كالعادة، يسارع الأردنيون إلى إطلاق التكهنات بشأن بقاء الحكومة من رحيلها. وبما أننا مقبلون على استحقاق انتخابي دستوري قبل نهاية العام الحالي، فإن وتيرة التوقعات تتزايد بشكل كبير، بعضها ربما يكون مدفوعا من أطراف معينة، وأغلبها قائم على اجتهادات تدور على صفحات التواصل الاجتماعي أو أحاديث في مجالس سياسية، وسط غياب المعلومة الدقيقة.
ربما ليس من الأهمية بمكان الآن تركيز الحديث عن تغيير حكومي يأتي برئيس جديد وبتشكيلة حكومية جديدة، بقدر أهمية الإشارة إلى جوهر هذا التغيير ومدى قدرته على إحداث الفرق المطلوب، وهل هذا هو التوقيت المناسب لإجرائه، والأسباب الموجبة إليه، وإن كانت المشكلة تكمن في شخص الرئيس الدكتور عمر الرزاز أو ببعض أعضاء فريقه، أو بكليهما، أو بالتحديات التي مرت بها المملكة خلال الفترة الماضية، والتي لم تنته آثارها بعد.
حالة الغليان التي تحكم الشارع الأردني، وسخطه على الحكومة، لا يمكن التقليل منها، أو تهميش قراءتها سياسيا، فردود أفعال المواطنين على أي قرار تتخذه رئاسة الوزراء، مهما كان هذا القرار، ومدى أهميته من عدمه، تؤكد أن العلاقة الأزلية بين الطرفين لا يحكمها سوى الرفض، لأن ما يطمح إليه الناس لا يمكن لأي رئيس وزراء تحقيقه بالمطلق، رغم أن مطالب الأردنيين حق كفله لهم الدستور، وبات لزاما على الدولة توفيره لهم جراء الضرائب التي يدفعونها للحصول على خدمات أفضل.
لكن هل السعي لإرضاء الناس وحده سيكون كافيا لأن تقدم الدولة على استقبال رئيس حكومة جديد في الدوار الرابع؟، أي هل ستكون قرارات الدولة شعبوية، خصوصا أن القادم الجديد لن يكون مرحبا به مسبقا، إذ إنه سيرث وضعا اقتصاديا وسياسيا صعبا للغاية، وبالتالي لا يمكنه الوصول إلى قلوب المواطنين، ولن يمتلك قناعاتهم، فهو مهما بلغ من العزم والإرادة لن يتمكن من إحداث نقلة نوعية في حياتهم، جراء ما يعصف بالمملكة من تحديات داخلية وخارجية.
هل نريد تغيير الرزاز لمجرد التغيير؟، أم أن المرحلة تتطلب ذلك، وهل بالفعل أفلس الرجل ولم يتبق لديه ما يقدمه، أم أنه يحتاج إلى دفعة جديدة عبر السماح له بإجراء تعديل وزاري يستبدل فيه عددا كبيرا من الوزراء الذين فشلوا في إدارة ملفاتهم، واستقطاب من هم أكفأ، وأقدر على ذلك.
لنفرض جدلا أن الرزاز وفريقه لم يحققوا المطلوب منهم، وأنهم لن يفعلوا، فمن هو البديل القادر على إحداث التحول المطلوب، وهنا لا أشير إلى أن الرئيس لا نظير له وليس هناك من هو أفضل منه، لكن من يأتي بعده يحتاج إلى بيئة خصبة تساعده على التغيير، كما يحتاج إلى أن يملك القدرة الكبيرة على اختيار وزرائه، اختيار تشاركي من متعدد مع جميع مؤسسات الدولة، وقائم على قراءة سيرهم الذاتية ومؤهلاتهم، وألا يقتصر الاختيار على قائمة المعارف التي يمتلكها.
من أسوأ القرارات التي يمكن أن تتخذ قرار تغيير نمط حياتنا لأننا نريد ذلك فقط، وليس لأننا نبحث عن خيار أنسب وأكثر منفعة، ربما في هذه المرحلة، الأفضل أن يستمر الرزاز، مع تعديل حكومي يفرز الغث من السمين، إلى حين الوصول لقناعة تامة بأننا قادرون على استبداله بمن هو أنسب منه.
لست مدافعا عن رئيس الوزراء، ولست بصدد الترويج لبقائه، لكن الواقع يقول إن الأردن يجب أن يكون مختلفا عما مضى، وتحقيق هذا الاختلاف يكون بأشخاص قادرين على الولوج إليه. هل يتوفر من هؤلاء الآن أحد؟ أين هم؟ وكيف سنحكم عليهم مسبقا؟.