الأنباط -
الأنباط -كورونا تعيدنا لفلسفة الحياة السعيدة
بقلم : سارة السهيل
ما بين هلع الشعوب وخوفها من فيروس كورنا بعد حصده للارواح، وبين يقين المؤمنين والحكماء بأن كرورنا فيروس ضار لكنه نافع ايضا، يبقى الامل في الحياة حائط صد في مواجهة الموت، وهو الأمل الذي يرينا الجمال حتى داخل القبح، وان في وسط حلكة الظلام نجوم مصابيح تضئ السماء، وهذه المصابيح هي قدرة الانسان على العلم والتعلم والاستفادة من اخطائه وتصحيح مساره في الحياة، خاصة اذا ادرك نعم الله التي لاتحصى عليه، وفهمه لفلسفة الحياة كما عبر عنها شاعرنا الكبير ايليا أبو ماضي في قصيدته الرائعة " كن جميلا تري الوجود جميلا ".
أيّهذا الشّاكي وما بـــــــك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك هـــــمّ قصّر البحث فيه كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الرّوابي فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها_ والحقل ملك سواها تخذت فيه مسرحا ومقيلا
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ عليها ، والصائدون السّبيلا
تتغنّى، وقد رأت بعضها يؤخذ حيّا والبعض يقضي قتيلا
تتغنّى، وعمرها بعض عام أفتبكي وقد تعيش طويلا؟
ووفقا لفلسفة الحياة كما فهمها ايليا أبو ماضي، فان هذا الفيروس قد جردنا بالكلية من كل المفاهيم الرأسمالية المتوحشة التي قتلت انسانية الانسان، وعرى الانماط الثقافية الاستهلاكية للرأسمالية العالمية حين حولت الانسان الى طاحونة تدور في الهواء للعمل ليل نهار لكي يذهب كل مجهوده في شراء سلع كمالية ورفاهية وتخلى عن دوره في الحفاظ على مؤسسة الاسرة التي تغربت وتشظت وضاعت في جزر التيه.
اليوم كورنا يلعب دور البطولة في دراما حياتنا البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وأيضا الروحية، وكما قيل في الأثر الشعبي " رب ضارة نافعة " فان كورونا تسبب في تغيير نمط حياة ملايين البشر، وفرض التباعد الاجتماعي بتجنب الاتصال المباشر بالأشخاص أو الأشياء في الأماكن العامة، لكنه اطلق العنان لانفسنا كي تستعيد ليقاتها وقدرتها على التأقلم عند أي أزمة، وخلق بداخلنا الحاجة الماسة للتعاون والتكاتف في مواجهة التداعيات الجائحة، فظهرت في بلادنا وبدول العالم العديد من مبادرات الاعمال الخيرية وحتى من البسطاء حين تقدم النساء الدعم لجاراتهم .
وكلنا شاهدنا المبادرات و التبرعات
بل ان التباعد الاجتماعي، أتاح الفرصة لتوطيد علاقات الحب والترابط الاسري، بل واكتشاف الطباع السيئة لبعض افراد الاسرة مما يتطلب اعادة تقييم العلاقات والتعاون على تصحيحها، وأجبر الرجال والنساء على المكوث في المنازل بصحبة الابناء لرعايتهم ولإحياء العادات الأسرية التي اندثرت مثل مشاهدة التلفاز معا، والتجمع حول مائدة الطعام.
وعلى الصعيد البيئي، فان تقلص النشاط البشري للمطاعم والكافيهات والفنادق والمصانع والمحاجر، وقلة عدد المركبات التي تسير في الشوراع وانخفاض تلوث الهواء وبدت السماء أكثر صفاءا والمياة أكثر نقاءا.
وقال جاكسون أستاذ علوم نظم الأرض بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا لرويترز "لن أندهش من رؤية انخفاض بنسبة خمسة% أو أكثر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هذا العام وهو شيء لم نشهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.
و حتى الحيوانات كان لها نصيب من فوائد كورونا فقد أعتقها الناس من التعذيب و الأذى و أخذت حقها في التجوال براحتها
كما ان الناس التي تحبس الحيوانات عرفت معنى الحبس و جربت مره
وفي الاقتصاد
تسبب كورونا في تغيير من عادتنا الاقتصادية السيئة، فتخلصنا من استيراد المنتجات الرفاهية والكمالية من انواع الملابس ومساحيق التجميل وغيرها وكذلك الخدمات الترفيهية العديدة، ولكننا لم نكن نقدر هذه النعم حتى أفاقنا كورونا عليها، وبتنا نتعلم جميعا نعمة الصبر على البلاء ونعم الشكر للخالق على أنعمه التي لا تحصى، تحرر الانسان من رهن ثقافة الاستهلاك والاسراف الذي يضر ولا ينفع.
فقد توقفنا عن تناول الغذاء بالمطاعم ووجبات التيك أواي المتخمة بالدسم وغيرها من الاطعمة التي تضر بأجسادنا، وأتيحت الفرص للاجساد البشرية لتدخل في حمية صحية يتخلص فيها من كل السموم.
اليوم كلنا نهتم بشراء الحاجيات الاساسية والصحية فقط ونستغني عن المنتجات غير الضرورية عبر عملية تقنين اقتصادي داخل الاسرة من شأنه ان يدعم اقتصاد بلادنا.
ويبقي لكورنا الفضل في الاهتمام بصحتنا والاهتمام لتقوية جهازنا المناعي عبر الاهتمام بالنظافة والتعقيم بالمطهرات وتناول الاغذية المدعمة و الفيتامينات كما انها ساعدت في تعليم من لم يكن يهتم بالنظافة من استحمام و غسل الأيدي و النوم بملابس الخروج و غيرها من العادات السيئة فكلها غابت بحضور كورونا .
كما تعلم الاطفال النظام و الانضباط كما اظهر المراهقين أيضًا الالتزام و التخلي عن بعض السذاجات من بعضهم .
كما كانت فرصة الحجر المنزلي لمن لديه أعمال منزلية او كتابية عالقة لإتمامها او مواضيع تحتاج الى تفكير و بحث
و عززت هذه الأزمة حب القراءة في أوقات الفراغ الطويلة
كما أوجدت ايضآ تقدم في التثقيف الصحي المجتمعي
وكشفت هذه الأزمة أيضا عن مروجي الإشاعات فأصبح لدى الناس وعي تام بأن لا يصدقوا كل ما قرأوا فأكثر ما ينشر بين الناس تلفيق بالصورة و الصوت و المعلومة فتعلم الناس البحث عن الحقيقة من مصادرها الموثوقة
كما جعلنا كورونا نفكر بالاكتفاء الذاتي المحلي من الطعام و الشراب فنفكر بتطوير الزراعة و ما ينتج منها للصناعة تحسبًا لأي ازمة فيكون لدينا ما يكفينا من ارضنا و من اهلنا و مزارعينا
كما عاش الناس في ازمة كورونا اجواء تجعلهم يشكرون الله انها ليست حرب عالمية فهل يفكر الناس بهجر الحروب و القضاء على تجارة السلاح و منح الحب و العون لخلق الله دون تفرقة دين او قومية او لون ؟!
ومن فوائد كورونا الوطنية انه عرف كل شعب قدره عند قائده و حكومته و انكشفت الأقنعة وبان اصحاب القلوب الطيبة من اصحاب الضمائر الميته
و ظهرت استعدادية بعض الدول العربية التي فاقت الدول الأجنبية ودحضت المزاعم بأن الغرب اكثر تطورًا و استعدادًا في هذه النواح و حتى من ناحية الإنسانية
فارتبطت الشعوب بحكوماتها و التحم الشعب مع قياداته الحكيمة في البلدان التي احترمت المواطن مثل الأردن و السعودية و الكويت
و مصر
كما اعادت كورونا ترتيب الأولويات
و ترتيب أهمية الأشخاص و المهن و ربما اعادة النظر في المهيات و المرتبات و التكريمات من الدولة و الناس لمن يستحق
فغاب عن المشهد المشاهير الذين اشتهروا بسبب الترويج للبضائع الكمالية الغير ضرورية و ربما المضرة
و غاب عن المشهد اصحاب الفيديوهات التافهه التي تروج السخف و تدمر القيم
و تصدر المشهد من يستحق الصدارة من الأطباء و الكوادر الطبية و الجيش و الشرطة و كل من يخدم الوطن و الناس ليس من يتبجح عليهم و يسترزق على أكتافهم
شكرا كورونا لقد كنت كالمرآة للمجتمع عكست لنا الواقع
وأخيرا، كورنا أعادنا الى الله تعالى لكي نتحرر من اشباع حاجاتنا الجسدية والتحول الى اشباع حاجتنا النفسية والروحية عبر الاتصال بالخالق العظيم وتقديسه وتعظيمه والانابة اليه.
سارة طالب السهيل