الأنباط -
الأنباط -
كتبت: اخلاص القاضي
يسجل للدبلوماسية الأردنية على مر السنوات أنها تتقن وعبر علاقاتها بالدول وخاصة العربية والخليجية منها، ميزة الحفاظ على "شعرة معاوية"، وتدرك بثوابتها وعقلانيتها أن العمق العربي- العربي، ومن ضمنه وفي صلبه الخليجي بطبيعة الحال، هو الأساس الأمثل والأكثر إنتاجية على الصعد كافة، استنادا إلى منطقية التكامل والتعاون والتنسيق والتبادل والمصالح المشتركة، منحية جانبا، بحكمتها وبُعد نظرها قواعد الاشتباك بين الآخرين، إما بشكل مباشر أو بحذر مدروس ، وذلك منعا لارتدادات على المملكة قد تهز صلابة علاقاتها مع الآخر، والمستندة الى إرث واحترام وتفهم متراكم ذكي وخبراتي لخصوصية وطبيعة العلاقات بين الدول.
من هنا، ووفق هذا المنطلق، وعلى هامش الأجواء التي تترقب الزيارة المنتظرة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى المملكة مطلع الأسبوع القادم، وهي زيارة ترحب بها كل الأوساط الاردنية، لما تحمل في طياتها من تأكيد على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، أقول؛ ظل الأردن على الدوام متمسكا بعلاقته بالشقيقة قطر، وإن شاب تلك العلاقة التاريخية بعض من الجمود، مدفوع بأزمات المنطقة، التي "لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، ومدفوع أيضا بتشابك العلاقات وتقاطعها بين الاردن وغيره من الدول الخليجية، غير أن ثمة ذكاءً أردنيا بمعرفة احداثيات وخطوات "طريق الرجعة"، التي تحافظ على إثر الذهاب والعودة من وإلى الدوحة، بما يحفظ ماء الوجوه، ويؤكد أن القيادة الأردنية لم تكّن يوما للقيادة القطرية الإ الاحترام والتقدير، ولم يدع الاردن يوما في سياق اي أزمة عربية كانت أم خليجية الإ للحلول السلمية القائمة على الحوار والتفاهم والوصول الى نقاط مشتركة في أي مسألة كانت معقدة أم "سهلة ممتنعة".
"الزيارة التميمية المُقدّرة والمنتظرة"، لا تدخل في إطار انفتاح سياسي بين البلدين، بقدر ما هي تعزيز وأحياء لأساس صلب، وبقدر ما هي أمل لكثير من الاردنيين ممن يأملون في هذه الايام خاصة ب( طاقة فرج) تنعكس ايجابا على معيشتهم، فثمة اتفاقيات مشتركة ستبرم بين البلدين في إطار استثماري يطال السياحة والتجارة والطاقة، وإعادة الامل لاردنيين باحثين عن فرص عمل مجدية، إذا ما عززت قطر فتح ابوابها أمام العمالة الاردنية الماهرة المشهود لها بالتميز والانتاجية والابداع، سيما وأن قطر على موعد مع حدث عالمي (مونديال 2022)، وستكون العمالة الاردنية رافدا نوعيا في سياق تنظيمه على الوجه الذي يليق باهمية الحدث، فضلا عن استثمارات قطرية متنوعة في الاردن.
وعلى المقلب الآخر، لا أرى في الزيارة أي تعزيز لأي حركة سياسية، ولا اظن أن الاردن في هذا الوارد أو ذاك، فطابع الزيارة أخوي وتبادل مصلحي ايجابي، وخاصة في الشق الاقتصادي، ناهيك عن تعزيز نوعي للعمل العربي المشترك، الذي هو أساس التقدم والنماء، والذي نحن في أمس الحاجة اليه.
قد تكون زيارة أمير قطر لعمان، وهي الاولى للمملكة منذ سنوات ست، بادرة خير لتقارب قطري خليجي، برعاية اردنية، لم لا، فالاردن مشهود له بانه بلد الوفاق والاتفاق، ومشهود له، بانه لا يريد الإ الخير لجيرانه وللوطن العربي قاطبة، خاصة؛ ان ما يجمع البلدان الخليجية أكثر بكثير مما يفرقها، فاتحاد الخليج العربي قوة كبرى للوطن العربي برمته، وآن الاوان ليدرك الجميع بان الخصام لا يجدي نفعا، وان التوصل لاتفاق قطري خليجي يعني انفراجا لكل عائلة خليجية على الصعيد الاجتماعي، فما بالكم بالصعد الاقصادية والسياحية والاقتصادية والتبادل التجاري، كما يعني انفراجا كليا لعلاقات عربية-خليجية تكمل بعضها بعضا في مجالات لا حصر لها.
وعلى الصعيد القطري الخليجي، اعتدنا وعهدنا أخوة يختلفون على مسائل متنوعة، ولكن في نهاية المطاف يجمعهم الدم الواحد والمصير الواحد، ولربما كانت زيارة القيادة القطرية المرحب بها دوما في الاردن، المفتاح الامثل لكلمة سر فتح ابواب ظلت موصدة بين قطر والشقيقات الغاليات، كل من السعودية والامارات والبحرين، إذ لا يخدم اغلاق تلك الأبواب إلا أعداء الأمة ممن تشخص عيونهم، وتلمع مخططاتهم على نفط الخليج وصناديقه السيادية وثرواته الطبيعية.
وعليه، إن الاردنيين وبكل صراحة، وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة جدا، يأملون من تلك الزيارة أن تنعكس ايجابا عليهم، شكلا ومضمونا، وان تترجم على الشقيقة قطر لما فيه خيرها وصالحها داخليا وخارجيا.