هذه العوامل سلباً على التطور الصحى طويل المدى للعلوم السياسية الصينية.

ومع ذلك، على رأس كل هذه القضايا، فإن الإنضباط يقترب حالياً من مفترق طرق حيث هناك ثلاث قضايا أساسية أخرى، لكنها مثيرة للجدل، تشكل الإتجاه المستقبلى للدراسات السياسية الصينية، وهى: (التوتر بين التغريب والتوطين، والإختيار بين التأليف، التعددية المنهجية، والتوازن بين "برج العاج" والبعد عن المظاهر الإجتماعية، وما بين الأهمية الإجتماعية). وهذه هى محاور القسم التالى.


- الحادى عشر: تحديات على مفترق الطرق (التوتر بين التغريب والتوطين)
Westernisation and indigenisation

حققت العلوم السياسية الصينية تقدماً كبيراً على مدى العقود الماضية. وقد تجسد تطورها من خلال تقديم وتطبيق النظريات والمفاهيم والنماذج والأساليب الغربية في دراسة السياسة الصينية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، كان علماء السياسة داخل الصين وخارجها يناقشون بشدة بشأن القضية الرئيسية المثيرة للجدل حول كيفية تقدم العلوم السياسية الصينية إلى الأمام وإلى أين تتجه. يتركز النقاش الساخن حول العلاقة بين العلوم السياسية الغربية والدراسات السياسية الصينية، بما فى ذلك:

(العالمية مقابل الخصوصية) Universality versus Particularity
(الإنتظام مقابل التنوع) Regularity versus Diversity
(العولمة مقابل التوطين أوالمحلية)Scientifcation versus Localisation
 

فضلاً عن المشاكل الرئيسية والتحديات والفرص والإتجاهات للتنمية الإنضباطية والفكرية للدراسات السياسية الصينية فى سياق الصين الصاعدة. وعلى الرغم من أن الدعوة إلى التوطين العلمى للدراسات السياسية أى جعلها أكثر (محلية) يمكن العثور عليها أيضاً فى العديد من البلدان الأخرى خارج الولايات المتحدة، بما فى ذلك (كوريا والهند واليابان وروسيا وكندا وأوروبا الوسطى والشرقية)، نظراً لحجم الصين ووضعها المتزايد، إلا أن العديد من العلماء الصينيين يميلون إلى أن يكونوا أكثر حزماً بكثير فيما يتعلق بقضية (التوطين) أى جعلها أكثر محلية.
وبرز معسكران من المدافعين فى المناقشات الساخنة حول المسارات التى يجب أن يتخذها الإنضباط فى حقل السياسة، وتركز النقاش حول: طبيعة المعرفة السياسية، وطرق فهم السياسة الصينية، ويظهر توتراً خطيراً ومحيراً بين (التقاليد العلمية والعالمية والوضعية من ناحية، والتخصصية والتاريخية والسياقية، والتقاليد) من جهة أخرى.
إستفاد تطور العلوم السياسية الصينية بشكل كبير من (إدخال المناهج الغربية). ومع ذلك، فقد بدأ العديد من العلماء الصينيين للتأكيد على محدودية الأساليب العلمية وطرح أسئلة "علمية" أو طرق البحث التجريبية والوضعية التجريبية، والحجج على أن هذه الأساليب العلمية تبالغ فى تبسيط مجموعة كبيرة ومتنوعة من المواد والمعلومات المهمة، مع الكثير من المعلومات المفقودة أو المادة المجوفة، والتى يجعل مثل هذا الدراسات السياسية أقل تفسيرية وتحرم التحليلات السياسية من المنظورات التاريخية والإجتماعية والفلسفية الضرورية للغاية لفهم السياسة والقضايا الإجتماعية الأخرى.
ولا يزال آخرون يشككون في إمكانية تطبيق (المعرفة الغربية للعلوم السياسية على السياق الصينى)، ودعوا إلى تطوير "مدرسة صينية" للبحوث السياسية تسلط الضوء على تفرد الصين والطبيعة المميزة للتقاليد الفكرية الصينية، كالآتى:

- أولاً، يجادل هؤلاء العلماء فى أن التبنى العشوائى للنظريات والمفاهيم والأساليب الغربية لدراسة الصين قد ضحى بالمعرفة المحلية الصينية والسياق السياسى والإختلافات الثقافية: ونتيجة لذلك، يجادلون بأن العلوم السياسية الصينية أصبحت مختبراً للعدالة لإختبار والتحقق من المفاهيم والنظريات الغربية، وبالتالي المساهمة القليل جداً لفهم الواقع الصينى وخدمة التنمية السياسية الصينية. من الأمثلة التي تم الإستشهاد بها على نطاق واسع الإستطلاع الذى أجراه (الباروميتر الآسيوى) حيث أظهر الصينيون أقوى دعم لـ "الديمقراطية" فى شرق آسيا، والذى من الواضح أنه غير صحيح ومضلل.

- ثانياً، على المستوى المعرفى، إعتبر الكثيرون أن الإنتشار الواسع للمعرفة الغربية فى العلوم السياسية على أنه يعزز العالمية فى الصين، هو فى الواقع يفرض قيود الهيمنة على الدراسات الصينية: فوفقاً لهم، فإن الهيمنة الغربية على العلوم السياسية أو الإستعمار الغربى للعلوم الإجتماعية الصينية يعزز فرض رؤية غربية مركزية وفرض معايير غربية على الصين. ومن ثم، كما جادل (تشون لاى) بأن العلوم الإجتماعية فى الصين يجب أن يكون لها معايير أكاديمية صينية وتحقق من الصحة الخاصة بها "وفقاً للصين"، أو "لإنشاء صورتنا المثالية للنظام الإجتماعى".

- ثالثاً، فى وجهة النظر الرسمية الصينية، مع إقتراب الصين من مركز المسرح العالمى، أصبح العديد من العلماء الصينيين أكثر ثقة فى تحدى المنح الدراسية الغربية وبناء "الخطابات الصينية" الخاصة بها دون إملاء أو فرض شروط من الغرب: إذا كانت العقود السابقة سنوات تعلمها علماء السياسة الصينيون من الغرب ونشأوا، فإن الكثيرين ينظرون إلى العقود القادمة على أنها حقبة من الفرص الإستراتيجية لتحويل الصين من "مختبر" فكرى لإختبار النظريات الغربية إلى "مصنع المعرفة" لإنتاج النظريات والمقاربات المحلية. ولذلك، فإنهم يدافعون بقوة عن إنشاء "مدرسة صينية" فى السياق الصينى ويعتقدون أن "العلوم السياسية ذات الخصائص الصينية" سيكون لها تأثير عميق على المجتمع الأكاديمى فى الصين والعالم. هذا يعنى أن توطين أبحاث العلوم السياسية فى الصين ليس مجرد محاولة فكرية ولكن مدفوعاً ويساهم أيضاً فى الوضع الوطنى للصين. ويعارض المعسكر الآخر من العلماء ، الذين يمثلهم:
 


أما عن فكرة "توطين العلوم السياسية فى الصين"، فيجادلون بأن الدراسات السياسية الصينية يجب أن تشترك فى نفس منطق إستقصاء العلوم الإجتماعية وتسعى لإستكشاف الأنماط العامة والإنتظامية الموجودة فى الحياة السياسية والظواهر والسلوك. كما أشار البعض، إلى أنه لكى يجب أن يكون أى علم عالمياً، يجب ـن يكون ذلك بدون فرض آراء شمولية على الآخرين. من هذا المنظور، إذا تم قبول العلوم السياسية بإعتبارها "علماً" فى الصين، فيجب الإعتراف بأن لديها "مجموعة من المفاهيم والأساليب والبديهيات المشتركة التى يتم تقاسمها مع علماء السياسة فى البلدان الأخرى". وتؤكد الدراسات التى أجراها هؤلاء العلماء بأن البحث السياسى فى الصين قد حقق تقدماً كبيراً من خلال إعتماد أساليب علمية صارمة من التخصصات الأكاديمية الغربية، بما فى ذلك العلوم السياسية والإقتصاد وعلم الإجتماع والعديد من المجالات الأخرى فى العلوم الإجتماعية.

علاوة على ذلك، يحذرون من أن (الإفراط فى التركيز على خصوصية الصين) سيضلل الباحثين الصينيين ويعيقهم عن تطوير العلوم السياسية الصينية. كما اقترح يانغ زونغ (2012)، بأنه "يجب أن نحلل "الظروف الصينية الخاصة" و "العوامل الثقافية" للمعنى الأعمق لهذه الشروط والعوامل حتى نتمكن من تصور هذه الشروط والعوامل والارتقاء بها إلى المستوى النظرى". من خلال القيام بذلك، من المتوقع أن تساهم الدراسات السياسية الصينية فى تطور حقل (السياسة المقارنة)، على وجه الخصوص، والعلوم السياسية بشكل عام، بدلاً من عزل نفسها عن بقية العالم.

وبشكل أعمق، فإن هؤلاء العلماء يجادلون أيضاً فى (المعاملة المزدوجة للتقسيم بين "الصينية" و "الغربية")، ويوضحون أنه لا يوجد علم سياسى غربى موحد. حيث من غير المناسب أن نأخذ التقليد الأوروبى، أو أن يكون البحث السياسى الصينى مطابقاً للبحوث الأمريكية. ومن ثم، فإن هؤلاء العلماء يدعون إلى إنهاء "القومية التأديبية" والتحرك نحو علم سياسى أكثر عولمة أو "عالمى".
 
يتصاعد التوتر بين التغريب وعدم توطين الدراسات السياسية فى الصين، حيث لا يستطيع كل معسكر إقناع نظيره. ومع ذلك، يمكن العثور على "القاسم المشترك الأكبر" من خلال الدعوة وتجربة نهج جديد كحل وسط بين (التغريب والتوطين) هو نهج:
"Glocalisation”
وهو الذى يجمع بين "عولمة" و "توطين" ويؤكد على الإثراء المتبادل بين الجانبين. وهذا يعنى أنه لن يكون الإتجاه هو "العولمة" ولا "التغريب"؛ لكن كلاهما يمكن أن يكون نقطة الإنطلاق لبعضهما البعض فى عملية تراكمية ومستمرة من التطور الفكرى والتأديبى. من خلال القيام بذلك، لا يمكن للعلوم السياسية الصينية الحفاظ على تنوعها الثقافى المميز للتحليل السياسى فحسب، بل يمكنها أيضاً تحسين نفسها من خلال الإنخراط أكثر مع العالم والمساهمة فى المنح الدراسية العامة فى العلوم السياسية من خلال إثارة حكمتها.



- الثانى عشر: تنامى الجدل فى الإختيار ما بين العلمية والتعددية المنهجية فى مجال العلوم السياسية الصينية

هناك مسألة أخرى مرتبطة إرتباطاً وثيقاً ولكنها مميزة تتحدى العلوم السياسية الصينية، وهى الإختيار المنهجى بين التأويل أى (الدعوة إلى جعل العلوم السياسية أكثر "علمية") والتعددية المنهجية أى (الدعوة إلى أساليب متنوعة في البحث السياسى). نظراً لأن الإنضباط قد أصبح مطلباً دولياً ومهنياً فى الصين، فإنه يميل إلى أن يصبح "علمياً" بشكل متزايد من خلال إستخدام الأساليب الإحصائية والنماذج الرياضية الرسمية.

فى حين أن (البحوث الكمية السياسية الصينية) كانت فى إرتفاع فى السنوات الأخيرة، خاصةً من قبل العلماء الشباب الذين تلقوا تدريباً منهجياً فى أساليب البحث. كشفت دراسة عن المنشورات فى مجلات العلوم السياسية الرئيسية أن وزن الدراسات الكمية زاد من 7.09٪ فى عام 2006 إلى 33.11٪ فى عام 2018.

وجاء محاولة نقاش بأن علم السياسة الصينى بعيداً عن كونه علمياً كما هو الحال فى الغرب، قد أثارت مقاومة من الباحثين المحليين فى الصين. وإتفقت معظم الآراء فى الصين حول (أسبقية البحث الكمى مقابل البحث الموجه النوعى)، من أجل تطور الإنضباط فى المجال. وعلى الرغم من أن الشكوك حول "النهج الوضعى المنهجى" للدراسات السياسية هى ظاهرة عالمية، إلا أنها تبدو أكثر حدة فى الصين لعدة أسباب:
- أولاً: للصين تاريخ طويل فى العلوم الإنسانية، تحافظ الدراسات السياسية الصينية على تقليد فكرى قوى يتميز بالإستفسارات التاريخية والمناقشات الفلسفية والتحليل الإثنوغرافى والبحث فى النظريات والفكر السياسى: فى الماضى، كان الطلاب فى الجامعات الصينية يفتقرون إلى تدريب منهجى علمى. ولكن لطالما شدد معظم الأجيال القديمة من العلماء الصينيين على أهمية التحليل التقليدى أو المعيارى مع التقليل من أهمية الدراسات التجريبية القائمة على البيانات، إنهم يدعمون (المقاومة الصينية لعلم الدراسات السياسية).

- ثانياً: على الرغم من أن أبحاث المسح كانت صعبة ولا صلة لها بالدراسات السياسية الصينية كما لاحظ بعض المحللين، إلا أن تنفيذ مسوحات أخذ العينات فى الصين أصبح شائعاً فى السنوات الأخيرة نتيجة للجهود التى بذلها العائدون من الخارج، ونتيجة لزيادة الدورات التدريبية للباحثين: مما أدى إلى إتباع البحث الكمى عبر العديد من الحالات. إلى جانب ذلك، إضطرت الصين تحت الضغط للحفاظ على سجلات نشر دولى جيدة، إلى السماح بإتباع التحليل الكمى لباحثيها، لأن التحليل السياسى الكمى يحصل على مكانة متميزة، وفى المسابقات البحثية أيضاً فأن معيار الفوز هو المزيد من التحليل الكمى كشرط للفوز فى المسابقات البحثية الدورية الآن بين الطلاب فى الجامعات الصينية.
ونتيجة لذلك، بدأ التقدم السريع والعدوانى للنهج الكمى يقلق باحثى المدرسة القديمة فى الصين الرافضين للتحليل الكمى فى السياسة الصينية. بالإضافة إلى ذلك، أدى التطبيق المتسارع لأساليب العلماء الكمية فى السنوات الأولى إلى إنتاج العديد من الأبحاث السيئة. وهذا ربما يزيد من حدة الشكوك والإنتقادات.

- ثالثاً: بشكل أعمق، يركز الإستخدام الناشئ للأساليب الكمية فى علم السياسة فى الصين على معالجة مختلف المشكلات الأضيق والأقل تبعية، والأسئلة الكبيرة الصعبة وبعض النظريات تفقد فعلياً أهميتها وتفسح المجال لمواضيع مجزأة ومبتذلة بشكل متزايد: وبالتالى، يعرب العديد من الباحثين الصينيين عن قلقهم بشأن ذلك، ويحذرون من أنه إذا أجريت جميع الدراسات السياسية بشكل كمى، فإن "أكثر القضايا إثارة للإهتمام والأكثر أهمية في السياسة الصينية لن يتم تناولها على الإطلاق". غالباً ما يقابل هؤلاء المتشككون إختبارات "ذات دلالة إحصائية" للفرضيات الكامنة وراء البحث الكمى بسؤال "ماذا بعد؟".

وفى عام 2000 ، حاولت ما يسمى بـ "حركة البيريسترويكا" فى أمريكا التنديد بـ "النظرة الضيقة والتحيز المنهجى تجاه النهج الكمى والسلوكى والعقلانى والإحصائى والنمذجة الرسمية". لذلك، اقترح بعض العلماء أن العلوم السياسية الصينية يجب أن تتعلم من التجربة الأمريكية فى مقاومة "الهيمنة العلمية" والحفاظ على قوة (التعددية المنهجية) كما هو الحال فى العلوم السياسية الأوروبية.
وإقترح باحثون آخرون ذلك بدلاً من الإعلان تفوق إحدى "الثقافتين"، أو من خلال نظرة عدائية تجاه بعضهما البعض أى بين الصين وأوروبا، فإن اتباع نهج أكثر فائدة ومثمرة هو التعلم المتبادل والبحث عن بحث متعدد الأساليب مصمم "لتحقيق معظم التنوع الحالى". علاوة على ذلك، لا ينبغى النظر إلى "العلم" من خلال منظور ضيق على أنه مجرد "كمّى" حيث إن البحث المصمم جيداً هو الذى يستخدم أساليب صارمة ومتطورة، سواء كانت كمية أو نوعية، ويمكن تقديره على قدم المساواة بأنه "بحث علمى رصين". ومن المؤكد أن قول هذا أسهل من تنفيذه، خاصةً مع حالة الجدل عند تطبيق المنهج الكمى فى حالة مجال العلم السياسى الصينى.

كما جادل الباحث الصينى (قوه) فى عام 2019 تحديداً بأن (السبيل الوحيد لمواجهة التحدى قد يكون التوفيق بين الدراسات المعيارية والتجريبية). فالدراسات المعيارية، على عكس الدراسات التجريبية، هى دراسات ذاتية ومنطقية وتحليلية للمفاهيم والأنظمة. فى العلوم الإجتماعية، يمكن للعلماء تحليل القضايا المجردة من خلال إنشاء قواعد منطقية صارمة وتطبيق النماذج الرياضية الدقيقة والأساليب الرياضية. فلسفياً، يمكن إستخدام الدراسات التجريبية والدراسات المعيارية، على التوالى، تحت تأثير التجريبية والعقلانية. ولكن، فى البحث السياسى، كلاهما أى (الدراسات التجريبية والدراسات المعيارية) لا غنى عنهما كطريقتين مختلفتين لكن متكاملتين، على التوالى، للإجابة على أسئلة، مثل: "ما هو" و "ما يجب أن يكون". بمعنى آخر، يتم تجميع طرق البحث فى العلوم الإجتماعية وتحسينها من خلال الجهود طويلة المدى والدراسات المقارنة عبر الحدود، وبالتالى فتصبح قابلة للتطبيق عالمياً.







- الثالث عشر: التوازن بين "برج العاج" و "الملاءمة العامة" أو "الأهمية الإجتماعية"


العلوم السياسية هى شكل من أشكال البحث العلمى، والتى تنطوى على إستخدام أساليب مختلفة لتعزيز فهمنا للعالم السياسى. فى هذه الأثناء، يُكلف الباحثون السياسيون عادةً بتحسين سياسات الحكومة والتأثير فى النقاشات العامة. أصبح التمركز بين "برج العاج" والأهمية الإجتماعية قضية محورية متزايدة للعلوم السياسية الصينية، حيث أصبح الإنضباط داخل الحقل يخضع لمراقبة وثيقة من قبل السلطات السياسية والإدارية وحتى متداخلة معها. يصر البعض على أن علماء السياسة، مثل علماء الإجتماع الآخرين، يجب أن يظلوا "خاليين من القيمة"، ملتزمين بالإستقصاء العلمى وإختبار النظرية، مما يجعل النظر إلى علم السياسة "علماً"، وبالتالى، يجب أن يحافظوا على بعض المسافة من سلطة الدولة. ومع ذلك، يجادل آخرون بأن الباحثين السياسيين يجب أن يتحملوا مسئولياتهم الإجتماعية السياسية فى تشكيل الحياة العامة بطرق إيجابية، كما شجع ذلك التدريس الكونفوشيوسى التقليدى وكذلك الحكومة الصينية.

يبدو أن العلماء الصينيين الذين يدافعون عن إبقاء العلوم السياسية ذات صلة إجتماعياً وسياسياً لديهم بعض التبريرات الواقعية، للأسباب التالية:

- أولاً: منذ إستعادة العلوم السياسية الصينية فى عام 1980، تم تحديد الهدف الأساسى من فكرة الإنضباط لخدمة السياسة الصينية فى الممارسة: وكما أشار (البرنامج أو الخطة الخمسية الأولى لتطوير حقل العلوم السياسية الصينية (1980-1985)، فإن مهمة العلوم السياسية الأولى فى الصين: هى (دراسة المشكلات العملية للصين، لتقوية وتحسين قيادة الحزب، وإعادة ديكتاتورية البروليتاريا، وإصلاح النظام الإشتراكى وتحسينه، وتطوير الديمقراطية الإشتراكية، وإصلاح نظام الكوادر وتبسيط الهيكل الإدارى، ورفع الكفاءة)... إلخ.
لذلك، جاءت ولادة العلم السياسى الصينى لخدمة الحزب وأهداف سياسة الدولة فى المقام الأول، ومعرفة سياسية أفضل لتحسين النظام السياسى، وتقديم نصيحة سياسية للحزب والحكومة.

- ثانياً: إعتبر العديد من الباحثين السياسيين الصينيين أن العمل على القضايا أو المشكلات العملية أكثر أهمية من إنتاج دراسات أنيقة من الناحية النظرية أو مثيرة للإعجاب من الناحية الرياضية ولكنها لا تتلامس مع الواقع: إنهم يعتقدون أن البحث القائم على حل المشكلات الناتج عن الممارسات السياسية والاجتماعية سوف يفقد كل من الإنضباط والحكم الوطنى.
- ثالثاً: معظم الجامعات الصينية مملوكة للدولة ويقودها الحزب الحاكم: لذا، يجب أن تضمن الإنضباط المالى، والدعم المالى من السلطات من خلال عرض إحتياجاتهم ومصالحهم.
وبشكل عام، فإن الجامعات الصينية (بإستثناء عدد قليل من الخارج والمملوكة للقطاع الخاص المدارس المعتمدة من قبل الحكومة) مملوكة للدولة وتدار بتمويل من الحكومة. إستثمرت الحكومة الصينية بكثافة فى دعم البحث الأكاديمى، بدءاً من السياسات الوطنية، بما فى ذلك "مشروع 985" و "مشروع 211"، ومؤخراً، تم تبنى "مبادرة الدرجة الأولى المزدوجة"، إلى العديد من مشاريع العقود الحكومية. وعلى سبيل المثال، فى عام 2017 وحده، قام (الصندوق الوطنى للعلوم الإجتماعية الصينى) الموجود فى قسم الدعاية المركزية للحزب الشيوعى الصينى، و (مؤسسة العلوم الإنسانية والإجتماعية) بوزارة التعليم، على التوالى، برعاية (143) مشروعاً و (33) مشروعاً فى العلوم السياسية، بحيث: (تخدم الحزب وأهداف سياسة الدولة، ودعم الخطاب الأيديولوجى الإجتماعى، وتأييد أفكار قادة وزعماء القمة، بدءاً من "دينغ شياو بينغ" إلى الرئيس الحالى "شى جين بينغ"). علاوة على ذلك، فإن (صعود الصين السريع يمكّن الدولة من توفير موارد البحث، كما تدعو إستراتيجية الصين "للعالمية" إلى إجراء دراسات سياسية عالية الجودة ومحدثة لمساعدة واضعى السياسات على معالجة التحديات) المختلفة.

وهذا هو السبب فى أن المشاريع الأخيرة التى ترعاها الحكومة تلبى بشكل رئيسى، مثل: "مبادرة حزام واحد، طريق واحد" أو "فكر الرئيس الصينى شى جين بينغ على الإشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد".
على الرغم من أنه يبدو من المعقول للعلماء السياسيين الصينيين تلبية مطالب العالم الحقيقى، إلا أن هذا يثير أيضاً مخاوف متزايدة بين العلماء حول (الحرية الأكاديمية وإستقلالية الإنضباط) فى حقل السياسة ونوعية الدراسات السياسية السائدة كما ينتقد بعض المحللين. للأسباب التالية:
- أولاً، يتطلب الإستقلال الأكاديمى والمهنى أن تكون أجندة أبحاث العلوم السياسية خالية من سلطة الدولة: بالتأكيد، لا يمكن تحقيق الإستقلال العلمى الكامل تحت أى ظرف سياسى، ناهيك عن أنظمة الحزب الواحد.
 
ومع ذلك، فإن الإنخراط المفرط فى السياسة اليومية وإعطاء الأولوية لــ (دراسات العقيدة الإجتماعية) من المرجح أن (يعيق التطور الفكرى للعلوم السياسية الصينية)، مما ينتج مخرجات ذات أهمية أكاديمية قليلة. وفى الوقت نفسه، فإن التأثير القوى للإعتبارات السياسية على تخصيص التمويل الحكومى سيؤدى أيضاً إلى تحيز التوجه البحثى وسيؤثر سلباً على جودة البحث.

- ثانياً: يصر كثير من العلماء على أن العلوم السياسية يجب أن تظل مستقلة، وأن تولد آراء نقدية حول سياسات العالم الواقعى والسلوك الحكومى، مما يمنع عرقلتها بسبب سوء السلوك السياسى: هذا هو أحد أهم الدروس السياسية الصينية المستفادة منذ إندلاع الثورة الثقافية. وهى أن يهيمن على الدراسات السياسية نهج مؤيد للحكومة، وتصبح العديد من الموضوعات البحثية حساسة سياسياً، الأمر الذى سيعيق بدوره التفكير السياسى النقدى، وبالتالى يعرض الحوكمة والسياسات الجيدة للخطر.

- ثالثاً: هناك خطر كبير فى جعل المجتمع العلمى الصينى مفرط البيروقراطية عندما يمارس الكثير من السلطة السياسية على البحث الأكاديمى: وعادة ما تكون صناديق البحث مصحوبة بمبادئ توجيهية للسلطات ويهيمن جدول الأعمال السياسى على تقييمات المشاريع البحثية. إن التدقيق البيروقراطى حول إستخدام أموال البحث والأنشطة الأكاديمية يمنح السلطة للقطاعات الإدارية. فى بعض الحالات، يتجاوز التأييد الجزئى للقادة أهمية مراجعة النظراء فى تقييم الأداء الأكاديمى. ونتيجة لذلك، كما جادل الكثيرون، فإن "الغزو الإدارى للعالم الأكاديمى" سيعرض المؤسسات البحثية المستقلة للخطر ويثير الإبداع الفكرى.
لا يعنى هذا بأى حال من الأحوال أن البحث عن أهمية سياسية أمر خاطئ. فى المقابل، يمكن أن تكون إحدى مزايا التقاليد الصينية للدراسات السياسية، كما تدافع عنها نظرية (الكونفوشيوسية) قائلة: "بإستخدام ما يتعلمه المرء لجعل العالم حالة مجال العلوم السياسية الصينية مكاناً أفضل".
(Jingshi Zhiyong)

ومع ذلك، يجب (إقامة توازن بين الملاءمة العامة والأهمية الإجتماعية و "برج العاج" أو الإبتعاد عن المجال لتحديد مدى مشاركة العلوم السياسية فى القضايا السياسية العملية)، والطرق التى يمكن لعلماء السياسة الصينيين التأثير فيها على السياسات العامة دون تقويض العلوم وإنتقاد طابع الإنضباط فيها. كما أن ذلك لن يؤدى دوراً أكثر توازناً فى هذا الصدد فحسب، بل سيخدم كلاً من الأوساط الأكاديمية الصينية، والمصلحة الوطنية بشكل جيد أيضاً من خلال توفير أبحاث سياسية مستقلة تسهل تجنب الأخطاء السياسية، ومن خلال تعزيز الإعتراف الدولى عندما تدفع الدولة الجامعات والتخصصات الصينية للسعى لتصبح "رقم واحد فى العالم".






- الرابع عشر: ننظر إلى الوراء للمضى قدماً (بمعنى ربط الماضى بالحاضر) لفهم تطور العلوم السياسية الصينية
Looking back to move forward

تتضمن هذه النقطة البحثية نظرة عامة على الشكل العام للعلوم السياسية الصينية وتطورها، إلى جانب تحليل التحديات التى يواجهها النظام عند مفترق طرقه. من الواضح أن نظام العلوم السياسية فى الصين حقق تقدماً كبيراً على مدى العقود الماضية من حيث إضفاء الطابع المؤسسى عليه، ووصوله إلى مرحلة الإحتراف أو المهنية والتدويل. لا يزال هناك مجال كبير للنمو والتقدم المستقبليين فى العلوم السياسية الصينية، ولكن من المرجح أن تعتمد النظرة المستقبلية وحيوية هذا النظام على الطريقة التى يعالج بها ثلاث قضايا رئيسية، وهى:
أ) التوتر بين التغريب والتوطين أو المحلية
ب) الإختيار بين التعميم والتعددية المنهجية
ج) التوازن بين "برج العاج" والتلامس مع المجتمع.

بطبيعة الحال، من الصعب جدًا التوصل إلى توافق فى الآراء حول الأبعاد الثلاثة، ولا تهدف هذه الدراسة أو التقرير البحثى للباحثة إلى إلقاء محاضرة على زملائنا الباحثين والأكاديميين فى مجال العلوم السياسية حول كيفية توجيه زورق العلوم السياسية. ومع ذلك، فإننا نسعى جاهدين لتحفيز خطابات أكثر عكسية حول إتجاه الحقل بينما يستمر فى التطور. ومن هنا، نقترح أن يتم إعتماد نهج
"Glocalisation”

لدمج "العولمة" و "توطين" الدراسات السياسية الصينية من خلال إستكشاف التأثيرات المتبادلة للجانبين، كما إقترح البعض بناء "الجسور" و "التحدث" مع بعضها البعض.

وفى الوقت نفسه، سوف يسفر الأمر عن تبنى باحثون سياسيون صينيون رؤية أكثر شمولاً لكون العلوم السياسية "علماً" فى المقام الأول، كما يفعل نظرائهم من الباحثون الأوروبيون، ومن الإستفادة إلى أقصى حد من مجموعة متنوعة من الأساليب الصارمة للتحقيق فى الأسئلة المختلفة. علاوة على ذلك، فإن وجود دور أكثر توازناً للعلوم السياسية أمر ممكن وصائب فى الحفاظ على إستفسارات فكرية مستقلة ونقدية أثناء الإنخراط فى شئون سياسية وسياسات عامة فى العالم الحقيقى.
بإختصار، كما جادل الباحث الصينى "قوه" فى بحثه عام 2018، بأنه: "يجب على العلماء الصينيين أن يتعلموا من الآخرين، وأن ينتقدوا وينقذوا التقاليد والمعارف القائمة من أجل الإبتكار، وبالتالى تشكيل وتطوير مدارس فكرية ونظريات وأساليب جديدة، إن إنتاج المعرفة ليس "شرقيًا" ولا "غربيًا". بدلاً من ذلك، يجب أن تكون المعرفة من "جميع البلدان" و "جميع الحضارات"، ودمج التقاليد الصينية والغربية، والمعرفة القديمة والحديثة". إن العلوم السياسية هى علم إجتماعى يهدف إلى إستكشاف وإكتشاف وشرح الأنماط فى حدوث الظواهر السياسية، وأنماط فى ممارسة السلطة وتوزيع الموارد، وأنماط الأنشط السياسية والسلوك السياسى للمواطنين وعلاقاتهم بين أنفسهم ومع العالم الإجتماعى الذى يعيشون فيه.


ومن هنا، ووفقاً للعرض السابق للباحثة المصرية يتضح لنا أهم القضايا الجدلية فى مجال تطور علم السياسة الصينية، بما يمكن لنا إدخاله فى أقسام العلوم السياسية، مواكباً التطورات الصينية السياسية المعاصرة كالحزام والطريق، وما بعد أزمة (كوفيد-19). نظراً لعلاقاتنا الوثيقة مع بكين، لذا، فلابد من عمل (توازن منهجى موضوعى) فى مجال دراسة العلوم السياسية الصينية ما بين الغربية والأمريكية والصينية.