التَقاعد المُبكر ليس للرفاهية
بقلم سلامة الدرعاوي
اغفل الحوار الجاريّ على مشروع القانون المُعدّل لقانون الضمان الاجتماعيّ كُلّ التعديلات المُقترحة، وتركّز الحِوار الذي هو أقرب للجدل على موضوع التَقاعد المُبكر فقط لا غير، وكأننا في الأردن بتنا نتطلع لهذا الهدف وهو التَقاعد المُبكر على انه وسيلة للثراء والرفاهية، وكأنه حق من حقوق أي مشترك تحت مظلة الضَمان.
التعديلات التي شَرَحها بالتفصيل مدير عام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ الدكتور حازم رحاحلة في الحِوار الإعلامي الأخير بِكُلّ اِقتدار أن التعديلات الأخيرة على قانون الضمان جاءت لتعزز مبدأ الحماية الاجتماعيّة للمؤمن عليهم والمتقاعدين وأسرهم، والإسهام في تشجيع وتحسين بيئات الأعمال لتمكّينها من إيجاد فرص عمل مع تعزيز حقوق المؤمن عليهم عسكريّاً، وبما يُحقق في النهاية ضمان الاستدامة الماليّة والاجتماعيّة للنظام التأمينيّ.
بدلاً من أن يُركّز النقاش على التعديلات الجديدة في القانون والتي تتعلق بصميم احتياجات المؤمن، تحوّل النقاش حول التقاعد المبكر والذي نعتقد انه يُشكّل أحد أبرز التحدّيات على استدامة القدرة الماليّة للمؤسسة على تمويل أنشطتها المُختلفة
شخصيّاً من أنصار إلغاء التقاعد المُبكر في مشروع القانون الجديد، ولكن ألغاء لا يجب أن يكون مَشمولا بِكُلّ القطاعات واللامركزية بذلك المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ خالفت أهدافها المتعلقة لتحقيق العدالة الاجتماعيّة بين القطاعات المؤمن لديها.
لا يعقل أن تتساوى المعاملة أو النظرة الشموليّة للمؤسسة للمؤمن لديها، فهذا فيه ظلم واضح وعدم مساواة بين الشرائح، فالتقاعد المُبكر ضرورة لبعض القطاعات التي يفرض واقعها أن يتقاعد العامل فيها لأسباب صحيّة بحتة، وهنا اعني بالأسباب الصحيّة التي تؤثر على حياته ومعيشته وإلحاقها أمراضا مزمنة بمنتسبيها لا يستطيع من خلال هذا العمل الاستمرار بنفس الوتيرة التي هو عليها، ومن هُنا ومن هذه الزاويّة المرتبطة بالأسباب الصحيّة لابد أن تتغير مُعادلة احتساب راتب التقاعد المُبكر لهذه الفئة بحيث تضمن لها عيشا كريما يساوي ما كانت تتقاضاه من أجر أثناء عملها.
التقاعد المُبكر هو استثناء وليس عام، فالعام هو تقاعد الشيخوخة فقط لا غير، أما التقاعد المُبكر فهو ظاهرة فيها من الفساد الإداريّ والماليّ ما يسمح بإلغائه نهائيّاً نتيجة الممارسات التراكميّة التي حصلت من قبل غالبية من تقاعدوا مُبكراً، فهم بالأساس وانا أتحدث عن الغالبية العظمى لم تتقاعد نتيجة رغبتها في الاستراحة بعد سنوات من العمل، بل لأن القانون السابق كان يسمح لِكُلّ من بلغ ٤٥ عاما وبعدها ٥٠ عام في التعديل الأخير بالتقاعد المُبكر والحصول على ما يقارب الـ٧٥ بالمئة من راتبه الإجماليّ الخاضع للاقتطاع، ومن ثم يعود ذات الشخص المُتقاعد مُبكراً للعمل من جديد وقد يكون في ذات المنصب والعمل السابق قبل التقاعد بعقد عمل جديد، وبذلك يكون انتفى السبب الأساس والرئيسي للتقاعد بهذه الممارسات السلبيّة.
التقاعد المُبكر ليس آفة ماليّة على خزينة الضمان فقط، وإنما عامل أساسيّ أيضا في تناميّ مُعدّلات البطالة، فالمتقاعدون على النظام المُبكر والذين يشكّلون ما يقارب الـ٤٩ بالمئة من إجمالي عدد المتقاعدين البالغ عددهم نحو ٢٣٠ ألف مُتقاعد، في غالبيتهم يعودون للأعمال ويستحوذون على غالبية فرص العمل التي كان بالإمكان أن تذهب لجيل آخر من الخريجين الداخلين لسوق العمل.
الممارسات التراكميّة التي شهدتها عمليات التقاعد المُبكر والإجراءات التي اتبعتها الإدارات السابقة في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ على حدٍ سواء خلقت تباينا واضحا بين مُنتسبيّ هذه الشريحة، فهناك متقاعدون على النظام المُبكر يتقاضون رواتب كبيرة ، فالشريحة الأعلى من تلك الرواتب تتقاضى ٢٥٠ مليون دينار أو ما نسبته ٢٥ بالمئة من إجمالي الراتب التقاعديّة، فسقوفهم الماليّة لرواتبهم مفتوحة، بعدها تم وضع سقف بخمسة آلاف للمتقاعد المُبكر وبعدها اصبح ثلاث آلاف دينار كحد أعلى للمتقاعد مُبكرا، والتعديلات الأخيرة تقترح إلغاءه كاملا على المشمولين الجدد في الضمان بعد إقرار القانون الجديد، فأي عدالة تحققت بين شرائح المتقاعدين هذه.
التقاعد المُبكر ليس للرفاهية والثراء ومضاعفة الدخل، أنما هو وسيلة قانونيّة تتيح العيش الكريم والأمن لشريحة اقتضت ظروف أعمالهم أن تنتهي مسيرة أنشطتهم مُبكرا لظروف صحية بحتة، وغير ذلك لا وجوب لأي شي اسمه تُقاعد مُبكر في النظام الاجتماعيّ لأنه عبارة عن خلل واضح في العملية الاجتماعيّة والإنتاجيّة معاً.