الأنباط -
الأنباط -زمن ما بعد كورونا ليس كما قبله، عبارة يتداولها الكثير من خبراء الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وذلك دلالة على حجم التغيير الحاصل في أنماط الحياة بكافة حلقاتها نتيجة هذه الجائحة الكونية، وان كان البعض يؤسس لعلم ما بعد الكورونا،في الاقتصاد والسياسة، تبقى وجهة النظر الأخرى بأن الحياة ستعود لما كانت عليه قبل الجائحة، وبعيدا عن صوابية وصدقية ايا من الحالتين، فالمؤكد ان هذه الجائحة اختلفت عما سبقها من حيث العالمية والتأثير، وهذا امر طويل يحتاج إلى علوم متخصصة واخصائيين، وجئت به كمقدمة لحديت محلي وشأن داخلي مع الإقرار مسبقا بأن لا جزر معزولة وان العالم بكل جغرافية يؤثر ويتأثر ببعض ذاتيا وموضوعيا.
عودة على الموضوع الوطني، فإن الأداء المؤسسي مع الجائحة في مرحلة احتواء الوباء يشير إلى نجاحات ونموذج إيجابي يقتدى به، وهذا ناجم عن عدة عوامل اهمها العوامل الذاتية، فتشكيل خلية الأزمة وتكليف مركز إدارة موحد للأزمة ممثلا بالمركز الوطني لإدارة الأزمات (تكامل الجهاز العسكري والأمني والمدني) ، والخطوات الجريئة والحصيفة السريعة كلها عوامل ساعدت على نجاحات الاحتواء، وهذه الخطوات ارتكزت على عاملين اولها توجيهات ملكية عليا لاتخاذ كافة الإجراءات متوجة بأمر تفعيل قانون الدفاع ،وتعاون المواطن الناتج عن تعزيز الثقة وجسر الهوة بين المواطن والسلطة التنفيذية.،هذه التكاملية في عمل منظومة الدولة افضت إلى اقتراب لحظة السيطرة والاحتواء، والرسالة الملكية الأخيرة أعطت الإشارات على مدى التقدير لجهود مركز إدارة الأزمة بمكوناته، وتعاون المواطن بشرائحه ومستوياته،
ولعل ما ميز خلية إدارة الأزمة واذرعها في الميدان، هو الجهد المبذول في الموازنة والموائمة بين متطلبات صحة الناس وبين متطلبات الحياة الحيوية واستمراها، بين إغلاق جزئ هنا وكلي هناك وشامل نهايات الاسبوع وجزئي باقي الأيام، تناغمت الأدوات على الأرض فافضت إلى ما وصلنا اليه من حالة استحقت لقب الحالة الأردنية بامتياز،
والمثال هنا حالة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ،فالعقبة حيث المنفذ البحري الوحيد وبما تملكه من ميزة الوصول اليها برا وبحرا وجوا، كانت هذه الميزات مصدر قلق لأي مراقب، فالبحر يفضي إلى كل ما يرد المملكة من العالم الخارجي، وهنا كان قرار الدولة واذرعها في المنطقة الاقتصادية قرارا حساسا في الموازنة بين ان تصبح المدينة السياحية والبوابة الاقتصادية مصدرا خطرا ينفذ منه الوباء وبين ان يبقى مصدرا للطاقة والغذاء، فكان القرار الصائب الاستمرار في الأداء وبأقل القوى البشرية وبأقصى الاحتياطات الصحية والبيئية ،فاستمرار منظومة الموانيء بالعمل كان قرارا تكامليا مدروسا أدى لتحقيقق الهدفين، ولمن هو غير متعمق بمقدار ومعنى الاستمرار بتشغيل منظومة الموانيء، عليه أن يتصور المشهد كالتالي، ميناء الحاويات، ميناء البضائع الجديد، ميناء الشحن مع نويبع، موانىء الطاقة من غاز وبترول وخطوط الغاز، منظومة متكامل تحتاج إلى دائرة وسلسلة من القوى البشرية للتشغيل والتخليص والجمارك والشحن والتنقل بين العقبة والعاصمة وداوئر لوجستية للمتابعة ،وما يترتب على ذلك من تنظيم للتصاريح والحركة لأكثر من 5000 موظف، عدا القوى البشرية الفنية والهندسية التي ساهمت بديمومة القطاع الصناعي في المنطقة الجنوبية للعقبة (فوسفات و بوتاس ،اسمده ،بتروكيماوبات) ،كل هذه المنظومة كانت تدار على مدى 24 ساعه وطوال الأسبوع من قبل الإدارات المتخصصة في الميدان وتنسيق مباشر مع جهاز إدارة الأزمات مركزيا ومحليا ،بالإضافة لذلك ضمان الإلتزام بتعليمات إدارة الأزمة على مستوى المدينة التي لم تكن تشعر بكل هذا الضجيج الا قليلا.
ان الحالة التكاملية من العمل والتنسيق التي سادت لضمان ديمومة القطاع بالتوازن مع المتطلبات الصحية والبيئية في مقاومة الجائحة تطلبت إتخاذ أعلى المعايير ضمن تلك القطاعات المينائية بكل متطلبات ديمومتها وبغطاء أمني عسكري ضابط الإيقاع اليومي، وما كان ذلك ليستمر لولا تلك التكاملية والتنسيق ونجاح القيادات الإدارية والتشغيلية المحلية في فهم الرسالة والمهمة الملقاة على عاتق كل منهما افرادا ومؤسسات.
نعم ،قدمت حالة العقبة نموذجا في وعي وفهم متطلبات الرسالة الملكية عندما كلف الحكومة بتفعيل قانون الدفاع، عبر الموازنة الدقيقة بين الصحة والحياة وديمومة بوابات الأردن على العالم، وهنا تكمن خطوات النجاح وإنشاء التجربة والمثال الواقعي في الميدان، ولعل هذا الأداء يكون الخطوة الأولى لخطوات لاتقل أهمية عما حصل ويحصل.
المهمة القادمة بعد زوال الشدة بإذن الله، هي خطة واستراتيجة الاستثمار في نموذج العقبة كمنفذ بحري جوي بري للوطن بأكمله، عبر خطة استراتيجية بمديات مختلفة لجعل العقبة نقطة انطلاق التعافي الاقتصادي ومحو آثار الجائحة وتداعياتها، خطة تربط القطاعات وتؤسس لمنظومة جديدة تعزز من ميزات المنطقة الاقتصادية وتحول التحديات إلى فرص حقيقية تعيد لقانون المنطقة الاقتصادية ألقه والاستفادة من مميزاته لتحويل العقبة إلى بوابة عبور للوطن والاقليم، منطقة استقبال وتصنبع وإعادة تصدير، منطلقين من ميزات لا تتوفر في جغرافيا أخرى في المنطقة من حيث الاستقرار السياسي والأمني والموقع الجغرافي، وهذا يحتاج بالتأكيد لمنظومة من تفعيل القانون الخاص بالمنطقة وبعض الإجراءات والتصحيح الضريبي لتشجيع الرساميل المحلية والخارجية على التأسيس في المنطقة الاقتصادية،
فهل نستطيع نقل العقبة ونعلن جاهزبتها لمرحلة ما بعد كورونا ونحول التحديات إلى فرص لنهضة جديدة تعود على الوطن بمزيد من الاستقرار والتعافي ؟؟، نعم وبكل ثقة تشير المعطيات إلى اننا نستطيع ذلك اذا ما اتبعنا الحالة التي سادت في طريقة إدارة الأزمة،،وسيكون للاقتصادية الخاصة والعقبة التي عرفها الاردنيين ثغر الأردن الباسم ،تعريفا اضافيا جديد، الا وهو رئة الإقليم المتعافي، ومنطلق التعافي الاقتصادي للوطن والاقليم.
وهنا نقرأ بين السطور التوجهات التي عبرت عنها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة والادارة التنفيذية لشركة تطوير العقبة، بجعل العقبة منطلقا امنا تشريعيا ورقابيا لما بعد مرحلة الكورونا، خاصة مع التحول العالمي من مفهوم الاقتصاد المفتوح الى الاقتصاد الامن مناطقيا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المهندس عامر الحباشنة