أكثر من ثلثي سكان العالم بحلول عام 2050 سوف يتركز وجودهم في المدن، وبالتالي فإن الازدحام من المتوقع أن يكون على أشده في المستقبل، ومن ثم فإن أي جائحة مسقبلية سوف يكون أثرها أشد ونتائجها أعظم وأضرارها أعم على الناس . اذاً، فكيف السبيل الى مواجهة ذلك في تصميم مدن المستقبل؟
بداية، ينبغي أن يُراعى في المخططات الشمولية استقلالية المناطق المسكونة، وتقليل احتكاك السكان ببعضهم البعض، وتنويع المساحات الخضراء وزيادتها، فضلا أنه من الضروري عند تصميم الابنية العامة إمكانية تحويلها في المستقبل إلى مستشفيات وأماكن استقبال للناس في حالات الكوارث، سواء كانت جوائح أو زلازل أو فياضانات، أو حروب ... إلخ .
كما ينبغي أن يُراعى تقليل الازدحام، والحد من فكرة الزيادة الطابقية، وزيادة حوافز الأبنية الخضراء شبه المستقلة ذاتيا بتوليد الطاقة النظيفة، فضلا عن ضرورة تزويد الابنية بعدد مصاعد أكبر في حال الابنية المرتفعة، وذلك لتقليل الضغط على هذه المصاعد وتحقيق تباعد أكبر بين السكان. وأيضا فإن تطوير فكرة زيادة أعداد بيوت الدرج وتوسيعها عن الحد الأدنى قضية مهمة لتحقيق تباعد أفضلبين السكان.
فيما يتعلق بالجانب الصحي أيضاً، ينبغي مراعاة زيادة عدد المرافق الصحية في أبنية المستقبل، وبما يحقق متطلبات تحويل تلك الأبنية الى استخدامات أخرى، إضافة الى ضرورة زيادة أماكن غسل الايدين. كذلك ينبغي تحسين التهوية الطبيعية في الاماكن العامة والابنية السكنية والتجارية أيضاً.
وإضافة الى تخصيص أماكن ترفيه أكثر ومساحات خضراء أعظم، فإنه ينبغي تخصيص ممرات كافية وواسعة للدراجات والمشاه، بحيث يتم تشجيع الناس على اجتناب المواصلات العامة والازدحام الخطير الذي يتعرض له المسافرون.
وفيما يتعلق بأعمال التدفئة والتبريد، من الافضل اللجوء الى الانظمة المغلقة في التدفئة أو التبريد، إذ يُفضل أن يقل الاعتماد على تسخين أو تبريد الهواء المتحرك، لأن حركة الهواء المستخدم في التدفئة أو التبريد من شأنه أن ينقل الفيروسات والبكتيريا من مكان الى آخر. واذا كان لا بد من ذلك فيجب التركيز على فلترة الهواء وفق المواصفات المتطورة لما بعد كورونا.
وفيما يتعلق باختيار العائلات لمبانيها السكنية الجديدة، فيفضل ان يتم التوجه نحو اختيار الاماكن غير المزدحمة والتي تتوافر فيها الخدمات الحديثة ومساحات خضراء كافية ،وتكون قريبة من مواقع العمل أيضاً، سواء الوظيفي أو العمل الخاص، وأن تكون قريبة من المواصلات العامة و تتوافر فيها أماكن للمشاة و الدراجات بهدف الاستغناء عن المواصلات العامة والأماكن المزدحمة.
وأخيراً، يمكن أن يتطلع الانسان إلى نوع من الاكتفاء الذاتي الغذائي عندما تتوافر أماكن خضراء، حتى لو كانت محدودة المساحة ،إذ ان تطور السماد وأساليب الزراعة وأنظمة الري من شأنها أن تستغل أقل مساحة خضراء ممكنة في زراعة الحاجات الاساسية للبيت، من خضروات وفواكة ومواد غنية بالبروتينات كالفول والعدس وما إليهما. وقد تحقق ذلك بتجارب سابقة، و تحديداً في الولايات المتحدة الامريكية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تم التوصية بالزراعة البيتية، كالسبانخ مثلا، وترغيب الناس والاطفال تحديدا على استهلاكها، لانها غنية بالحديد والفيتامينات، وقد طورت مؤسسة عالم ديزني برامج تسلية للاطفال، ومنها باباي البحار، الذي عندما يأكل السبانخ يصبح قوياً، وذلك لأغراء الاطفال على استهلاكها. فالمبادرات الخاصة مهما أبدعت تظل محدودة الأثر، أما اذا كانت المبادرات من الحكومة فتكون أعم وأكثر أثراً واستدامة.